قالت صحيفة البريطانية، الأربعاء 8 مارس/آذار 2018، إنه لن يكونَ هناك أي نقصٍ في الاحتفاء بزيارة الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعودي، لبريطانيا مع اصطفاف 3 أجيال من العائلة المالكة استعداداً للقائه. وبعد تناول الغداء مع الملكة، سيتناول وليُّ العهد عشاءه مع الأمير تشارلز ودوقة كمبردج. لكنَّ احتساء الشاي مع رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، سيكون هو الهدف الأبرز والحقيقي لهذه الرحلة. وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن هذا الشأن في الحقيقة هو إما تجارة، وإما صفقة تجارية، يُثار حولها القليل من الالتباس. يُجري الأمير، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي أصبح الآن الحاكم الفعلي للمملكة السعودية، إصلاحاتٍ اقتصادية واجتماعية، وترغب المملكة المتحدة في الحصول على بعض هذه الحركة التجارية، وهي دَفعةٌ مُرحَّبٌ بها للغاية في وقتٍ يشوبه التشكُّك بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وشبح حرب التجارة الدولية بدأ مع فرض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تعريفات جمركية على واردات الصلب والألمنيوم. وسيلتقي الوفد السعودي تيريزا ماي وحكومتها في داوننغ ستريت، حيث يقع مقر الحكومة، للإعلان الأول عن "مجلس الشراكة الاستراتيجية" بين بريطانيا والمملكة السعودية من أجل "تشجيع الإصلاحات الاقتصادية بالسعودية وتعزيز التعاون في قضايا مثل التعليم، والثقافة، والأمن". وستكون المحادثات بمثابة "بدايةٍ لعصرٍ جديد من العلاقات الثنائية، مُركزةً على شراكةٍ تُحقِّق منافع واسعة النطاق لكلا الجانبين"، بحسب ما ذكره المُتحدِّث باسم رئاسة الوزراء في بريطانيا للصحيفة البريطانية. ويشير الوزراء والمسؤولون في لندن إلى أنَّ اختيار الأمير بن سلمان بريطانيا وجهةً أولى له في الغرب، يُعد دليلاً على مدى تقديره للصداقة بين البلدين. ويتوجَّب على بريطانيا أن تُقدِّر هذا الأمر من خلال دعم مساعي الأمير السعودي للإصلاح والتحديث، ومساعدته في تحقيق مشروع "رؤية 2030"، والذي يُفتَرَض أنَّه سيُمكِّن جيل الشباب، ويُعزِّز انتشار الإسلام المُعتدل ويُغيِّر الساحة السعودية بتشييد مدنٍ جديدة.احتجاجات رافقت الزيارة وبحسب الصحيفة البريطانية، كانت الزيارة دائماً محلَّ جدلٍ، مع وجود حشود المتظاهرين المُحتجين هناك بدلاً من المُرحِّبين. وجاءت الاحتجاجات مُتعلِّقةً بالقصف المستمر لليمن -والخسائر الهائلة في الأرواح- والذي يشنه تحالفٌ تقوده السعودية، بالإضافة إلى سجل المملكة فيما يخص قضايا حقوق الإنسان. وفي تعليقٍ له، قال أندرو سميث، من الحملة ضد تجارة الأسلحة: "لم يكن ينبغي -على الإطلاق- دعوة وليّ العهد السعودي إلى داوننغ ستريت؛ إنَّه يتزعَّم نظاماً يملك سجلاً مُروِّعاً في حقوق الإنسان، ولقد أشرف على تدمير اليمن". وعلاوة على ذلك، اتهم سميث رئيسة الوزراء بأنَّها "تضع مصالح تجار السلاح فوق حقوق الشعب اليمني"، بحسب "الإندبندنت". وبالإشارة إلى الأرقام الصادرة مؤخراً، تُظهِر أنَّ عمليات الإعدام بقطعِ الرؤوس في المملكة السعودية قد تضاعفت منذ تولي الأمير السلطة؛ إذ شهدت الأشهر الثمانية التي تلت حكمه البلاد إعدام 133 سجيناً، مقارنةً بإعدام 67 فقط في الأشهر الثمانية التي سبقت ذلك. وفي هذا الصدد، صرَّحت مايا فوا، مديرة منظمة ريبريف، وهي منظمة تشنُّ حملاتٍ ضد عقوبة الإعدام: "إنَّ مُضاعفة تنفيذ عقوبة الإعدام في عهد ولي العهد الجديد تكشف أنَّ محمد بن سلمان، وراء صورته العامة اللامعة، هو أحد أكثر القادة وحشيةً في تاريخ المملكة الحديث. وفي أثناء اجتماعها مع وليّ العهد، يتوجَّب على تيريزا ماي أن تحثه على تخفيف العقوبات لجميع الأطفال المحتجين الذين يواجهون الإعدام"، بحسب الصحيفة البريطانية. ومن جانبه، صرَّح مجلس رئاسة الوزراء في دواننغ ستريت بأنَّ ماي ستثير مخاوف إنسانية، وبالأخص فيما يتعلَّق باليمن، مع الأمير محمد، وستطالبه بتخفيف حصار التحالف السعودي عن اليمن، والذي يتسبَّب في صعوباتٍ بالغة أمام وصول المساعدات الدولية. خيارات محدودة وبحسب الصحيفة البريطانية، تظلُّ خيارات ماي محدودةً؛ فلا تملك بريطانيا الكثير من قوة الإقناع والوعظ للسعوديين؛ بل قد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية. وستبقى الحقيقة البسيطة؛ هي أنَّ رغبة رئيسة الوزراء في الحصول على المعونة ستتطلَّب التصرُّف بصورةٍ مُعيَّنةٍ تتماشى مع الحاجة إلى التجارة السعودية. وتُعد الجائزة الكبرى في كل ذلك، هي الطرح الأسطوري لشركة أرامكو، وهي شركة النفط الوطنية السعودية، التي من المُتوقَّع أن تكون الشركة الأكبر في العالم على الإطلاق، بقيمة تريليوني دولار (ما يعادل 1.44 تريليون جنيه إسترليني)، بحسب الصحيفة البريطانية. كانت هناك تقارير تُفيد بأنَّ السعوديين قد يضطرون إلى إرجاء الأمر، وفي المقابل يعرضون بيع حصص خاصة للحكومات الأجنبية، من ضمنها الصين. لكنَّ وليّ العهد نفى ذلك، قائلاً إنَّ الطرح العام، المهم لخططه الاقتصادية، يشق طريقه. وتتنافس أسواق الأوراق المالية في لندن، ونيويورك، وهونغ كونغ على إدراج هذه الصفقة الرابحة. ويُقال إنَّ بعض كبار المسؤولين السعوديين يدفعون باتجاه نيويورك، لكنَّ الشركة نفسها تُفضِّل لندن، بحسب ما قِيل.أين ستُطرح "أرامكو"؟ يُذكر أنَّ الحكومة البريطانية عملت بشكلٍ جاد من أجل لندن، من خلال تقديم قرض بقيمة 2 مليار دولار للشركة، بمساعدة هيئة منح القروض التابعة للحكومة البريطانية. واقترح مسؤولون حكوميون تغييراتٍ من أجل استقبال الطرح في لندن، وأكدت الحكومة استعدادها لهذا الأمر. ولكنَّ ظِلَّ دونالد ترامب يلوح الآن في الأفق؛ ويُقال إنَّه رفع سعر أسهم "أرامكو" في أولِ زيارةٍ دوليةٍ له كرئيسٍ إلى الرياض، تلك الزيارة التي أعلن خلالها حصول المملكة السعودية على 110 مليارات دولار من صفقة شراء الأسلحة. ومنذ ذلك الحين، ناشد ترامب السعوديين طرح شركة أرامكو بنيويورك. وأعلن في إحدى تغريداته على موقع تويتر: "سنُقدِّر للغاية قيام المملكة العربية السعودية بإجراء الاكتتاب العام لـ(أرامكو) في بورصو نيويورك. إنَّه أمرٌ بالغ الأهمية للولايات المتحدة"، بحسب "الإندبندنت". هذا، وقد بدأ ادعاء المدافعين عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بأنَّ ترامب سيكون المُنقذ للتجارة بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي، في التبدُّد. وبالإضافة إلى ذلك، تجاهلت الإدارة الأميركية مناشدة تيريزا ماي الرئيس الأميركي عدم فرض التعريفات الجمركية على الفولاذ، والتي ستُلحِق ضرراً بالغ الأثر على البريطانيين. ويتوجَّه الأمير محمد بن سلمان إلى نيويورك عقب زيارته لندن. فما هي الطريقة الأفضل التي يمكن من خلالها تمكين ولي العهد السعودي من تعزيز "العلاقات الخاصة" الجديدة بين بلاده وبريطانيا أكثر من طرح أسهم شركة أرامكو في لندن؟
مشاركة :