أعلنت الولايات المتحدة الأميركية، الأسبوع الماضي، أنها ستقوم بفرض رسوم جمركية على جميع وارداتها من الصلب والألومنيوم. وفي حين تشكل الواردات الأميركية من الصلب والألومنيوم حصة صغيرة من التجارة العالمية -حوالي 2 % من تجارة السلع العالمية- فإن تلك الخطوة تهدد بإقحام العالم في حرب تجارية، فقد رد الاتحاد الأوروبي بسرعة من خلال طرح مسودة قرار بفرض رسوم جمركية على الصلب والملابس وغيرها من السلع الصناعية الأميركية، لكن هذه الرسوم تستهدف أقل من 1 % فقط من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من السلع الأميركية.وحتى الآن، اتسم موقف الصين -التي يمكن وصفها بأنها أهم اقتصاد تجاري في العالم- بضبط النفس. وذكر تقرير «QNB» الأسبوعي أن هناك إجماعاً مبكراً في الآراء على أن الرسوم الجمركية الأميركية ورد الاتحاد الأوروبي، في حال تطبيقهما، لن يكون لهما تأثير سلبي كبير على الاقتصاد العالمي، ولكن أي تصعيد كبير للحواجز التجارية سيلحق ضرراً بالاقتصاد العالمي، وهناك مخاوف واضحة من هذه النتيجة المحتملة. خطوات تدريجية ولا تعد الرسوم الجمركية الأميركية مفاجأة، فالخطاب المناهض للتجارة العالمية ظل سمة ملازمة لتصريحات الرئيس الأميركي ترمب منذ فترة طويلة، واتخذت الإدارة الأميركية خطوات تدريجية قبل هذا التحرك الأخير. وفي أبريل 2017، أمر وزير التجارة الأميركي بإجراء دراسة حول تجارة الصلب والألمنيوم، ونُشرت نتائج الدراسة في الشهر الماضي، حيث أوصت بفرض الرسوم الجمركية المذكورة. وقد سبق هذا القرار حدث مشابه، فقد قام الرئيس جورج بوش الابن بفرض رسوم جمركية نسبتها 30 % على واردات الصلب في عام 2002، مع بعض الاستثناءات لمستوردي الصلب الأميركيين، وبلدان مثل كندا والمكسيك. واستمرت تلك السياسة لسنة واحدة فقط، ثم ألغيت خوفاً من فرض تدابير انتقامية. وبالإضافة إلى ذلك، تتهيأ الإدارة الأميركية لزيادة السياسات الحمائية، حيث أمرت، في أغسطس 2017، بإجراء دراسة بشأن ممارسات الملكية الفكرية في الصين، وقد توصي تلك الدراسة بفرض رسوم جمركية عندما يتم الإعلان عن نتائجها لاحقاً هذا العام. واردات السلع وتشير جميع هذه النقاط إلى أن الحكومة الأميركية عازمة على تنفيذ أجندتها المناهضة للتجارة العالمية، وذلك يشكل خطراً محتملاً على الاقتصاد العالمي، نظراً لأن التجارة العالمية أصبحت أكثر أهمية للولايات المتحدة ولبقية اقتصادات العالم مما كانت عليه قبل عقدين. وتشكل واردات السلع حوالي 23 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنة مع 17 % في بداية العقد الماضي. وكانت التجارة العالمية واحدة من العوامل الرئيسية المحركة للنمو العالمي، إذ تجاوز نموها معدلات النمو العالمي في 15 سنة من السنوات العشرين الماضية. وفي ظل هذا الوضع، تبقى الإجراءات الحالية الخاصة بالصلب والألومينيوم صغيرة في نطاقها، إذ من المحتمل أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تقليص واردات الولايات المتحدة بحوالي 1 %، في حال بقاء العوامل الأخرى دون تغير، وبالتالي فإن تأثيرها على النمو العالمي سيكون هامشياً، لكن في حال تم تصعيد هذه السياسات الحمائية، سيكون لتدهور التدفقات التجارية تأثير كبير على النمو. وحسب تقديراتنا، فإن أي تراجع بنسبة 5 % في طلب الولايات المتحدة على الاستيراد سيؤدي مباشرة إلى تقليص النمو العالمي بمقدار 0.2 نقطة مئوية. كما أن التأثير غير المباشر لذلك -من خلال انخفاض الأرباح المتوقعة، وتدهور القدرة على الإنفاق لدى المستهلكين، وأيضاً تراجع خطط الاستثمار في بقية العالم- قد يؤدي إلى تقليص النمو بمقدار 0.2 - 0.3 نقطة مئوية. نمو كبير وإجمالاً، فإن النمو العالمي قد يتراجع بمقدار 0.4 - 0.5 نقطة مئوية، وذلك بسبب انخفاض بنسبة 5 % في الواردات الأميركية الحقيقية. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا التحليل لا يفترض حدوث رد فعل مماثل من اقتصادات رئيسية أخرى. وفي حال حدوث ذلك، من المحتمل أن يكون التأثير السلبي على النمو أكبر بكثير. وبالإضافة إلى تباطؤ النمو، من شأن العوائق أمام التجارة أن ترفع التضخم من خلال زيادة أسعار الاستيراد، كما من شأن تراجع الربحية أن يؤدي إلى تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال، وستكون الحكومات في حاجة للتدخل لتحفيز النمو، مما سيزيد من مستويات العجز المالي والدين العام. وسيكون وقع هذه التأثيرات أكبر في حال تم فرض هذه الرسوم على منتجات أخرى ذات صلة. وعلى سبيل المثال، فإن المنتجات المستوردة المصنوعة من صلب أجنبي أرخص ستكون أكثر تنافسية من المنتجات المصنعة محلياً. وستكون هناك حاجة لاعتماد تعرفة رسوم تصحيحية، لمعالجة عدم التوازن، وتحديد الغاية الأصلية من وراء هذه الإجراءات التجارية. ورغم أن تأثير الرسوم المقترحة حالياً يظل صغيراً نسبياً، فإن حدوث ردود فعل مماثلة من الاتحاد الأوروبي والصين يعني أن التأثير على الاقتصاد العالمي سيكون أكثر حدة. وإجمالاً، فإن أي حرب تجارية عالمية ستكون بمثابة سباق نحو الهاوية دون أي رابح. وأمام هذه النتيجة المحتملة، يجب أن تتحلى بقية دول العالم بالحكمة لاعتماد سياسة منسقة لضبط النفس أمام السياسة الحمائية للولايات المتحدة للحيلولة دون المزيد من التصعيد. وسيشكل ذلك -دون شك- تحدياً أمام صناع القرار، لكن المنفعة الاقتصادية تتطلب ذلك.;
مشاركة :