كل المؤشرات تقول إن جولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز التي بدأت بزيارة مصر وتمتد إلى بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ستكون إحدى أهم حلقات الحراك السياسي الدولي الرامي لإيجاد حلول جذرية للقضايا الإستراتيجية التي تتصدر أولويات السياسة الدولية ماضياً وحاضراً، فالأمير الشاب الذي اختتم زيارة ناجحة للقاهرة تتطلع إلى لقائه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وكبار المسؤولين في الحكومة البريطانية، وينتظره استقبال على أعلى مستوى في قصر الإليزيه قبل أن يلتقي فخامة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض. في لندن وباريس وواشنطن سيبحث سمو ولي العهد ملفات بالغة الأهمية للأمن والسلم الدوليين والعلاقات الاقتصادية والأمنية مع هذه الدول الصديقة، وتكمن أهمية لقاءات سمو ولي العهد مع القادة البريطانيين والفرنسيين والأمريكيين إنها تأتي في وقت تعززت فيه مكانة الأمير محمد بن سلمان كأحد أبرز وجوه السياسة الإقليمية والدولية اليوم، فالفاعلية والسرعة التي تحرك بها سمو ولي العهد ونجاحه الباهر في إحداث تغيير إيجابي جذري على المستوى الوطني والإقليمي، والرؤى الجديدة الجريئة التي يطرحها للتعامل مع التحديات الراهنة بما في ذلك المهددات الأمنية والإستراتيجية للأمن الإقليمي والدولي، كل ذلك ضاعف من أسهم الأمير محمد بن سلمان في دوائر صنع القرار الدولي وترسخت قناعة في هذه الدوائر بأن الأمير الشاب الذي أدهش العالم بما اتخذته المملكة من خطوات شجاعة على طريق الإصلاح والتطوير في بلاده رجل دولة من ذلك الطراز النادر القادر على إعادة صياغة كثير من معادلات الواقع الإستراتيجي وإطلاق مبادرات نابهة وجريئة لإيجاد معالجات جذرية للقضايا المزمنة التي طالما أقضت مضاجع المجتمع الدولي خاصة قضايا الإرهاب والتطرف والصراعات العقائدية المفتعلة التي كادت أن تؤدي إلى حروب دينية وطائفية ما كان سيسلم منها أحد. يحل الأمير محمد بن سلمان ضيفاً مكرماً في ١٠ دوانينج استريت والإليزيه والبيت الأبيض وقد سبقته هذه الصورة المشرقة لقيادة ملهمة وفاعلة وطموحة، قيادة شابة وحيوية تتطلع بشجاعة لكسر جمود القضايا المزمنة وإرساء الأسس لواقع إقليمي جديد أولوياته الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعاون الإيجابي بين الشعوب ومحاربة كل الآيديولوجيات التي رهنت مستقبل شعوب المنطقة للصراعات والحروب وأحلام الهيمنة والتوسع الفاشلة. وليس ثمة شك في أن قادة الدول التي سيزورها سمو ولي العهد حريصون جداً على الاستماع لسموه الكريم، فالمملكة تربطها علاقات شراكة إستراتيجية مع كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهي شراكة قوية وراسخة جاءت تتويجاً لعلاقات صداقة تاريخية بدأت منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - والقضايا التي سيبحثها سمو ولي العهد مع مضيفيه في هذه الدول الصديقة تشمل محاربة الإرهاب ومهددات الأمن والاستقرار الإقليمي وعلى رأسها سياسات النظام الإيراني العدوانية ومخططاته الرامية لزعزعة استقرار دول المنطقة وتدخلاته السافرة في اليمن ولبنان والعراق وسوريا وتطورات الأوضاع في اليمن، والقضية الفلسطينية، وكل هذه الملفات الساخنة تمثل أولويات مهمة على أجندة المملكة وشركائها الإستراتيجيين، أضف إلى ذلك أن بريطانيا وفرنسا وأمريكا مهتمة للغاية بالتحولات الجارية في المملكة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي؛ لأن هذه الدول ترى في المملكة القوة الإقليمية التي تمسك بمفاتيح الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والشريك الاقتصادي والتجاري الأهم، وتتطلع لندن وباريس وواشنطن لمشاركة فاعلة في مشروع الأمير محمد بن سلمان التنموي الضخم الذي تبشر به رؤية المملكة ٢٠٣٠م، حيث يتوقع أن تشهد الجولة توقيع المزيد من اتفاقيات وبروتوكولات التعاون الاقتصادي والاستثماري والتقني والفني. إن في كل واحد من هذه الملفات مستجدات وتطورات تتطلب التشاور على أعلى مستوى بين المملكة وشركائها، فالتهديد الإيراني لأمن واستقرار المنطقة أصبح هاجساً للمجتمع الدولي، ومجلس الأمن الدولي ناقش مراراً تدخلات إيران في اليمن وتزويدها للانقلابيين الحوثيين بالأسلحة الفتاكة بما في ذلك الصواريخ الباليستية، والمبعوث الدولي لليمن السابق ولد الشيخ أدان إجهاض الحوثيين لجهود إنهاء الصراع في اليمن، وبرامج تطوير الصواريخ البالستية الإيراني يلقي بظلال ثقيلة على المنطقة، والميليشيات الإيرانية تشارك في قتل الشعب السوري في الغوطة الشرقية التي تتعرض لمذابح هزت الضمير العالمي، ولبنان يعاني من سطوة «حزب الله» العميل لإيران الذي يتظاهر بأنه حزب سياسي يشارك في مؤسسات الدولة اللبنانية بينما هو مسلح بالأسلحة الإيرانية ويبتز المؤسسات الدستورية اللبنانية ويرهن مصالح لبنان الوطنية لإرادة طهران. وفي العراق الذي يستعد لانتخابات عامة تحرك إيران ذيولها وسط ميليشيات الحشد الشعبي للتأثير على العملية السياسية وتركيبة البرلمان والحكومة القادمة. أما ملف محاربة الإرهاب فهو ما زال مفتوحاً في ظل تمدد المنظمات الإرهابية وبقايا داعش في شمال إفريقيا وسط مخاوف من نشاطات الخلايا الإرهابية التي هربت بعد هزيمة داعش في العراق وسوريا. كل هذه القضايا ستكون على بساط البحث في لقاءات سمو ولي العهد مع المسؤولين في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وفي كل واحد من هذه الملفات للمملكة موقف ورؤية واضحة وحازمة بما في ذلك القضية الفلسطينية وعملية السلام التي تسعى المملكة لإحيائها على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. وأجندة هذه الجولة التاريخية هي في مجملها أجندة سلام واستقرار وتنمية ليس للمملكة فحسب، بل لمنطقة الشرق الأوسط التي تقدم لها قيادة المملكة أملاً في مستقبل جديد يطوي صفحة ماضٍ عانت فيه المنطقة من مشكلات الإرهاب والتطرف والصراعات ويفتح آفاقاً جديدة للاستقرار والتنمية والنمو الاقتصادي والاجتماعي والتحرر من العوائق التي كبلت انطلاقة مجتمعات المنطقة لتأخذ حظها من حركة التطور الحضاري في العالم. إن إرهاصات هذا الرهان العالمي على قيادة الأمير محمد بن سلمان يمكن قراءتها بين سطور المقال الذي نشره وزير الخارجية البريطاني يوديس جونسون وقال فيه صراحة: «إن مستقبل السعودية والمنطقة والعالم يعتمد على نجاح الأمير محمد بن سلمان في مساعيه»، إنها رسالة لها مغزاها وهي تفسر سر الاهتمام الكبير بجولة سمو ولي العهد في دوائر صنع القرار الدولي.
مشاركة :