هل المبدع مضطرب نفسياً؟

  • 3/6/2018
  • 00:00
  • 39
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن الفكر البرجوازي لا يجدّد نفسه في العلوم الإنسانية، فالنظريات التي اكتشفها هذا الفكر ما زال يعمل بها من دون تجديد أو تطوير أو نقد ذاتي، وهذه النظريات تأخذها عامة الناس كمسلمات من دون فحص أو تمحيص. وحنى المقولات والمصطلحات القديمة مثل «التنويم المغناطيسي» لا توجد إلا في الأدبيات العربية ومنذ القدم، كما لا تزال العلوم النفسية في الفكر البرجوازي تعتمد على نظريات سيغموند فرويد، رغم انتقادها من علماء آخرين من الذين ثبت لديهم أنها غير صائبة، فليس مرد كل شيء إلى الجنس، وبرأيي الشخصي أن فرويد أخر العلوم النفسية سنوات طويلة. كما لا تزال الدراسات الأكاديمية النفسية، تعتمد على نظريات التحليل النفسي والتداعي الحر، فيقوم الاختصاصي بإضاعة وقت العميل بتسجيل كل انطباعاته وعلاقاته، مالئاً عشرات الصفحات غير المفيدة. حيث إن البشر يستسهلون ما يسمى «الاستيرو تايب»، أو النقل والنسخ من دون انتقاد، فقد سادت لدى البشر أنماط ونماذج لعالم النفس على سبيل المثال، فعندما يصور عالم النفس في السينما أو في أذهان الناس، يصور بشعر منكوش ونظارات سميكة، وباختصار نموذج الاختصاصي النفسي هو نموذج المجنون أو المخبول، علماً بأنه قد يكون وسيماً ومتزناً وأنيقاً. ومن ضمن النظريات النفسية الكلاسيكية، ربط الإبداع بالجنون أو الاضطراب النفسي، كما وصفه د. محمد سويدان خلال محاضرة نظمتها مكتبة تكوين، مؤكداً أنه «ثبت علمياً»، ومستشهداً ببعض حالات المبدعين في التاريخ، علماً أن الاضطراب النفسي يصيب المبدع وغير المبدع، كما لا يفرق علماء النفس التقليديين بين المشكلات النفسية والأمراض النفسية، فالأولى يلعب الجهاز العصبي فيها دوراً أساسياً مثل الضغط النفسي أو القلق بأنواعه أو المخاوف، ويفاقم العقل الباطن باختصاصاته (الخيال والشعور)، بتكوين العادة الذهنية، بعد الاستجابة العصبية وخلق الارتباط الشرطي، أما المرض النفسي فهو خلل في كيمياء المخ، أما نتيجة الوراثة أو بعد فترة طويلة من وجود المشكلة وتحولها إلى مزمنة. المبدعون لديهم استجابات حساسة مثلهم مثل كثير غيرهم ويوصفون بالحساسين، لكن الحساسية هذه هي امتياز وليست عيباً، الفرق أن المبدع يعبر عن التقاطاته وتفاصيل ما يراه ويشعر به بعقل مفتوح وليس مكبوحا، فهو منطلق بينما الآخرون تحد سلوكهم وتفكيرهم كوابح مختلفة اجتماعية ودينية، وهو يستخدم عقله الباطن في الإبداع والحياة بينما معظم الناس يستخدمون عقولهم الواعية، علماً بأن قائد الإنسان في الحقيقة هو العقل الباطن، والمعروف أن العقل الواعي محدود جداً، ولذا لن نجد مبدعا يستخدم المنطق فقط في إبداعه. إن التفكير والسلوك غير المألوف عند البعض، هو تفكير حددته العادات والتقاليد والخطأ والصواب أو يجوز ولا يجوز، فالرقص في الشارع لا تجيزه ثقافات وتشجعه ثقافات أخرى، وحتى استخدام الخيال حرام ولا يجوز عند بعض الثقافات، فليس الإبداع اضطراب نفسي بل هو استخدام لإمكانات العقل الباطن غير المحدودة، وتطوير لهذه الإمكانات على عكس البشر العاديين، فالإبداع حالة عالية من التفكير وأفق واسع في المخيلة، لا يولد مع الإنسان إلا الاستعداد ويتطور بالتدريب، وللموضوع تفاصيل أكثر لا يحتملها هذا المقال. osbohatw@gmail.com

مشاركة :