في ديسمبر 2017 أوردت وكالة «رويترز» خبرًا عن افتتاح مستشفى في دبي مخصص لعلاج الإبل، مزود بأحدث المعدات الطبية مع غرف عمليات فسيحة، علاوة على مضمار سباق مصغر لكي تركض فيه الجمال بعد تلقيها العلاج. هذا المستشفى الذي بلغت قيمة إنشائه نحو 11 مليون دولار، ربما كان الأول من نوعه في العالم. بعد نشر هذا الخبر بحوالي شهر كانت السعودية تطلق فعاليات مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل في موسمه الثاني التي جرت في جنوب صحراء الدهناء، وشرف حفلها الختامي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مع ضيوفه من حكام وأمراء الخليج، إذ جرت الأشواط الختامية لجائزة الملك عبدالعزيز لسباق الهجن، وتم عرض المزايين الفائزة بالمراكز الأولى، وتوزيع الجوائز التي بلغت قيمتها نحو 119.5 مليون ريال. وإذا كان الحدث الثاني قد استهدف الحفاظ على التراث وتأصيل الموروث، فإن الحدث الأول استهدف الحفاظ على أحد رموز التراث الوطني في شبه الجزيرة العربية ممثلاً في الإبل، وذلك من خلال توفير الرعاية الطبية الكاملة له. الحدثان ذكراني بقصة الطبيب البيطري الأسترالي «أليكس تنسون Alex Tinson» الذي قضى نحو ثلاثين عامًا في صحراء الإمارات يعالج إبلها ويفحصها طبيًا لخوض السباقات ويرشد البدو القائمين على تربيتها، كل هذا والرجل غير متخصص في علاج الإبل. أحسن «تنسون» صنعًا حينما أخرج في العام الماضي كتابا تحت عنوان «بيطري الصحراء The Desert Vet» سرد فيه قصة حياته والظروف التي أتت به من بلاده البعيدة إلى قلب الشرق الأوسط، وما رافق رحلته في مجاهل الصحراء مع الإبل من تحديات ومفارقات، ناهيك عن العلاقات التي كونها في الإمارات على مدى السنوات الثلاثين الماضية، وانطباعاته عن هذه البلاد التي قال عنها ما مفاده: قلت إني سأجرب العمل في الإمارات لعامين فقط، وها قد مر ثلاثون عاما وأنا أقيم بها، مستمتعًا بحياتها وإبلها. ونقول إنه أحسن صنعًا لأن قصته صارت مرتبطة بقصة تحول الإمارات من مجتمع صحراوي إلى مجتمع كوزموبوليتيني حديث، لذا فهو شاهد على عصر كامل من التحولات النهضوية السريعة. يقول تنسون إنه لم يتطلع قط في بداية حياته إلى دراسة الطب البيطري، على الرغم من أن البيطرة كانت جزءًا من تقاليد عائلته. لكنه يعترف أنه في صغره كان مولعا برصد الطيور والحشرات والزواحف وصيدها، خصوصًا أن منزل العائلة كان متاخمًا للبراري وقريبًا من منتزه «كو رنغ كاي» الوطني، حيث جداول المياه والاشجار التي تعيش فيها كائنات حية متنوعة. ويضيف أنه بسبب ذلك الولع قام تدريجيًا بإنشاء حديقة حيوان خاصة به داخل منزله، ثم اطلع على الكثير من الكتب والأفلام في الستينات والسبعينات حول معاملة الحيوانات، كل هذه العوامل مجتمعة جعلته يتجه نحو دراسة الطب البيطري بجامعة ملبورن بعد الثانوية. بعد تخرجه من الجامعة ظل يبحث عن عمل، فحصل على وظيفة طبيب بيطري في منتزه «باكوس مارش» لسفاري الأسود، وبالتزامن حصل على عمل إضافي في عيادة بيطرية كانت بحاجة إلى شاب بيطري يعمل لديها يومين أو ثلاثة في الاسبوع. وهكذا صار تنسون يتعامل تارة مع حيوانات البراري الكاسرة، وتارة مع الحيوانات المنزلية الأليفة. هاتان الوظيفتان وضعتاه في حالات عديدة أمام بعض التحديات التي تجاوزها عبر ابتكار حلول غير دارجة. كان اهتمام الرجل في هذه الفترة من حياته منصبا على معالجة الأسود والنمور والخيول ودراسة حالاتها المرضية، ولذلك كانت الجمال بعيدة عن اهتماماته. لكن الصدفة وحدها جعلته يخوض للمرة الأولى تجربة مع الجمال. إذ طُلب منه تخدير جملين لإجراء عملية جراحية لهما، لكن لا أحد كان يعلم شيئًا عن العقاقير المستخدمة في تخدير الجمال، بما فيهم أطباء حديقة حيوان ملبورن الذين استشارهم وطلب مساعدتهم. هنا لجأ تنسون إلى الابتكار فصنع من عقاقير تخدير الخيول خلطة جديدة للاستخدام في تخدير الجملين. نجحت الخلطة في عملية التخدير، لكن النتيجة النهائية كانت كارثية. إذ أصيب أحد الجملين بداء ذات الرئة وأصيب الثاني بفقدان السيطرة على حركته ولم يعد قادرًا على الوقوف. كانت هذه بداية ارتباط الرجل بالجمال، إذ بعدها بفترة قصيرة تلقى في أثناء عمله في العيادة البيطرية، مكالمة من شخص يدعوه إلى القيام بإخصاء ستة جمال، فاعتقد أن المسألة مجرد مزحة سمجة من أحد أصدقائه، خصوصًا أنه لم يكن من المعقول وجود نصف دستة من الجمال في تلك البلدة الصغيرة. هنا يأخذنا تنسون في الصفحات 24-27 للحديث عن الشخص المتصل الذي جعل الجمال تبدو في نظره مخلوقات ساحرة قادرة على تحمل قسوة الحياة والسير لمسافات طويلة بأحمال ثقيلة، وهو «بادي مكهيو»، فيصفه بـ«أكبر مهووس بالإبل في عموم أستراليا»، ويقول عنه إنه «أمضى نصف عمره في العمل مع الإبل البرية، وبدا من خلال أسلوب تعامله مع إبله أنه يتفهم طباعها بفطرته». نعم، كان مكهيو مهووسًا بالفعل بالجمال، ورائدًا في كل ما يتعلق بعالم الإبل، بل كان واحدًا من أوائل الأستراليين الذين عبروا مسافة 1500 كيلومتر من جنوب بلاده إلى أقصى شمالها على ظهور الإبل في رحلة استغرقت ثلاثة أشهر. التقى تنسون بـ«مكهيو» وارتبطا بصداقة كان من ثمارها إبقاء الثاني للأول إلى جانبه في عام 1988 للإعداد لـ«سباق الجمال الأسترالي العظيم» الذي ينطلق من وسط أستراليا إلى مقاطعة «كوينزلاند» في الجنوب، وتجتاز فيه الإبل المتسابقة مسافة 3000 كيلومتر خلال ثلاثة أشهر. هكذا رتبت الأقدار والصدف لتنسون أن يجد الإبل حوله وعلى أعتاب داره دون قصد. وفي هذا السياق كتب: «عادة نـُسر عندما نقنع أنفسنا بقدرتنا على وضع خطط لمستقبلنا بمراحل متتالية ومرتبة، لكن الحياة هي التي تأتينا في نهاية الأمر، دون أن نناديها في أغلب الأحيان. في الحقيقة، الإبل هي من بحثتْ عني ولست أنا». وهكذا أيضا وجد نفسه ينجرف تدريجيًا بعيدًا عن عمله في العيادة البيطرية، وبعيدًا عن علاج الحيوانات الكاسرة والأليفة، مفضلاً عليهما الانخراط في علاج الإبل وسباقاتها، خصوصًا أنه أراد مع صاحبه «مكهيو» أن يجعلا من سباق الجمال الأسترالي العظيم استعراضًا للإبل ومصدر تعريف لمواطنيهما بهذا الحيوان. في هذه الفترة من حياته تحديدًا، حدث ما غيـّر مجرى حياته كليًا. إذ أتاه من يطلب الحديث معه، مقدما نفسه ممثلا للعائلة الحاكمة في إمارة أبوظبي، عارضًا عليه السفر إلى الإمارات لإنشاء مستشفى للإبل هناك. كان حامل العرض هو الأسترالي «هيث هارس» الذي عرفه مواطنوه أسطورة في عالم تدريب الخيول الأسترالية، وكان وقتها يعمل في تدريب خيول السباق في الإمارات. بطبيعة الحال، لم يرد الرجل على العرض فورًا؛ لأنه كان بحاجة إلى بعض الوقت للتفكير في وضع زوجته الطبيبة وأطفاله الصغار وعمله في العيادة البيطرية، ناهيك عن جمع المعلومات الجغرافية والمناخية والاجتماعية عن البلاد التي سيعمل بها. حدث هذا على الرغم من ان تنسون كان تواقًا، بحسب اعترافه، للسفر إلى خارج أستراليا؛ لأنه لم يسبق أن غادرها، بل لم يكن يملك حتى حقيبة سفر، وكان كثيرًا ما يردد مقولة الممثل الكوميدي الأسترالي «باري همفريز»: «إن العيش في أستراليا طوال العمر يشبه الذهاب إلى حفلة وقضاء الليل كله في المطبخ». في نهاية المطاف وافق تنسون على العرض بعد أن رتب أوضاعه واقنع شريكه في العيادة البيطرية «دوغ كليور» بتأجير العيادة والسفر معه لقضاء فترة تجريبية مدتها 3 أشهر. وهكذا غادر بلاده لأول مرة في حياته على متن طائرة مسافرا في درجة رجال الأعمال، قاصدًا أبوظبي. يقول حول أسباب قبوله العرض: «كان الراتب مغريا، وكانت أجور مدرسة الأطفال مدفوعة، وكان سيـُخصص لنا منزل، وكل ذلك بلا ضرائب». أما عن اللحظات الأولى لهبوطه على أرض أبوظبي فقد كتب: «لدى فتح باب الطائرة الخاص بدرجة رجال الأعمال جوبهنا بموجة من هواء الخليج العربي الحار الممزوج برائحتي وقود الطائرات والقار. وكان في استقبالنا في الساعات الأولى من ذلك النهار عبدالله البادي (صديق هيث هارس) ومقرر مستقبلنا. كان عبدالله يرتدي ثوبًا أبيض ويرافقه مسؤول أمني يرتدي بدلة زرقاء يحمل رشاشًا. رافقانا لدى نزولنا سلم الطائرة وأدخلانا إلى قاعة الشخصيات المهمة». ويضيف ما مفاده أن أمتعته سبقته إلى الفندق مع سائق خاص وضع تحت تصرفه، كما أن البادي -في التفاتة لطيفة- ناوله هاتفه المحمول ليتصل بزوجته ويطمئنها على سلامة وصوله. تفاجأ تنسون بكل هذا، لكنه عرف أن الأمور تجري هكذا حينما يكون المسافر قادمًا للعمل لدى الشيوخ، ثم تفاجأ أكثر حينما اصطحبوه في اليوم التالي لتناول الغداء في فيلا فخمة. دعونا نقرأ عما كتبه حول ذلك: «جلسنا أمام مائدة مغطاة بأنفس وجبات الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الأطباق المحلية المميزة، كالماعز المشوي المرقد على فرشة أرز مزينة بحبات الزبيب ولب الصنوبر». بعد قضائه ثلاثة أيام مع زميله دون عمل تم استدعاؤهما للسفر إلى مقر عملهما في واحة العين، فتحركا إلى هناك بسرعة عبر «طريق حديث الإنشاء والتعبيد، مخترقين الصحراء بسيارة بي إم دبليو كبيرة مكيفة». في العين سكنا في فندق الهلتون، أحد فندقين وحيدين بها آنذاك، ثم اجتمعا بأحد المسؤولين ليضعهما في صورة المطلوب منهما طبقًا لرؤية سمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي كان وقتذاك وليا لعهد أبوظبي. اختصر تنسون المهمة الموكلة إليه وإلى زميله في كلمات قليلة فكتب: «المهمة كانت واضحة. كان علينا رفع مستوى إبل ولي العهد لتصبح قادرة على التغلب على إبل دبي أو قطر أو الكويت أو أي دولة خليجية». ويعلل ذلك بأن ولي العهد أراد لأبوظبي أن تستخدم أفضل الأساليب العالمية والعلوم الغربية لإحداث ثورة في سباقات الإبل الخليجية. وفي حين كانت أفواج الوافدين الأجانب تعمل في بناء المدارس والمستشفيات والطرق والموانئ ومحطات تحلية المياه والامدادات الكهربائية وغير ذلك من المشاريع الهادفة إلى نقل المجتمع من البداوة إلى الحداثة والمعاصرة، كانت مهمة الأستراليين مختلفة تماما لارتباطها بالإبل التي قال تنسون عنها: «تعد من الخصوصيات وهي مرتبطة جذريا بالتاريخ. فشأنها شأن الصقور التي استخدمها الإماراتيون في الصيد، كانت الإبل عبر مئات السنين ضرورية للغاية للعيش في الصحراء. كانت تستخدم إبان الحروب ولجمع الطعام ولنقل العائلات من مستوطنة إلى أخرى. وكانت الإبل تعد قلب وروح ما يعنيه الإنسان الإماراتي». ويحدثنا تنسون بعد ذلك عن اليوم المشهود الذي جرت فيه سباقات في مضمار «الوثبة»، شاركت فيها إبل ولي العهد ويتوقف طويلاً عند حدث لم يتوقعه وتعلم منه الكثير من الدروس حول طبيعة العلاقات في الإمارات، وهو رؤيته للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه للمرة الأولى. دعونا نقرأ شيئا عما كتبه في هذا السياق: «لدى وصوله (يقصد الشيخ زايد) نهض الجميع وهرعوا لتقديم تحياتهم. كان الشعور بالإثارة عارمًا فكان مئات البدو يتزاحمون حوله وهو يخترق الحشود بخطوات ثابتة ومدروسة، وكان أتباعه ينحنون لتقبيل كم ذراعه الأيمن. في نهاية الأمر كانت هناك جمهرة من الشيوخ والبدو يتزاحمون حول ذلك الرجل الواحد في أقوى تعبير عن الإجلال رأيته في حياتي. لم أكن أدري ماذا أفعل فبقيت جالسًا على الكرسي، كنت الغربي الوحيد في المكان وكنت أدرك ذلك». ثم يضيف «لدى دخوله الخيمة الرسمية جلس على كرسيه في وسط الصف الأول وكان الوجه الذي رأيته يختلف تمامًا عن الوجه الذي رأيته في الموسوعة التي راجعتها قبل سفري من أستراليا. الوجه الذي رأيته أمامي كان يشع مهابة وثقة وسرعان ما تظهر عليه الابتسامة أو الضحك لدى مشاهدته أحد أصدقائه المقربين. ولم يكن يجتذب احترام الناس فحسب بل حبهم أيضا، فكانت علاقة لم أرَ مثيلها من قبل». خصص تنسون الفصل الخامس من كتابه للحديث عن المدينة التي عاش وعمل بها وهي العين التي -من محاسن الصدف- أن التقى فيها شخصيا بعميد البيطريين «ديفيد تايلور» الذي كانت أبوظبي قد عينته في وظيفة كبير المستشارين المكلفين بتطوير حديقة العين للحيوانات وتحويلها إلى أفضل حديقة حيوان في الشرق الأوسط. لقد اختصر الرجل وصف العين بقوله: «بلد على حواف المعمورة، حيث تعيش وفق ضوابط الصحراء التقليدية بدلاً من النمط الهجين في المدن الكبيرة»، قاصدًا بذلك أنها لم تكن آنذاك خاضعة للمعايير السائدة في مدن أخرى مثل دبي وأبوظبي لجهة أنماط الحياة والعلاقات الاجتماعية وسبل الترفيه. ويعترف تنسون أن مهمته كانت صعبة؛ لأن البدوي قد يتقبل فكرة قدوم غربي لبناء مدرج للطائرات مثلاً، لكن من الصعب ألا تنتابه الشكوك من غربي جاء ليتدخل في معارفه الفطرية حول الحيوان الذي تعايش معه عبر القرون، ويفرض عليه أساليب جديدة تتعارض مع أساليبه التقليدية في العلاج والولادة وغيرها. كما يعترف الرجل أن معلوماته حول الإبل العربية كانت متواضعة جدًا؛ لأنها مختلفة تمامًا عن الإبل الأسترالية الأكبر حجمًا والأثقل وزنًا والأكثر قدرةً على نقل الأحمال الضخمة، ناهيك عن وجود فرق آخر هو عدم تعرض الإبل الأسترالية إلى التكاثر الانتقائي، في حين أن البدو العرب يزاوجون إبلهم بحثًا عن السرعة والقوة وقدرة التحمل. ولعل مما فاقم صعوبة عمل تنسون وفريقه الاسترالي الصغير عدم وجود لغة تخاطب وحوار مشتركة بينهم وبين بدو الصحراء، بل افتقار الفريق إلى كادر ومعدات وعيادة خاصة ومختبرات مزودة بأجهزة تتيح تحليل عينات الدم المسحوبة من الإبل بهدف وضع قاعدة بيانات فسيولوجية. غير أنه على الرغم من كل العقبات تمكن تنسون وفريقه من تحقيق بعض الأشياء المفيدة التي استحسنها ساسة الإبل البدو فقربت المسافات بين الطرفين. إذ طبقوا على الإبل بعض المبادئ المستخدمة في تدريب الخيول، مثل الخروج مع الإبل إلى المضمار مع ساعة توقيت، واسخدام المجس الكهربائي المستخدم مع الأبقار لجعل الإبل تعجل في الاصطفاف للبدء في التدريب، ونقل الأبقار واقفة مثلما تنقل الخيول وتصميم اقنعة خاصة للإبل مرتبطة بأجهزة لقياس مدى استنشاقها للأوكسجين. على أن الهدف الأسمى كان لا يزال بعيدًا. إذ كان معيار النجاح هو بلوغ ما بلغته دبي لجهة أعداد الإبل وحصد جوائز السباقات. وفي هذا السياق كتب تنسون ما مفاده أن عيونهم كانت تراقب دبي ونجل حاكمها آنذاك الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي كان وقتها أكبر مالك للخيول وأكبر مالك للإبل في العالم، وكانت منشآته على أعلى المواصفات العالمية وكان يدرب جماله عشرة الآلاف خيرة المدربين العرب. في هذا الوقت كان آخرون يعملون على قدم وساق للانتهاء من تشييد ما سوف يُعرف بـ«المركز العلمي لإبل السباقات». وفي هذا الوقت أيضا طرح العبقري «هيث هارس» الذي كانت تخطر له أفكار جنونية جريئة أكثر من أي شخص آخر، تجربة نقل الأجنة من أجل زيادة التناسل وتشكيل قطيع ضخم من الإبل، مع مراعاة التركيز على المزاوجة بين أفضل المتوافر من الذكور والإناث. لكن تنفيذ الفكرة لم يكن سهلاً؛ لحاجته إلى دقة ومهارة ومعدات متطورة، فالعملية تتطلب -حسب تنسون- «أولاً حقن الأنثى بعقاقير هرمونية لتحفيز تكوين البويضات، واستخدام المراقبة بالموجات الصوتية لتتبع النتائج ورصد عدد أكياس البويضات المنتجة وتحديد الوقت المثالي لإجراء التزاوج». ويضيف «بعد أن يتم تلقيح البويضات يتم سحب الأجنة من الأنثى ويتم عزلها وتنظيفها قبل زرعها في نوق أخرى». كان تنسون عازمًا على تنفيذ الفكرة وانجاحها مع أن النظرية التي يعرفها عن نقل الأجنة في حالات الإنسان والخيول والمواشي قد لا تنطبق على الجمال، بل سافر شخصيا وسط تكتم شديد إلى أستراليا للاستعانة بجهود وخبرة العالم البيطري «آنغيس ماكينون»، فقاما معًا بإجراء تجارب على الإبل الأسترالية، كانت لحسن الحظ موفقة. ولذلك كان عليه أن يعود إلى العين بصحبة قطيع من الإبل الأسترالية لإجراء عمليات نقل الأجنة، فألقى بمهمة جمع القطيع وتجهيزه للنقل إلى الإمارات جوا على كاهل صديقه القديم «بادي مكهيو». من ثمار الاختراق العلمي لتنسون وفريقه ميلاد الناقة «بنت سمحة» التي بلغ قيمتها عند ولادتها، أي قبل عقدين من الزمن، أكثر من مليون دولار، بل إن الأيام التالية لولادتها شهدت ولادة خمسة مواليد أخرى أتت كلها من بويضات «السمحة» الملقحة التي نقلها تنسون إلى حاضنات بديلات. لاحقًا أدرك تنسون أن منافسه الرئيس لم يكن في دبي، وإنما في السعودية، حيث كان يوجد أجمل الجمال من تلك التي يـُدفع فيها أضعاف أضعاف جوائز الإبل المتسابقة من الطراز الأول؛ لأن امتلاكها يعد مصدر فخر لمالكها. فعمل المستحيل لجلب بعضها إلى الإمارات من أجل تطبيق تجاربه عليها، ونجح وصار محل تقدير من أرباب عمله.
مشاركة :