يقدم الممثل الأميركي جوردان بيل على الإخراج للمرة الأولى فيأتينا بفيلم “اخرج من هنا” وهو عمل متقن مثير، ليس من الممكن تصنيفه بسهولة ضمن النوع الكوميدي، رغم ما فيه من كوميديا، فميزته الأساسية تكمن في كونه يتصدى لمعالجة موضوع جاد، هو موضوع العنصرية ضد السود في المجتمع الأميركي، ولكن من خلال أسلوب جديد يبتعد عن الدراما الاجتماعية الساخنة التقليدية، إنه مثلا بعيد كل البعد عن فيلم “حذر من آت للعشاء” (1967) لستانلي كرامر، رغم أنه يبدأ بداية مشابهة. كان التحدي الحقيقي في صنع فيلم "اخرج من هنا Get Out"، يكمن في تحقيق التوازن بين الصنعة المتقدّمة والإتقان الحرفي، من دون أن يفقد الفيلم أصالته، وبين تحقيق قدر كبير من المتعة أو التسلية، والقدرة على جذب الجمهور لمتابعة الحدث الذي يتطوّر ويتبدّل ويتم التلاعب به من قبل صانع الفيلم جوردان بيل، وهو نفسه كاتب السيناريو. بيل يبدأ فيلمه بمشهد يوحي بطابع الغموض المثير الذي يكتسبه الفيلم، قبل أن نصل للمشاهد النهائية التي ستقلب البناء بالكامل لتجعلنا أمام وليمة دسمة مليئة بالدماء، بحيث لم تعد هناك حدود قائمة بين الواقع والخيال، فتصبح مثل هذه النهاية شبيهة، ولو من بعيد، بنهاية فيلم “جانغو طليقا” (2012) لتارانتينو. بداية مدهشة ليلا.. في طريق خال تصطف على جانبيه الأشجار، في حي من الواضح أنه من أحياء السكان البيض الأثرياء، يسير شاب أسود، من الواضح أنه يحاول العثور على عنوان ما.. يتوقف، يتطلّع حوله، من ورائه يلمح سيارة تتابعه عن قرب في الظلام، يلتف ويعود من حيث أتى، لكن أحدهم يفاجئه ويختطفه ويدفعه دفعا داخل السيارة التي تختفي، ويبدأ الفيلم بشخصية أخرى مغايرة تماما. إننا أمام كريس وهو شاب أسود مصوّر فوتوغرافي مرتبط بعلاقة عاطفية مع فتاة بيضاء هي روز منذ نحو خمسة أشهر، وقد حان الوقت الآن لكي تصحبه في سيارتها إلى منزل والديها في بقعة ريفية بعيدة معزولة تماما، تريد أن تقدّمه إلى أسرتها. وفي الطريق يقع حادث يسبب الرعب لكليهما، فالسيارة تصطدم فجأة على ما يبدو، بوعل كان يعبر الطريق، ثم يختفي بين الأدغال، النتيجة كسر المرآة الجانبية وأحد مصابيح السيارة الأمامية. وجود الممثل ميلتون هوري في دور رود، ساعد في التخفيف من وطأة الحبكة من وقت إلى آخر بأدائه الكوميدي يحضر رجل الشرطة الفظ، يطلب الاطلاع على هوية كريس رغم تأكيدات روز بأنه لم يكن يقود السيارة، وأن لا شأن له بما حدث.. لكن الشرطي الذي يعكس المزاج العنصري السائد في تلك المنطقة، يصر على إهانة كريس، وربما يشك فيه أيضا. ويذكرنا هذا المشهد بالمشهد الأخير في فيلم “الحادث” (1966) للمخرج لاري بيرس، وهو مشهد ليس من السهل أن يفارق الذاكرة، فبعد أن تنتهي محنة احتجاز ركاب عربة أحد قطارات الأنفاق في نيويورك بواسطة شابين من البيض العابثين (الهيبيز)، يتوقف القطار، يصعد الشرطي، وعلى الفور يعتقل الراكب الأسود الموجود بين الركاب، رغم أنه مثلهم جميعا، ضحية! كريس يشعر بالقلق، خاصة بعد أن تقول له روز إنها لم تخبر والديها بأنه أسود، ولكنها تحاول التقليل من أهمية هذا الأمر، فأسرتها -كما تؤكد له- من البيض الليبراليين، وعندما سيقابل هو والدها (جرّاح المخ والأعصاب) سيكون أول ما يقوله له الرجل دون أي إشارة إلى لون كريس، إنه انتخب أوباما مرتين، ولم يكن يمانع أن ينتخبه لفترة ثالثة. لكن الأب جرّاح الأعصاب، والأم (التي تعمل في مجال الطب النفسي باستخدام التنويم الإيحائي) يبدوان أكثر من رائعين، حتى بعد أن ينضم إلى مائدة العشاء شقيق روز المشاغب الذي يحاول استفزاز كريس. تدمير السود
مشاركة :