إنعام كجه جي: الهجرات... هي التي ترسم المصائر

  • 3/6/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أصبح فن الرواية موئلاً للوسائط التعبيرية، مثل السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، وذلك لأنَّ الرواية تواكب التطورات وتتسعُ لشتى الموضوعات، لكن قليل من الروائيين على دراية بالمنهج الذي يعتمدونه في كتابة أعمالهم. ومن هؤلاء الكاتبة والروائية العراقية إنعام كجه جي من أصوات الروائية المتميزة، التي تكتب بدافع إبداعي محض لذا كلما صدر لها عمل روائي جديد يستطقبُ القراء والنقاد على حد سواء فآخر ما نشر لصاحبة «الحفيدة الأميركية» رواية «النبيذة» حيث تتداخل الأزمنة في هذا العمل وتضفرُ الكاتبة لحظات مِفصلية في تاريخ العراق وبلدان أخرى في متن سردها الروائي... وللوقف عند هذه التجربة الروائية الثرية، أجرينا هذا الحوار مع كجه جي، والتي تحدثت فيه عن تجربتها مع هذا الجنس الأدبي الذي أثبت وجوده في هذه الأيام في مقابل الأجناس الأدبية الأخرى، بالإضافة إلى إضاءتها على ما قدمته من أعمال روائية متميزة، وذلك خلال الحوار الذي نورد إليكم نصه: ● على رغم الدور المركزي لباريس وبغداد، على مستوى البنية المكانية في روايتك الأخيرة، لكن هناك إشارات إلى مدن أخرى في جغرافيات مُختلفة، هل الغرض من ذلك هو الكشف بأنَّ ما يهمُ ليس المكان بوصفه وعاءً للحدث بل ما يختزنه من ذكريات؟ لا أظن أن الكاتب يضع في رأسه أفكاراً مثل هذه قبل الشروع بكتابة رواية. أو لنقل إن شيئاً من هذا لم يخطر ببالي قبل كتابة «النبيذة». كانت الشخصيات هي التي تشغلني، وهناك استعارات من وجوه حقيقية ومن رجال ونساء عاشوا بالفعل في بلدي، أو مروا به، والتقيت ببعضهم، وقد كانت لكل واحد منهم حياته وتنقلاته وأسفاره وأسباب اغترابه. وهكذا جاءت خارطة الرواية على وقع خطوات شخصياتها. أي أنني فتحت الأطلس وعدت تلميذة تقرأ عن حارات القدس القديمة ومزارات قمّ وموانئ الخليج وسهول باكستان وسجون فنزويلا ومقاهي القاهرة وأزقة شارع الرشيد في بغداد، لكي ألاحق أبطالي الثلاثة في بلاد الله الواسعة التي فتحت أبوابها لهم. مع العلم أن المقر الأساسي للأحداث هو باريس. ولعلك تشاركني الرأي، أن الفرد في عالمنا المضطرب لم يعد لصيق مسقط رأسه، وأن الهجرات صارت هي ما ترسم المصائر... ولد جدي في الموصل وعاش فيها حتى النفس الأخير، في حين أن أحفاده مبثثون اليوم في كل القارات من دون استثناء. وفي روايتي الثانية «الحفيدة الأميركية» تقول البطلة زينة إن «الهجرة هي استقرار العصر». ● توجد حالة من التقابل بين زمنين في رواياتك خصوصاً في «طشاري» ما تستعيدهُ الشخصية الأساسية الدكتورة وردية من زمن يسودُه الوئامُ والتسامح، يصطدم بزمن جيل غابت لديه هذه القيم، لماذا يغيبُ برأيكِ الحديث عن شكل المستقبل في الروايات العراقية؟ أنني بصراحة لا أعرف شكل هذا المستقبل. وأنت حين تفتقد شيئاً، أو يساورك الشك فيه، فإنك تعود إلى مرجعياتك السابقة عنه، وتستعيد صوره وتفتش عن روائحه وتقرأ عن رجاله ونسائه وتنبش أرواح أسلافهم وأسلافك لكي تتأكد من أنهم كانوا هنا، مواطنين عراقيين حقيقيين عاشوا مستورين وأنشأوا أبناءهم وبناتهم على ما تسميه أنت القيم الغائبة. وفي ظل هذا الغياب، لا أملك ككاتبة سوى تحضير أرواح الماضي الجليل، لعلنا نخجل مما ألت إليه الأمور بين أيدينا. ● من الملاحظ الاهتمام بأحداث تاريخية مفصلية في رواياتك وإيراد شخصيات حقيقية ضمن البناء الروائي، كيف يمكن للروائي توظيف التاريخ في عمله الإبداعي من دون أن يضيعَ طابع الرواية في لجة معلومات تاريخية؟ لا أملك الأهلية لكتابة التاريخ لكنني أحاول أن أكتب ظلّه وشوارده وهامشه التي انفلتت من متونه. وعند هذه المحاولة، فإنني لا أضمن لك امتناعي عن الخوض في اللعبة الشيقة للمماهاة بين ما هو حقيقي وما هو متخيل. إنها مغامرة تغري الكاتب بالقفز في لجتها. فإذا غرق استحق أن نقرأ عليه السلام، وإذا تمكن من الغوص ثم معاودة الظهور على السطح، يكون من حظه العثور على ناشر يوافق على أن ينشر له ثيابه المبللة. ● «النبيذة» هي رواية الشخصية، فالبطلة تبدو من شخصيات إشكالية تطوف في المدن وهي عاصرت مُنعطفات تاريخية وعاشت تجربة الحب العارم بالمقابل أنَّ وديان شخصية غير مُغامرة هل يمكن التعامل مع شخصيتين كرمز لعصرين مغايرين الأولى تُمثلُ العصر الملكي والثانية للعقود الديكتاتورية؟ الرواية كلها، كما أردتها، ومثل كل رواياتي السابقة، تقوم على المرايا المتقابلة التي تعكس زمنين أو عدة أزمان مختلفة. وأنت في القصص لا تبحث عن شخصيات عادية بل عن تلك التي تساعدك على تطوير السرد وإثارة فضول القارئ وبلوغ هدفك من الحكاية. وليس صحيحاً أن كل شخصيات العهد الملكي كانت متسامحة وراقية كالملائكة وكل شخصيات عهود الدكتاتورية كانت شياطين. الخيار بيد المؤلف، وهو من ينتقي من الواقع، أو من الخيال، وفي حالتي من الاثنين معا، السحنات والأمزجة والأسماء التي تناسب ما ينوي التعبير عنه، أي فهمه الخاص لمهنته ولدوره في هذا المعمعة الوجودية التي يمر بها وطنه وأمته. ولعل تجربة ما تسميه بالحب العارم هي ما حسمت انحيازي لشخصيات «النبيذة». الحب العارم وحده يساعدنا في احتمال جنوح السفينة. ● وردت الإحالة إلى الصور الفتوغرافية في «النبيذة» ويكشفُ المتلقي بأن صورة الغلاف هي جزء مما ورد في ألبوم أكرم شكري كذلك في مقاطع أخرى من السرد، يتم التوظيف لتقنية الصورة هل الأمر يتعلق بهيمنة الصورة في عصرنا أو أن استخدامها جزءُ من أبعاد جمالية في بناء الرواية؟ كل ما في الأمر أن إحدى الشخصيات وهبتني بعض صورها. فاستخدمت الصورة على الغلاف. وهناك في متحف الفن الحديث في بغداد، لوحة لها كان قد رسمها الفنان الرائد أكرم شكري. ولا أدري هل ما زالت اللوحة هناك أم تبددت مع ما تبدد ونُهب. أنا رأيت اللوحة في كاتالوغات الفن العراقي المعاصر. ● ثيمة الحب من الثيمات الأساسية في «النبيذة» ويأخذ المتلقي بأن مقاربتك لثيمة الحب في عملك الجديد قريب مما تبناه ماركيز في «الحب في زمن الكوليرا»، هل هذا صحيح؟ هل تقصد التقاء حبيبين عجوزين بعد فراق؟ إن الحب ثيمة قديمة قدم البشرية. قبلي وقبل ماركيز وقبل أجدادنا. من أيام جلجامش ونشيد الإنشاد. ومن دون الحب لا تستوي ثلاثة أرباع الروايات والأفلام والمسرحيات والقصائد. أما الصحافية العراقية القديمة تاج الملوك عبدالمجيد، الشخصية الأساسية في «النبيذة»، فقد عاشت 90 سنة تتمسك بروح شابة وثابة على أمل لقاء منصور البادي، زميلها الفلسطيني الذي اشتغلت معه في إذاعة كراتشي العربية أواسط القرن الماضي. هل تم اللقاء أم شُبّه لها؟ لا بد من مطالعة 340 صفحة لكي تعرف الجواب.

مشاركة :