قاسم قصير بعد الانفجار المدمر في منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية والانفجارين القويين في طرابلس، شهدت مناطق الضاحية ومناطق لبنانية أخرى سلسلة إجراءات أمنية مكثفة قام بها عناصر من حزب الله وأبناء المناطق الأخرى، إضافة إلى الإجراءات التي اتخذها الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية المختلفة. وقد أقيمت الحواجز على معظم مداخل الضاحية وأمام المساجد في طرابلس وفي مناطق أخرى كالنبطية وبعلبك وحتى في الطريق الجديد، وكُثّفت المتابعة والاعتقال لعناصر من بعض المجموعات المسلحة المهتمة بالتفجيرات وإطلاق الصواريخ على الضاحية، واكتُشفت سيارة مليئة بالمتفجرات في منطقة الناعمة كانت معدة للتفجير في إحدى المناطق اللبنانية، وراجت الشائعات والمخاوف من تفجير سيارات مفخخة جديدة في العديد من المناطق. كل هذه التطورات أدت إلى طرح العديد من الأسئلة عن مدى جدوى الإجراءات الأمنية في منع التفجيرات المقبلة، وعما إذا كان يمكن حماية الأمن فقط من خلال العمل الأمني، أم أننا بحاجة لخطوات سياسية أخرى تواكب هذه الإجراءات. فهل تكفي الإجراءات الأمنية لحماية الضاحية الجنوبية والمناطق اللبنانية الأخرى؟ أم أننا بحاجة لخطوات سياسية غير تقليدية داخليا وخارجيا من أجل مواجهة الخطر المقبل من تفجيرات وأحداث أمنية قد تؤدي إلى اندلاع «حروب أهلية» متنقلة بين المناطق اللبنانية؟ بداية ما جدوى الإجراءات الأمنية في منع التفجيرات وحماية الضاحية الجنوبية والمناطق الأخرى؟ من المعروف أن الإجراءات الأمنية قد تسهم في منع حصول بعض التفجيرات أو اكتشاف بعض المجموعات التي نفذت أو يمكن أن تنفذ عمليات تفجير جديدة، وأن الإجراءات الأمنية تنقسم إلى عدة مراحل: 1) الأمن الوقائي: وهو العمل الأمني الذي يعمل لمنع حصول التفجيرات واكتشاف المجموعات التي تريد القيام بهذه العمليات قبل تنفيذ التفجيرات، وهذا الأمن يتركز على الجانب المعلوماتي ومتابعة شبكات الاتصال والقيام باختراقات أمنية لهذه المجموعات (كما حصل مع مجموعة الناعمة حيث تم اكتشاف السيارة قبل تفخيخها). 2) الأمن المباشر: ويتمثل في الحواجز العسكرية الأمنية والقيام بإجراءات أمنية مكثفة لمراقبة السيارات قبل دخولها لمناطق التفجير، إضافة إلى الإجراءات التي تتخذ في الأحياء والمناطق لمنع وقوف السيارات الغريبة أو حماية مواقف السيارات والأماكن العامة. وهذه الإجراءات قد تخفف من حصول التفجيرات لكن لا يمكن أن تمنعها، لأن بعض الذين يقومون بالتفجيرات قد يستهدفون الحواجز والمجموعات التي تتولى القيام بالإجراءات الأمنية أو يستغلون الثغرات التي تحصل، لأنه مهما بلغت هذه الإجراءات من الكثافة فإنها لا تستطيع ملء كل الفراغات كما يحصل في العراق من تفجيرات. 3) الأمن اللاحق: ويتمثل في العمليات الأمنية التي تهدف إلى اكتشاف من يقوم بالتفجيرات والأحداث الأمنية بعد حصولها ويتولى متابعة البصمات والأدلة والآثار الباقية وشبكات الاتصالات لاكتشاف من يقوم بالعمليات الأمنية (وهذا ما حصل بعد سلسلة إطلاق الصواريخ على الضاحية ووضع المتفجرات في العديد من المناطق اللبنانية، مما أدى إلى اكتشاف بعض هذه المجموعات، كما تمكن حزب الله في الثمانينات في اكتشاف الجهات المخابراتية، التي وقفت وراء تفجير بئر العبد الذي استهدف المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله). إذن هذه الإجراءات الأمنية قد تسهم في منع التفجيرات أو التخفيف منها أو تكشف من يقف وراءها، لكنها لا يمكن أن تمنعها في المطلق. وفي موازاة الإجراءات الأمنية التي يمكن أن تتخذ لمواجهة التفجيرات وأعمال القصف أو التخريب، فإن هناك مقولة معروفة تقول «إن الأمن لا يمكن أن يحفظ إلا بالعمل السياسي، وإنه في ظل وجود اضطرابات سياسية أو اجتماعية تزداد المخاطر الأمنية، وفي حال التوصل إلى حلول سياسية للأزمات تتراجع المخاطر الأمنية». وفي ضوء هذه القاعدة، يمكن القول «إن الإجراءات الأمنية في الضاحية الجنوبية وفي بعض المناطق اللبنانية قد تخفف من التفجيرات الأمنية، لكنها لا يمكن أن تنهيها ما دام لبنان يعيش أزمة سياسية، وفي ظل استمرار تداعيات الأزمة السورية وتدخل حزب الله في الوضع السوري». ولأن لبنان يعيش اليوم صراعا سياسيا محليا وإقليميا، وأن هذا الصراع سيزداد، فإن المطلوب من القوى السياسية اللبنانية إعادة النظر في رؤيتها للتطورات للبحث عن حلول جذرية، تسهم في حماية الاستقرار الأمني، وإن الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة النظر في التدخل في الشأن السوري، وترتيب العلاقات بين مختلف القوى السياسية والحزبية، كل ذلك يمكن أن يسهم في ضمان الوضع الأمني أو التخفيف من المخاطر الأمنية. أما إذا استمرت الأوضاع المتأزمة في لبنان وسوريا، فإن لبنان سيشهد المزيد من التفجيرات الأمنية، وإن الإجراءات الأمنية المتخذة قد تخفف أو تقلل من التفجيرات، لكنها لن تمنعها بشكل كامل، ولذا فالمطلوب إعادة نظر في كل الواقع السياسي وتداعياته، وإلا فإننا مقبلون على مرحلة خطيرة تشبه ما حصل قبل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 أو المرحلة الممتدة منذ محاولة اغتيال الوزير السابق مروان حمادة، مرورا باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولا لحرب عام 2006، وانتهاء بأحداث مايو (أيار) 2008 واتفاق الدوحة لاحقا. * كاتب صحافي لبناني
مشاركة :