تؤكد الدراسات الحديثة أن والدي الفتاة يفضلان عادة أن ترتبط ابنتهما بشريك أقل وسامة من الصورة التي تتخيلها الفتاة عن ملامح شريك المستقبل؛ حيث تضع معظم الفتيات في العادة المظهر العام، الصفات الجسدية والوسامة في مقدمة الخيارات المفضلة لمواصفات شريكها، في حين يصر الأهل على ارتباط ابنتهم برجل غير وسيم أو أقل جاذبية في نظرها، فما هي دوافع هذا الإصرار؟ في بحثه الموسوم “صراع الآباء والأبناء في اختيار الشريك، أوجه الاختلاف والاتفاق”، يؤكد الدكتور مينلوس أبوستولو أستاذ علم النفس التطوري المشارك في جامعة نيقوسيا في قبرص، على أن هناك تفسيرا تطوريا لهذا الاختلاف في الأولويات؛ حيث يهتم الأبناء والفتيات بصورة خاصة بملامح أطفالهم المستقبلية وأهمية عنصر الجينات الوراثية في تقرير ذلك، لهذا يتركز اهتمامهم بالصفات الجسدية والملامح الخارجية لشريك الحياة وما يمكن أن يورثونه لأبنائهم في المستقبل أكثر مما يفعله الأهل. اختيار شريك الحياة مهمة عسيرة في بعض الأحيان، خاصة في ما يتعلق بالفتاة حيث تتعارض الأولويات بين الجاذبية الجسدية، قوة الشخصية، الطيبة، الاستقرار المادي، وحس الفكاهة وغيرها الكثير من المواصفات. وعندما تتعارض رغبتها في اختيار شريك وفق مواصفات معينة مع رغبة الأهل الذين يبحثون عن مواصفات أخرى أكثر أهمية من وجهة نظرهم، حيث يقيمون الأمور من خلال منظار خبرتهم الطويلة في الحياة، فإن الرغبتين لا تتقابلان في الواقع إلا ما ندر. وهذا لا يعني بالضرورة بأن مسألة الجينات الجيدة غير مهمة للوالدين، إذ تشير بعض البحوث التجريبية الأخيرة إلى أن الجاذبية البدنية تلعب دورا أقوى من خصائص الشخصية بالنسبة للفتيات والوالدين على حد السواء. أما في الدراسة الحالية، فقد قدم الباحثون تقييما لإجابات المشاركين في الدراسة من العينة التي اشتملت على 133 فتاة، 61 أما و84 أبا وهم من نفس الأسر التي تنتمي إليها الفتيات المشاركات، حيث عرضت على المشاركين صور لثلاثة رجال بمظهر جسدي متفاوت؛ ابتداء من جاذبية فائقة ثم متوسطة ومتواضعة كما ارتبط أصحاب الصور بسمات شخصية مختلفة أيضا، وتم تطبيقها بصورة عشوائية على أصحاب الشخصيات الثلاثة حيث تضمنت السمة الشخصية لأحد أصحاب الصور التمتع بالاحترام والثقة والنزاهة، في حين ارتبطت ملامح الشخصية الثانية بالطموح والذكاء وحس الدعابة. وهكذا تم توزيع هذه السمات وغيرها بصورة عشوائية على أصحاب الصور الثلاثة، ثم طُلب من الفتيات اختيار صاحب الصورة الذي تراه أكثر ملاءمة لتصوراتها عن مواصفات شريك المستقبل، وفي الوقت ذاته طُلب من الآباء والأمهات اختيار صاحب الصورة الذي يمثل طموحهم وتصورهم للرجل الذي سيرتبط بفتاتهم في المستقبل على وفق ما يتمنون. وأظهرت النتائج أن الفتيات يفضلن في الغالب الرجل الأكثر جاذبية بصرف النظر عن صفاته الشخصية، في حين لم يشجع أي من الآباء والأمهات بناتهم على اختيار الرجل الأكثر جاذبية جسدية، حتى مع امتلاكه مواصفات شخصية مميزة وملائمة. وتشير هذه النتائج إلى أن الوالدين يحاولان جاهدين تجنيب بناتهما الارتباط برجل جذاب مظهريا، حتى لو توافرت مواصفات شخصية مميزة مدفوعين بسبب أكثر أهمية من وجهة نظرهما، لأن الرجل الجذاب أقل ميلا لبناء علاقات طويلة الأمد إضافة إلى أن الرجل الأقل جاذبية موثوق فيه أكثر في ما يتعلق بتحمله مسؤولية تربية الأطفال في المستقبل وتأسيس أسرة، كما يرجح هذا الخيار اهتمام الوالدين بصورة أكبر بالمواصفات التي تعزز إمكانات الاستثمار في مستقبل أطفال بناتهم، كالوضع الاجتماعي والاقتصادي للزوج وطبيعة الشخص الذي يتحمل المسؤولية. وعلى الرغم من أن هذه الدراسة اقتصرت على عينة تمثلها الفتيات وأولياء أمورهن، إلا أن الباحثين يتوقعون بأن تكون النتائج متقاربة إذا ما مثلت العينة الرجال مع آبائهم وأمهاتهم، بطريقة تماثل ما تجمع من آراء في ما يتعلق باختيار شريكة حياتهم؛ إذا أن الرجال والنساء الذين يتمتعون بجاذبية جسدية كبيرة، أقل حرصا على بناء علاقات زواج ناجحة وطويلة الأمد من وجهة نظر الأهل في العموم، لهذا ينظر إليهم في العادة على أنهم شركاء غير مرغوب فيهم. ومن جانبه، يرى الدكتور جيرمي نيكلسون؛ طبيب أميركي متخصص في علم النفس الاجتماعي وعلم نفس الشخصية، أن النساء والرجال في العموم يولون مظهرهم الجسدي اهتماما كبيرا وقد يصيبهم القلق من صعوبة وصولهم أحيانا إلى الصورة المثالية للجاذبية الجسدية التي تروجها وسائل الإعلام، ويبذلون كل ما بوسعهم من جهود وموارد مادية للحفاظ على هذا المظهر حتى مع التقدم بالعمر، وكل هذا ليحصلوا على إعجاب ورضا الجنس الثاني أو من هو مرشح ليكون شريك أو شريكة الحياة، لكن، هل من الممكن أن تكون العلاقة بين الجنسين بهذا المستوى السطحي من التصورات؟ لم يشجع أي من الآباء والأمهات بناتهم على اختيار الرجل الأكثر جاذبية جسدية، حتى مع امتلاكه مواصفات شخصية مميزة تقول الوقائع إن الحقيقة ليست كذلك، فالرجل قصير القامة والمرأة التي لا تتمتع بجسد رشيق لن تكون حظوظهما أقل من غيرهما لأسباب عدة، وهذه الأسباب ذاتها هي التي تجعل من الرجل الوسيم والمرأة الجميلة يوليان اهتماما أكبر لنواح أخرى في شخصيتيهما عوضا عن الاتكال على مظهرهما الجاذب. ويؤكد نيكلسون على أن جزءا كبيرا من جاذبية المظهر هو مسألة ذاتية تعتمد في الأساس على صورتنا في عين الآخر، كما أن الكثير من جاذبية الشكل ترتكز على صفات الشخصية أيضا، فما هو موجود في الداخل ينعكس بالضرورة على الخارج وهذه حقيقة، خاصة عندما يتعدى الأمر النظرة الأولى فالثانية واللقاء الأول فالثاني، حيث تنعكس الكثير من نواحي الشخصية على ملامح الفرد فإذا كانت إيجابية بشكل واضح فستترك بالتأكيد بصمتها على ملامح الوجه، حتى إذا كانت هذه الملامح متواضعة ولا ترقى إلى مقاييس الجمال المثالية المتعارف عليها في مجتمع ما. ووجدت دراسات حديثة أن الحكم على الجاذبية المادية (الجسدية) يتأثر بصفات شخصية مثل، الذكاء والموهبة، الاحترام، قوة الشخصية، حس الفكاهة، الحضور، الصدق، العمل الجاد، الانفتاح على الآخر والطيبة، حيث يظهر هذا التأثير في كلا الجنسين عندما يتعلق الأمر باختيار شريك الحياة. في الواقع، لعبت السمات الشخصية دورا كبيرا في القبول الاجتماعي عموما، فالغرباء سرعان ما يتحولون إلى أصدقاء بعد عدة لقاءات تعزز فيها ملامح شخصيتهم الاجتماعية حضورهم الشخصي، بصرف النظر عن جاذبيتهم الجسمانية أو لم تكن هي السبب الأساس الذي مهد للعلاقة.
مشاركة :