انهالت الزغاريد الإعلامية طربا وترحيبا بموقف تونس الديموقراطي عندما اعترف حزب النهضة بهزيمته أمام منافسه حزب نداء تونس في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وضجت معظم وسائل الإعلام العربي بالثناء والحمد على موقف تونس، التي استسلمت للديموقراطية ولم تكابر كبعض الدول العربية الأخرى التي تتشبث بالقتال في نزاعها على السلطة، وعد انصياع تونس لحكم الديموقراطية نجاحا يبعث على الأمل في نجاح الربيع العربي، الذي طعن في مقتل في كل الدول التي ولد فيها. هذا الاحتفاء الكبير من الإعلام العربي بفوز (الديموقراطية) في تونس هل كان سيحدث لو أن الفائز في الانتخابات، كان حزب النهضة وليس حزب نداء تونس؟ وهل كان سينظر إليه على أنه مؤشر على نجاح الديموقراطية في تونس كما هو الحال الآن؟ أم أن الأمر كان سيوزن بميزان مختلف؟ إني لا أريد أن أدخل في افتراضات، لكنه مجرد سؤال طاف بذهني! على أية حال، أن يقر حزب النهضة بالهزيمة فينسحب بعيدا بسلام، هذه دلالة ذكاء ونضج في التفكير، وأن تتهلل وجوه التونسيين ترحيبا بالديموقراطية في بلادهم، بصرف النظر عمن فاز ومن انهزم، دليل تمتعهم بوعي فكري يجعلهم يقدمون حكم العقل على غيره من الأهواء والرغبات، ولعل هذا يفسر لنا لماذا تنجح الديموقراطية في تونس وتفشل في باقي الدول العربية! لقد نجح التونسيون في أن يستفيدوا من التجربة المريرة التي تخوضها حاليا دول الربيع العربي، واستطاعوا أن يدركوا جيدا أبعاد ما وقعت فيه من خطأ فادح حين رفضت الجهات المتنازعة فيها، الانصياع لحكم الديموقراطية فقدمت عليه رفع السلاح في وجه الآخر. كيف استطاع التونسيون بلوغ هذه الدرجة العالية من الوعي الفكري، بينما عجز عن ذلك بقية إخوانهم العرب؟ إن هذا ينقلنا إلى التفكير في أمر آخر، هو ما عوامل تكون الوعي الفكري لدى الشعوب؟ ومن المسؤول عن تكوين الوعي، وكيف يمكن ذلك؟.
مشاركة :