قبل ساعتين من التقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن، أمس، أعلن في تل أبيب عن تطور درامي كبير، من شأنه أن يورط نتنياهو عميقاً جداً في أربعة ملفات فساد فتحتها ضده الشرطة. ووقع المستشار الإعلامي السابق لعائلة نتنياهو، نير حيفتس، أمس، على اتفاق «شاهد ملك» مع الشرطة وسلطة الأوراق المالية، سيقدم بموجبه إفاداته في شبهات الفساد التي تنسب إلى نتنياهو وزوجته سارة، وتحديداً في القضية التي يتهم فيها بتقديم مساعدات وتسهيلات تقدر قيمتها بربع مليار دولار لصديقه شاؤول ألوفيتش صاحب شركة «بيزك» للاتصالات وموقع «واللا» الإخباري. ووفقاً لأحد المقربين من طاقم التحقيق في الشرطة، فإن هذا التطور يعتبر درامياً، ويشكل منعطفاً حاداً في قضية نتنياهو؛ لأن حيفتس هو أقرب المقربين من عائلة نتنياهو. وعمل معها طوال عشرين سنة من دون توقف، وانشغل في جميع الملفات. وأكد مصدر في الشرطة أن حيفتس قال في التحقيق إنه «توصل إلى قناعة بضرورة التحول إلى شاهد ملك؛ لأنه يرى أن هذه هي مصلحة البلاد، وليس فقط كي ينجو بجلده». ونقل عنه القول إن «عهد نتنياهو انتهى». وفي واشنطن، علق أحد المقربين من نتنياهو على هذا التطور بالقول إن «تجنيد ألف شاهد ملك لن يغير من حقيقة أن نتنياهو بريء، وأن الاتهامات ضده كاذبة وذات أهداف سياسية». وسبقت هذه المفاجأة اتهامات من حلفاء نتنياهو له بـ«افتعال أزمة» في الائتلاف الحاكم لتبكير موعد الانتخابات، لتحسين وضعه. وهاجم قائدا حزب المستوطنين «البيت اليهودي» وزير التعليم نفتالي بنيت، ووزيرة القضاء أييلت شكيد، رئيس الوزراء، واعتبرا أنه يسعى إلى تفجير أزمة «لخدمة مصالحه الشخصية في مواجهة قضايا الفساد». وكان حزبا المتدينين اليهود المتزمتين «يهدوت هتوراه» لليهود الأشكناز الغربيين، و«شاس» لليهود الشرقيين، طالبا بإقرار فوري لتعديل على قانون التجنيد للجيش، يتيح إعفاء الشبان اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية الإلزامية. وربطا بين تمرير القانون والمصادقة على الموازنة العامة. وأكدا أنهما لن يصوتا مع الموازنة إلا بعد إنهاء إجراءات تعديل القانون، علما بأن عدم تمرير الموازنة يؤدي إلى سقوط الحكومة بشكل فوري. وفي المقابل، هدد وزير المالية موشيه كحلون بالانسحاب من الحكومة في حال عدم تمرير قانون الموازنة. والمشكلة أن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان يرفض قانون التجنيد بصيغته المقترحة، ويهدد هو أيضاً بالانسحاب من الائتلاف في حال تمرير القانون. وغادر نتنياهو إلى الولايات المتحدة من دون أن يحاول تسوية الخلاف في الموضوع، ما جعل كثيرين يرون أنه يتعمد عدم التدخل لأنه معني بسقوط حكومته. وهو يبدو واثقا من الفوز بالحكم مرة أخرى، إذ إن كل استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى احتمال فوزه بعدد النواب نفسه، وقدرته على تشكيل ائتلاف من الأحزاب المكونة للائتلاف الحالي. وهو يعتقد بأن بقاء حكومته الحالية يقوي حلفاءه عليه. فهم يشعرون بأنه بات ضعيفاً بسبب فتح خمسة ملفات فساد ضده، وسيصير عرضة للابتزاز السياسي. بينما إذا دعا إلى انتخابات وفاز بها، فإن ابتزازه سيكون صعباً لحصوله على تفويض من الجمهور يقويه في وجه الشرطة والنيابة وكذلك الحلفاء والخصوم. وقال بنيت إن الأزمة مع الأحزاب الدينية المتزمتة «تافهة وغير جدية، وبإمكان نتنياهو إن أراد ذلك أن ينهيها في غضون عشر دقائق؛ لكنه بدلا من ذلك يتركها تتدحرج حتى تفكك الائتلاف وتوصل إسرائيل إلى انتخابات مبكرة مكلفة وغير ضرورية». وحذرت شكيد من أنه «رغم استطلاعات الرأي التي تؤكد فوز اليمين مرة أخرى، فإن مفاجآت قد تحدث في اللحظة الأخيرة، وتؤدي إلى خسارة اليمين وعودة قوى الوسط واليسار إلى الحكم». وقالت شكيد في خطاب ألقته أمام مؤتمر اللوبي اليهودي الأميركي «أيباك» في واشنطن، أمس، إن «أزمة قانون التجنيد أزمة مزيفة... سيكون من عدم المسؤولية أن تقود هذه الأزمة إلى الانتخابات وإسقاط حكومة اليمين، التي تعتبر حكومة جيدة وتفعل أشياء مهمة في مجالات الأمن والاقتصاد والقانون والتعليم». وأضافت: «ليس هناك ما يدعو إلى منح اليسار متعة إطاحة حكومة يمينية. لا يمكن لأحد القطع بأن اليسار لن يصل إلى السلطة». وانضم الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين، في وقت سابق، إلى المحذرين من إمكانية إجراء الانتخابات في ضوء أزمة قانون التجنيد، قائلا: «لا يمكن حل قضية التجنيد بالإكراه، وإنما من خلال ترتيب فقط. إذا لم ننجح في حل هذا الخلاف بواسطة الحوار العميق، ومحاولة التوصل إلى ترتيبات مسؤولة ومحترمة وواقعية، فإن هذه القضية ستواصل تقويض استقرار النظام السياسي الإسرائيلي، والأسوأ من ذلك، ستزيد التوتر بين القطاعات المختلفة». وشدد الرئيس على أنه «من أجل تهدئة التوتر والتقدم، يجب أن نجد آليات إضافية للحوار بيننا، حتى يتضح أن هذا ليس نزاعاً بين أناس يكرهون الجيش الإسرائيلي من جهة وآخرين يكرهون التوراة من جهة أخرى، وإنما بين إسرائيليين يحترمون الجيش ويحترمون التوراة ومن يدرسونها». وامتدت الانتقادات لنتنياهو إلى صفوف حزبه «ليكود»، ومعها تحذيرات من انتخابات جديدة «قد تحمل مفاجآت غير محمودة». وقال أحد وزراء الحزب، من دون الإفصاح عن اسمه، إن «نتنياهو يستغل الأزمة مع المتدينين من أجل تبكير موعد الانتخابات، على ما يبدو إلى نهاية يونيو (حزيران) القادم. فهذا الشهر هو التاريخ المفضل؛ لأن النيابة ستكون ما زالت تدرس قرار توجيه لائحة اتهام ضده. وبمجرد تحديد موعد للانتخابات ستوقف النيابة التحقيق معه، وتنتظر حتى انتهاء المعركة الانتخابية». وادعى مصدر آخر في الحزب الحاكم أن من شأن نتنياهو «تقييد» شركائه إذا فاز في الانتخابات. وقال: «إذا تقرر بعد بضعة أشهر من ولايته تقديم لائحة اتهام ضده، فسيكون من الصعب أكثر على بنيت أو كحلون أو ليبرمان تفكيك حكومة جديدة، بعد حصول نتنياهو على ثقة الشعب... بدلاً من التحقيقات، بإمكانه التوجه إلى انتخابات على خلفية أزمة التجنيد». ويخشى بعض نواب «ليكود» من الانتخابات؛ لأنها قد تكلفهم مقاعدهم. ويتهم الحزب نائب وزير الصحة يعقوب ليتسمان برفض التحلي بالمرونة، بسبب إصراره على «قانون التجنيد» الجديد، كشرط للتصويت على مشروع قانون الميزانية، وهو مطلب غير ممكن من ناحية تقنية. وأعلن وزير المالية أنه «إذا لم تتم الموافقة على الميزانية بحلول منتصف الشهر، فسينسحب حزب (كلنا) من الحكومة». وفي غياب الاتفاقات، من المتوقع أن يطرح قانون حل الكنيست الأسبوع المقبل.
مشاركة :