في حدث هو الأبرز على الساحة الاجتماعية والرياضية والترفيهية ومشاركة نحو 1500 فتاة في ماراثون “الحسا تركض”، وهو الماراثون الأول الذي يُقام في محافظة الأحساء والذي رعته الهيئة العامة للرياضة مع هيئة الترفيه بالتعاون مع أمانة الأحساء ونظمه مستشفى الموسى يوم السبت الماضي وقد حظي هذا الحدث الرياضي باهتمام بالغ في برامج التواصل الاجتماعي والمنتديات وأحاديث العامة في المجالس والأفراد بين مؤيد لمشروعيته ومعارض لخروجه عن الأعراف والتقاليد والدين. وقد كان لهذا الحراك الرياضي قُوة كبيرة وصدى واسع بين فئات المجتمع من الجنسين استطاعت أن تحرك شُجونه وتخترق أعماقه وتجعل الكثير من فئات المجتمع يُبدون آراءهم وتحليلاتهم حول الحدث في شكله ومضمونه ودلالاته وواقعه ومستقبله معبرين عن دعمهم والأدلة حوله أو أسباب رفضهم . وهذا الحدث ليس أول حدث يُحرك صمت المجتمع نحو أنشطة المرأة ومشاركتها في التعليم والعمل والتنمية والاقتصاد وخروجها عن دائرة المألوف في الحياة الأسرية والاجتماعية ضمن العادات والتقاليد والأعراف فجيل الأجداد يذكرون تلك المرحلة التي قاوم فيها المجتمع دخول المرأة المدرسة والتعليم وكيف وقفت المرأة نفسها في إعاقة تقدمها وأيضا كيف قاوم المجتمع خروجها وتعلمها ومحو الجهل من حياتها ومع مرور الوقت وشدة المقاومة وإصرار ولاة الأمر والمسؤولين على تمكين المرأة من أبسط حقوقها وهو التعليم لتكون نواة صالحة في بناء شخصيتها وصناعة أبنائها. وعندما تعلمت المرأة ونجحت وتفوقت استطاعت أيضا أن تدخل سوق العمل في التدريس لتعليم الطالبات في مدارس البنات وأيضا استطاعت خرق حاجز الاختلاط والعمل المشترك مع الرجل في المستشفيات ومجالات الصحة وكانت مقاومة المجتمع قوية جدا لحضورها ومشاركتها والتشكيك في قدرتها على النجاح في العمل الصحي والثقة بها في المحافظة على أنوثتها وعفتها وراهن المشككون على ذلك وثبتت المرأة في ميدانها ونجحت واستطاعت التوازن بين عملها وبيتها وأسرتها وأنوثتها واستسلم أعداؤها باحثين عن مجال آخر للنيل منها ووقف تقدمها وتألقها. لقد تعلم الجميع قانون ( أُوم ) في المدرسة ولم يتم الاستفادة منه في حياتنا وهو قانون فيزيائي يُوضح العلاقة بين ثلاثة متغيرات تتحكم في التوصيل الكهربائي والمتغيرات الثلاثة هي شدة التيار وفرق الجهد و المقاومة . والمقاومة الكهربائية هي خاصية فيزيائية تعني إعاقة المادة لمرور الشحنات الكهربائية عبرها وتحدث المقاومة عندما تصطدم الإلكترونات المتحركة في المادة بالذرات وتطلق طاقة في شكل حرارة وتعتبر الموصلات الجيدة مثل النحاس ضعيفة المقاومة مقارنة بأشباه الموصلات مثل السليكون وأما العوازل مثل الزجاج والخشب فذات مقاومة عالية جدًا يصعب معها مرور الشحنات الكهربائية عبرها بينما لا تشكل الموصلات الفائقة أي مقاومة لمرور الشحنات عبرها. فالمرأة تيار اجتماعي يُشكل نصف عدد سكان الوطن ويحاول النفاذ في كل جسد المجتمع عبر برامجه وأنشطته وممارساته واقتصاده وفنونه وتعليمه وابداعاته ونجاحاته والمقاومة هي جميع مَنْ يقف في وجهها واضعا لها العقبات والمعوقات في طريقها سواء من الرجل أو المرأة نفسها مستخدمين أدوات التشكيك والسخرية وضعف الثقة وانحرافها وضياع دينها وخراب بيتها وأسرتها. إن المجتمع المتحضر والواعي والمثقف والمتدين هو الذي يختار المواد الموصلة والجيدة لتيار المرأة لنفاذها في جسد المجتمع ومشاركتها الفاعلة فيه وليس العكس يختار لها سائقا خاصا بدل أن تقود السيارة بمفرها ويخفي صورتها من هويتها حتى لا يتم معرفتها ويفرض عليها عمل وكالة شرعيه للقيام بأعمالها الخاصة والتلاعب بأموالها ويقبل جلوسها في أماكن مظلمة في المطاعم والمقاهي بدلا من وضوح حركتها. لقد كرم الإسلام المرأة وأعلى من شأنها ومكانتها وحثها على أخذ دورها في كافة الميادين والأنشطة حتى الحربية منها وها نحن اليوم وبقلة وعينا وإدراكنا نصنع المقاومة في طريقها وما ذلك إلا جهلا منا بمقومات قدراتها وإبداعاتها المتنوعة واستغلالها في الصالح لها وأنها شريك حقيقي في التنمية والبناء على جميع المستويات. فالمقاومة التي تنظر إلى توافه الأمور وسَقطاتها وأخطائها في حركة وبرامج وأنشطة المرأة فهي مقاومة خاسرة في زمن أثبتت المرأة نجاحها في ميادين عديدة وإذا سلمنا أن خوفنا عليها من وقوعها في تجارب تُدمر شخصيتها فعلينا أن نثبت لها أننا نقف معها في حركتها ونفتح لها أبواب متعددة وطرق متنوعة للوصول إلى نجاحها. إنني أدرك حجم الحرارة الناشئة في أحاديث الناس من مقاومة موضوع حساس كهذا وإثارة حفيظة المقاومين والمتحفظين على مثل هذا النوع من الأنشطة الرياضية للمرأة في مجتمع له عاداته وتقاليده ولكن دعونا ننظر للموضوع من زوايا متعددة وآراء مختلفة من دون تشنج أو حِدة رأي فالموضوع يستحق الأهمية من دون تعصب أو تشنج وعلينا أن ندع مساحة للتجارب الجديدة وألا نُعيق تقدمها ونصحح من أخطائها من دون أن نمنعها. أخيرا .. فقد حصدت المهندسة الشابة المتألقة مزنة النصار المركز الأول في مارثون ( الأحساء تركض ) وأعطت المثال النموذجي للمرأة السعودية والتميز في المشاركات ليس على مستوى الرياضة فحسب بل في الجمع بين العقل والجسم وأعتقد أن أغلب مَنْ شاركن ليس بأقل من مزنة وأن لديهن طموحات وأهداف تحتاج إلى طريق ليس فيه مقاومة سلبية.
مشاركة :