كاهن عراقي يدرّب نازحين على حفظ كنوز ثقافية

  • 3/10/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تمكن الأب نجيب ميخائيل من رهبنة الدومينيكان العراقية قبل ثلاث سنوات من إنقاذ كنوز ثقافية كانت على وشك الوقوع في أيدي الجهاديين في شمال البلاد، واليوم يدرّب عشرات النازحين العراقيين على حماية هذا التراث الإنساني. عند حلول الظلام ليل 6 آب (أغسطس) 2014 وفيما كان الجهاديون على أبواب مدينة قرقوش المسيحية في شمال العراق، كدّس الأب ميخائيل (55 سنة) مخطوطات نادرة وكتباً تعود إلى القرن السادس عشر ووثائق غير منشورة في سيارته، وتوجه بها إلى إقليم كردستان المجاور. وقال ميخائيل: «من واجبي إنقاذ التراث الذي نملكه وهو كنز كبير» مضيفاً: «لا يمكن إنقاذ شجرة دون أن تنقذ جذورها، أن الإنسان بدون ثقافة إنسان ميت». وبالتعاون مع اثنين آخرين من رهبنة الدومينيكان، نقل الأب ميخائيل الذي اختص بداية حياته في الحفر في قطاع النفط قبل أن يصبح رجل دين في سن الـ24، مركز ترقيم المخطوطات الشرقية إلى أربيل. يعمل مركز ترقيم المخطوطات الذي أنشئ عام 1990 بالتعاون مع الرهبان البندكتيين على استعادة المخطوطات وحمايتها، وتمكن من ترقيم ثمانية آلاف مخطوطة بينها كلدانية وأشورية وأرمينية الموجودة في الكنائس وقرى في شمال البلاد التي تعرضت للرطوبة ولضرر. يقول ميخائيل إن «موقع المركز اليوم في أربيل يضم عشرة عاملين هم نازحون أصبحوا مهنيين يستقبلون باحثين من فرنسا وإيطاليا أو كندا للتشاور حول الوثائق». جميع هؤلاء يحملون شهادات جامعية وفقدوا وظائفهم عند نزوحهم من مناطقهم، لكنهم أصبحوا بسرعة «يعملون من أجل المستقبل ويعرفون ذلك، لذا قدموا كل ما في قلوبهم لأجله» كما يقول الأب ميخائيل مشيراً إلى وجود «مسلمين بينهم يقومون بدورهم بحماية تراثهم». ويوضح الأب أنه يضطر في بعض الأحيان للبدء من جديد مع فرق أخرى، قائلاً: «دربت قبل ذلك أربعة أو خمسة فرق مختلفة» لأن بعض النازحين عادوا إلى ديارهم بعد تقدم القوات الأمنية وتراجع الجهاديين. في كانون الأول (ديسمبر) 2017، أعلن العراق الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على مساحات شاسعة في البلاد عام 2014، وقام بعمليات «تطهير ثقافي» عبر تدمير مواقع أثرية ورموز دينية مسيحية ومسلمة. وعمد الأب ميخائيل إلى مضاعفة النسخ، فهناك نسخ أصلية أعيدت إلى أصحابها ونسخ رقمت ضوئياً، وأخرى ثبتت لدى الرهبان البنديكتين. وهو يقول إن «تنظيم الدولة الإسلامية لم يختف، أن داعش في العقول وليس في الملابس، لذلك يجب ألا «نعرض ما حفظناه للخطر». حتى عام 2007، كان هذا الكنز الثقافي محفوظاً في دير وكنيسة الساعة التي شيدت عام 1866، في الجانب الغربي من الموصل. وبينه 850 مخطوطة قديمة باللغات الآرامية والآرامية الشرقية الحديثة والعربية والأرمنية واليزيدية والمندائية، وأرشيف ومراسلات بينها ما يعود إلى ثلاث قرون، إضافة إلى 50 ألف كتاب، بينها باللغة اللاتينية والإيطالية تعود إلى القرن السادس عشر الميلادي. أطلق اسم الساعة على الكنيسة لأن أجراسها تقرع كل ربع ساعة، وهي هدية قُدمت للآباء الدومينيكان عام 1880 من الإمبراطورة الفرنسية أوجيني دي مونيتو زوجة نابليون الثالث، مقابل خدماتهم للمدينة. وأفتتح الدومينيكان 25 مدرسة للتعليم العام في محافظة نينوى، وجلبوا مطبعة على ظهر جمل عبر صحراء سورية، كانت الأولى التي تدخل البلاد عام 1857. ولعبت هذه المطبعة دوراً في نشر كتب تعليم باللغة الآرامية المتداولة بين سكان المنطقة، إضافة إلى طباعة كتب لطقوس وتقاليد كلدانية وسريانية. ومنذ العام 2004، تزايدت الهجمات ضد الكنائس في الموصل ما أدى إلى مقتل أسقف وخمسة من الكهنة ويقول ميخائيل: «كنت على قائمة رجال دين (مستهدفين) للقتل». ومن جديد، قرر الأب ميخائيل عام 2007 الانتقال إلى قرقوش البلدة المسيحية الكبيرة الواقعة على مسافة 30 كيلومتراً عن الموصل، ويسكنها خمسين آلاف نسمة. وفي 25 تموز (يوليو)، دفعت «الهواجس» هؤلاء الدومينيكان إلى الانتقال إلى كردستان، ولم يتركوا وراءهم حينها سوى المكتبة التي انتهى بها المصير حرقاً على يد الجهاديين». وجاءت اللحظة المصيرية في 6 آب 2014 عندما اقترب تنظيم الدولة الإسلامية وفر سكان قرقوش إلى كردستان. واستذكر ميخائيل قائلاً: «بمجرد أن أرى شخصاً لا يحمل بيده شيء، كنت أطلب منه إيصال بعض هذه الكنوز الثقافية إلى كردستان، وقد استعدتها كلها». في 25 كانون الأول، عاد هذا الكاهن من جديد إلى الموصل لحضور أول قداس عيد ميلاد بعد رحيل الجهاديين عن المدينة لكنه لم يجد هناك سوى الخراب. فقد اختفت الساعة وقطع البرج الذي كان يحملها، وتحول الدير إلى سجن ومركز للتعذيب ومعتقلات وورش لصناعة قنابل وأحزمة ناسفة وكان هناك مشنقة معلقة في مكان المذبح. لكن الأب ميخائيل الذي يتقن العزف على آلة الاورغن والقيثار الكهربائي، يواصل تمسكه بالأمل قائلاً: «أنا متفائل (لأن) الكملة الأخيرة ستعود إلى السلام وليس للسيف».

مشاركة :