ليس غريبًا أن تتوقف «جهة الشعر» بل الغريب أن لا تتوقف!

  • 3/10/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كتب قاسم حداد، في نص ورقته التي قدمها في «جمعية البحرين للانترنت» عام (2003)، يقول: «استطاعت جهة الشعر أن تقترح على المشهد الثقافي العربي شكلاً جديدًا من الاتصال بالآخر. ليس بالخطاب السياسي الإعلامي الدعائي، ولكن بالتجارب الشعرية التي تمثل الحلم والمخيّلة والطموح الإنساني المبدع»، إلا أن هذه الجهة، المعوّل عليها، عجزت عن متابعة الحياة، لتتوقف «عن البث لأسباب تتعلق بعدم توفّر الدعم المالي».هذا التوقف، لقي صداه عربيًا، إذ كتب العديد من الكتاب والمثقفين والشعراء العرب، عن هذا التوقف، الذي لا يمكن أن نقول بأنه توقف مفاجئ؛ نظرًا لكون الموقع، وقف منذ زمن، عن تحديث نفسه تقنيًا، ومجارات الواقع الافتراضي، في كل جديد، لكن، كيف تفاعل المثقفون والكتاب مع هذا التوقف؟الشاعر والكاتب العراقي، فاضل السلطاني، كتب تحت عنوان «الثقافة ورأس المال الرث» في صحيفة «الشرق الأوسط»، أنه «ليس غريبًا أن يتوقف أقدم موقع شعري عربي وهو الموقع الالكتروني «جهة الشعر»، لـ«عدم توفر الدعم المالي»، حسب إعلان مؤسسه الشاعر البحريني قاسم حداد. بل الغريب، والشاذ أيضًا، أن يستمر هذا الموقع الرائد والرصين لمدة 22 عامًا، منذ 1996»، مضيفًا «غياب الدعم لهذا الموقع الثقافي، وعشرات المشاريع الثقافية المجهضة، يدل على حقيقة أكبر وأوجع، متعلقة بعلاقة رأس المال العربي بالثقافة، أو بكلمة صريحة، يكشف رثاثة رأس المال هذا، الذي لا يستطيع أن يستوعب، بسبب تخلفه، أبعاد التنمية الثقافية، وانعكاسها الإيجابي الحتمي على التنمية الاجتماعية والاقتصادية».الروائي الكويتي، طالب الرفاعي، في مقاله المعنون بـ«جهة الشعر.. جهتنا إلى العالم!»، المنشور في صحيفة «الجريدة» الكويتية، كتب يقول: «عزيزي قاسم، أنت وأنا على بُعد مرمى حجر من كثيرين يملكون المليارات، ولا أقول الملايين، لكنهم يصدّون بوجوههم وبأموالهم عن الإبداع والثقافة»، مواصلاً خطابه لحداد «لك أن تعلم أن نعي (جهة الشعر)، هو نعي لمشهد إبداعي ثقافي عربي آخذٌ بالتقهقر، وآخذٌ بالتقوقع على نفسه... جهة الشعر كانت جهة لكل من أراد وصلاً بالكلمة المبدعة ووصلاً بالشعر، ووصلاً بالآخر على الضفة الأخرى. لكن، وأنت خير من يعرف ذلك، ما عاد هذه الوصل مطلوبًا، ولا عاد مرغوبًا فيه، في زمن استوحش الأخ على أخيه، وصار يقتله ويمثّل به!».كما استغرب الرفاعي صمود «جهة الشعر» طوال هذه المدة، مؤكدًا «ليس غريبًا أن تغلق (جهة الشعر)، بل كان من المستغرب أن تبقى (جهة الشعر) تتنفس، وتبث عطرًا لمن حولها، في زمن تحوّلت فيه الكثير من المؤسسات الثقافية إلى مبانٍ خرسانية وموظفين، ولافتة عريضة تقول الاسم، ولا تتعدى ذلك!».الشاعر والكاتب اللبناني، عقل العويط، صرخ «يا للعار: موقع (جهة الشعر) قد سدّت في وجهه الأبواب!»، في صحيفة «النهار» اللبنانية، إذ لم يستغرب إغلاق الموقف هو الآخر، بل «العجب، كل العجب، أن تبقى هذه المنابر مفتوحة، كما لو أن كل شيء على ما يرام في حياتنا العربية. لا. كل شيء، ليس على ما يرام في حياتنا، وفي سياستنا، وفي اجتماعنا، وفي ثقافتنا، وفي إعلامنا، وفي صحافتنا».منوهًا «لا أريد أن أرثي (جهة الشعر). كما لا أريد أن أرثي أي موقع شعري وأدبي وثقافي يتعرّض للمصير نفسه. قدر الشعر، بل قدر الأدب مطلقًا، أن يكون أعزلاً، وأن تقوده عتمة عينيه المغمضتين إلى الضوء، الضوء الذي ينغمر بالحبر، بالحبر الأسود الذي من شأنه أن يعلن الفجر، ويسبق صياح الديك. ليس من عادة الشعر أن يكون مدججًا ومحميًا ومحصنًا. ليس من عادته أن يكون له بيت أو سقف أو مخدة، بل هو يزدري الأمان، والترف، والبحبوحة، والطمأنينة».الناقد والمترجم السوري، صبحي حديدي، كتب في صحيفة «القدس العربي»، تحت عنوان «جهات الشعر التي لا تنسد»، متساءلا «هل انسدت جهات الشعر بتوقف (الجهة)؟»، وبتفاؤل يجيب: «كلاً، بالطبع، رغم أن الخسارة فادحة ومؤلمة. ثمة مشاريع شتى طموحة، قائمة بالفعل أو في أطوار التحقق، تستهدف الإبقاء على جذوة الشعر العربي متقدة في النفوس، ومد تلك الأمثولة الجميلة - أن الشعر ديوان العرب - بأسباب الإحياء والتجدد».الكاتب اللبناني، روجيه عوطه، كتب في صحيفة «المدن» الالكترونية، «ما عاد للشعر جهة»، محملاً مسؤولية الإغلاق لترك الجهة من قبل الشعراء أنفسهم، الذين هجروها، فهو يختم مقاله بالقول «ثمة في ورقة النعوة التي نشرها (جهة الشعر) جملة (سوف يتوقف عن البث)، فلما وصل (جهة الشعر) إلى نهايته، لم يقفل كمطبوع، ولم يحتجب كموقع، بل انقطع كتلفزيون. لقد كان محطة شعرية قيمة، وقد رحل مشاهدوها عنه!».الروائي السوري، خليل صويلح، جعل من (جهة الشعر) بوصلة، في كتابته عن نبأ الإغلاق المنشور في صحيفة «الأخبار» اللبنانية، إذ كتب يقول: «إن من لم تلتقط نصه بوصلة الجهة، لن ينال شهادة الاعتراف بشعريته، ذلك أن هذا الفضاء انخرط باكرًا في تأسيس حداثة شعرية منفتحة على كل الجهات»، مضيفاً «الموقع الذي انطلق في العام 1996 كان (غرفة كونية) لاستقطاب أهم الأصوات الشعرية العربية والعالمية، في أكبر موسوعة شعرية الكترونية. كأن هذا التوقيت الذي أتى مواكبًا تقريبًا لـ(اليوم العالمي للشعر) مرثية للشعر نفسه واندحاره إلى الصفوف الخلفية بالمقارنة مع الأجناس الإبداعية الأخرى، كما أن حشود الشعراء الطارئين الذين خرجوا من ماكينة الميديا أطاحوا الذائقة الشعرية من جذورها، ما جعل (جهة الشعر) البوابة الوحيدة لحراسة أسوار الشعر، بعيدا من جحافل هؤلاء الغزاة».من جهته الكاتب والصحفي المصري، سيد محمود، في صحيفة «الشروق» المصرية، مقالاً بعنوان «جهة الشعر.. جهة القلب»، مؤكدًا أن «بهذا التوقف يخسر الشعراء أرضًا جديدة ويفقد الشعر اليد التى تفرغت لرعايته وتبقى المفارقة التى تؤكد فداحة الغياب أن محرر الموقع ينتمي لمنطقة الخليج، حيث الإنفاق على الثقافة بلا حدود!»، مضيفًا «بعد 22 عامًا من حماية الشعر لم يعد قاسم قادرًا على الاستمرار، وصل صاحب (ورشة الأمل) إلى محطة اليأس ورفض أن يتحوّل لزهرة وحيدة مهمتها أن تصنع الربيع فى ظل ثقافة وقعت مع الخريف عقد إذعان».الكتاب والمثقفون على وسائل التواصل الاجتماعي، علقوا من جانبهم على نبأ التوقف، إذ كتب الشاعر الكويتي عبدالله الفلاح، عبر حسابه على «تويتر» يقول: «من المعيب أن تدّعي الحكومات والمؤسسات والكثير من الشخصيات دعمها للثقافة... وموقع (جهة الشعر) يتوقف بسبب قلة الدعم!».فيما كان للشاعر البحريني، مهدي سلمان، رأي مخالف، عبّر عنه على صفحته في «الفيسبوك»، إذ كتب يقول: «بارعون نحن في صناعة الآلهة، لا نستطيع أن نهدأ قليلاً، ونعطي الأمور حقّها بالتحديد، لا أقل، ولا أكثر.. توقف (جهة الشعر) خسارة بالتأكيد، لكن هذي الدراما مبالغة، خصوصًا إذا قيس الموقع بأمور أهم نخسرها كل يوم دون انتباه أو رغبة فيه».من جهته قال الشاعر السعودي، شريف بقنه، في تغريدة له: «خسارة جهة خسارة فادحة للمشهد الشعري العربي على شبكة الانترنت، جهة الشعر كانت بمثابة الشجرة العتيقة الباسقة التي نستظل بفيئها ونتكئ على جذعها الفارع منذ بدايات الانترنت، خسارة جهة الشعر خسارة لمئات المجلدات من الشعر العربي الحديث، خسارة تبعث على الأسى».وتبقى الأسئلة: هل يمكن لـ(جهة الشعر) أن يعود إلى المشهد الافتراضي من جديد؟ وهل من العجز بمكان، أن يدعم صرح ثقافي، بمقدار بسيط من المال، ليعود إلى سابق عهده؟ أم أن توقف (الجهة)، لا يرتبط بالدعم وحده، وإنما بالعزوف عن الشعر بصورة عامة؟

مشاركة :