أعمال نيكولا شوفر ... رحلة فنية في روح الآلة

  • 3/9/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بعض الصروح الفنية في العالم يحجّ إليها سنوياً الألوف والملايين من المتعطشين إلى رؤية الجمال بما هو نسمة هواء نقي تنعش قلوبهم في عالم يزداد صخباً وعنفاً وانتصاراً للنزعة المادية. وعدد هؤلاء يتزايد سنة بعد أخرى كأنهم يجدون في تلك الصروح بعضاً من العزاء. في قلب حديقة شاسعة مزينة بالمنحوتات في ضواحي مدينة ليل التاريخية، يقع متحف LE LAM الذي يعد أحد أهم المتاحف الفرنسية خارج العاصمة باريس، ومن أبرز متاحف أوروبا الشمالية بفضل موقعه الجغرافي بين لندن وأمستردام وبروكسيل. إنه المتحف الوحيد الذي يختصر في قاعاته فنون القرن العشرين والفن المعاصر منذ الستينات، كما أنه يملك مجموعة نادرة من الفن المعروف بالفن الخام. يعود تأسيس هذا المتحف الى مطلع الثمانينات، وقد خضع عام 2006 لعملية ترميم وتوسيع على يد المعمارية الفرنسية المعروفة إيمانويل غوتران وأعيد افتتاحه عام 2010. ومنذ ذلك التاريخ، زاره مليون وثلاثمئة ألف شخص لأسباب عدة، أولها جمال المبنى المسجل على لائحة الصروح التاريخية بسبب عمارته الحديثة المميزة. ثانياً، مجموعته الفنية النادرة المكونة من الفن الحديث ومن أعمال لمعلمين كبار كجورج براك وبيكاسو وخوان ميرو وبول كلي وفاسيلي كاندينسكي... أما الفن المعاصر فيتمثل هنا بأكثر من ألف عمل، إضافة إلى أعمال متنوعة لفنانين من جنسيات مختلفة كالفرنسي دانييل بورين والمصرية غادة عامر والإيطالي ميمو روتيلا... القسم الأخير من المتحف مخصص للفن الخام، والمجموعة التي يتألف منها تمثل أكبر مجموعة من الفن الخام في أوروبا، كما صرح مدير المتحف سيبستيان دولو لـ «الحياة»، وهي معروضة إلى جانب الفن الحديث والفن المعاصر، وهنا تكمن خصوصية المتحف وتمايزه. وأضاف دولو: «نملك أكثر من سبعة آلاف قطعة فنية. وبموازاة التحف الحاضرة والمعروضة في شكل دائم، هناك المعارض الموقتة ويقيم المتحف معرضين موقتين كل عام وكان منها المعرض الاستعادي الذي أقيم عام 2016 بالتعاون مع إدارة المتاحف الوطنية والمخصص للفنان الإيطالي امادييو موديلياني وحقق نجاحاً باهراً خصوصاً أن «متحف لام» يملك مجموعة نادرة ومتكاملة من أعمال هذا الفنان تعد من بين الأهم في العالم». أما المعرض الجديد الذي افتتح أخيراً في المتحف، فيضيء على تجربة مهمة لأحد رواد الفن المعاصر وهي تجربة منفتحة على الثورة العلمية والتكنولوجية، إنه الفنان الفرنسي من أصل مجري نيكولا شوفر (1912- 1992). هذا الفنان الذي لمع اسمه في الستينات في فرنسا وأوروبا والولايات المتحدة وحاز جائزة بيينالي البندقية للنحت عام 1968، يجد جذوره في الرؤية الفنية التي تمثلت في عصر النهضة الإيطالية وكان أبرز رموزها ليوناردو دافنشي الذي جمع بين الحدس الفني والتطبيق العلمي. إضافة إلى ذلك يندرج اسم شوفر في لائحة أسماء الفنانين المعاصرين الذين يهجسون بالمدينة وبالعمارة الحديثة وعلاقة الانسان بهما وكذلك بالبيئة واقعاً ومستقبلاً. تتميز أعمال هذا الفنان برؤياها المتعددة التي يمتزج فيها النحت والتقنيات البصرية التي تجلت في مشهدية مستحدثة قدّمت في أوبرا هامبورغ عام 1973. كما رافق مصمم الرقص العالمي موريس بيجار في عروضه الراقصة، وهو، فضلاً عن ذلك، باحث ومن المشاركين في تأسيس «التجمع العالمي في الهندسة المستقبلية» ومن المساهمين في المشاريع المدينية الكبرى في منطقة «الهال» التاريخية وفي مركز بومبيدو في باريس. ولأنه يعتبر أن الفن جزء لا يتجزأ من المدينة، فانفتح شوفر على الثقافة الشعبية من خلال مجموعة ديكورات أنجزها في مدينة سان تروبي على البحر المتوسط في الجنوب الفرنسي، مستنداً فيها إلى ما تنتجه ثقافة المعلومات والمعلوماتية والتقنيات الرقمية. والمعرض الراهن في متحف «لام» يركز على كل هذه النواحي التي صنعت خصوصية شوفر من خلال مجموعة كبيرة من المنحوتات والرسوم التي يعرض بعضها للمرة الأولى والتي تكشف تداخلها مع العمارة والهندسة والرقص والموسيقى والتحكّم الآلي بالعناصر. وتكشف أيضاً، من خلال أعمال هذا الفنان، خصوصية بعض الفنانين الحديثين الذين يبنون نتاجهم، انطلاقاً من اكتشافات عصرهم في المجال العلمي وضمن حيز يجمع بين الحاضر والمستقبل. يذكر أنه المتحف يستعد لإقامة معرض للفنانة اللبنانية إيتيل عدنان في متحف بول كلي في سويسرا.

مشاركة :