الانتقام والكراهية فيالمساءلة والعدالة بالعراق

  • 3/13/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أثار نشر قرار هيئة المساءلة والعدالة في العراق بمصادرة أموال وأملاك 4354 ممن يسمون بأتباع وأزلام النظام السابق قلقا واستياء شعبيا وسياسيا واسعا لما تضمنته تلك القائمة من حيف وظلم بحق الكثير ممن شملتهم قرارات هذه الهيئة بعد أربعة عشر عاما على قانون “اجتثاث البعث”. ولعل المنتقد الأول لهذا القرار من داخل مؤسسة الحكم هو رئيس الوزراء حيدر العبادي والذي قال في مؤتمر صحافي يوم 6 مارس 2018 “لا يجوز استخدام المساءلة والعدالة في الفساد أو الصراع” واعتبر أن “هذا الموضوع خطير ولا يجوز أن يدخل في ملف الفساد أو الصراع السياسي”، واتهم هيئة المساءلة والعدالة بأنها تتعامل بازدواجية في عملها. إن هذا الإجراء الظالم يأتي تصعيدا لمنهج خلق الأزمات داخل المجتمع العراقي بعد أن ظهرت دعوات سياسية هنا وهناك تعتقد بأن ظروف ما بعد داعش قد تساعد على بناء مناخ وبيئة سلمية معتدلة تصالحية تخفف ظروف التهميش والتعصب الطائفي السياسي التي ساعدت على إنتاج داعش، لكن العقلية السياسية السائدة مازالت متمسكة بمنهجها، وتحاول الإيحاء بالعدو المتربص بالعملية السياسية وهم “البعثيون” حيث تنشط التعليقات والتعقيبات الإعلامية القائلة إن هناك مخططا برعاية أميركية لتسلل ووصول بعض البعثيين إلى السلطة عن طريق البرلمان المقبل، وهذا ما دفع هيئة المساءلة والعدالة حسب ما أعلنوا لتوقيت توجيه ضربة إلى هؤلاء عن طريق مصادرة أموال هذا العدد الكبير. ومعروف أنه في عام 2017 صدر قانون المساءلة والعدالة المعدل رقم 72 وقيل إن ممثلي السنة قد وافقوا عليه ونشر في جريدة الوقائع العراقية وأمهل هيئة المساءلة والعدالة وهي هيئة تنفيذية لتطبيقه خلال تسعين يوما، وقد تأخرت الهيئة عن إصدار القوائم المشمولة لكنها ارتأت تنفيذه بإصدار هذه القوائم، وقد دافعت عن نفسها أمام الرأي العام بأنها جهة تنفيذية لذلك القانون مما يشير إلى أن هناك أهدافا سياسية من وراء نشره. ومن المفارقة أن بعض القوى السنية في البرلمان كانت قد وافقت على قانون المساءلة والعدالة في حلته الجديدة الذي تم بموجبه إصدار القائمة الفضيحة، والمفارقة الأكثر هي أن رئيس البرلمان السني سليم الجبوري الذي وافق على القانون المذكور طالب بعد الضجة الأخيرة بعدم وقوع ضحايا تلك القائمة إلى أيدي الفاسدين لابتزازهم أو ابتزاز عوائلهم. لقد وضح من خلال الأسماء المشمولة بتلك القائمة أنها تعمدت الظلم والعقاب الجماعي ليس على الأفراد المحكومين وفق قرارات المحكمة الجنائية ضمن فترة “العدالة الانتقالية” التي انتهت منذ عام 2008 ولم تكن هناك ضرورة لبقاء “المساءلة والعدالة” إلا إذا كانت من أجل أن تظل سيفا مسلطا يجدد حالة الانتقام والكراهية التي سادت منذ عام 2003 ولحد اليوم. قرارات الهيئة حسب وجهة نظر القانونيين غير دستورية ذلك أن الدستور يعتبر الملكية الشخصية مصانة ولا يجوز التعدي عليها، كما لا يجوز شمولها بالتبعية العائلية على الأبناء والأحفاد فقرارات الهيئة حسب وجهة نظر القانونيين غير دستورية ذلك أن الدستور يعتبر “الملكية الشخصية” مصانة ولا يجوز التعدي عليها، كما لا يجوز شمولها بالتبعية العائلية على الأبناء والأحفاد حتى الدرجة الثانية. ومن الطعون الأساسية ضدها أنها احتوت على أسماء لسياسيين أو عسكريين قسم منهم متوفون منذ زمن طويل قبل عام 2003 مثل الجندي الراحل فاضل الشكرة الذي أعدم في محكمة المهداوي عام 1959 لاتهامه بمؤامرة الشواف ضد حكم عبدالكريم قاسم، وشخصية سياسية أخرى هو فيصل حبيب الخيزران الذي فصل من حزب البعث عام 1962 وظل خارج العمل السياسي حتى وفاته. والمثال الآخر هو الراحل العميد صالح الساعدي الذي أعدمه رئيس النظام السابق صدام حسين لاتهامه بمؤامرة 1979 ومات في السجن في ذلك الوقت، إضافة إلى تضمنها لشخصيات عسكرية تم استدعاؤها للخدمة في الجيش العراقي لمكانتها المهنية وكانوا ضباطا مشهود لهم بالكفاءة والإخلاص مثل اللواء طالب شغاتي والشهيد طارق صداك الدليمي مدير شرطة الأنبار الذي استشهد على يد داعش، كما أن هناك الكثير ممن سجل التاريخ العسكري الوطني لهم بصمات في الدفاع عنه كعراقيين أحبوا بلدهم العراق، أمثال وزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم ورفاقه القادة العسكريين الآخرين القابعين منذ أربعة عشر عاما في السجون، إضافة إلى قادة عسكريين مثل الفريق الركن الراحل ثابت سلطان الذي أعدمه صدام حسين بمؤامرة مزعومة لقلب نظام الحكم في التسعينات. كما شهد العراق شخصيات في وزارات الحكم السابق ذات مهنية عالية مثل وزير التجارة السابق محمد مهدي صالح المعروف بوزير “البطاقة التموينية” التي شكلت تجربة عالمية وليست محلية عراقية في إنقاذ العوائل العراقية زمن الحصار الجائر بين 1991 و2003، وبعد سجنه من قبل المحتل الأميركي أطلق سراحه وتمت تبرئته من قبل القضاء العراقي وهو مقيم في شقة متواضعة بائسة في الأردن، ووزراء آخرون عرفوا بالنزاهة والمهنية يعاقبون اليوم بمصادرة أموالهم وأملاكهم، وهذا القصاص الجائر يخالف أبسط المبادئ الشرعية القائلة “لا تزر وازرة وزر أخرى” كما يخالف أبسط مبادئ حقوق الإنسان. يدّعي المدافعون عن قرار المصادرة أنه انتقام للآلاف ممن عارضوا البعث وصدام حسين وأن هذا الذي يجري هو جزء من ردّ الاعتبار للضحية، ولكن السؤال هل من الإنصاف أن يكون الرد على الظلم بظلم أقسى، وإلى متى ستستمر دوامة الانتقام والكراهية. كما يدعي المسوّقون لاستمرار تلك السياسة بأن هناك مؤامرة أميركية لإيصال البعثيين إلى الحكم وينبغي التصدي الحاسم لها. ولا نعرف كيف يساعد الأميركان البعثيين وهم الذين خططوا ونفذوا عملية إزاحة حكمهم عبر الاحتلال العسكري عام 2003.  المقصود بهذه المسرحية الساذجة تجديد صناعة “العدو” وتخويف الشارع الشيعي لكي يكون هؤلاء المتنافسون أبطالا أمامهم يدفعون عنهم أخطار سرقة السلطة، كما أنهم يدعون إلى تفعيل قانون “محاربة الإرهاب” وتقديم ضحايا جدد أغلبهم أبرياء من تلك الافتراءات إن المقصود بهذه المسرحية الساذجة تجديد صناعة “العدو” وتخويف الشارع الشيعي لكي يكون هؤلاء المتنافسون أبطالا أمامهم يدفعون عنهم أخطار سرقة السلطة، كما أنهم يدعون إلى تفعيل قانون “محاربة الإرهاب” وتقديم ضحايا جدد أغلبهم أبرياء من تلك الافتراءات، والجميع يعلم بأن هذه اللعبة الجديدة ستساعد دون شك على تجديد نشاط المتطرفين والإرهابيين وصناعة داعش جديد. وهي لعبة ستشيع الاضطرابات والتوتر بالبلد وتسعى للحفاظ على “هيبة” الفاسدين والفاشلين لدورة انتخابية مقبلة. ويبدو أن إطلاق حيدر العبادي لموقفه الواضح من هذه القضية يشكل نقطة لصالحه في ما إذا كان يسعى إلى إشهار سيف العدالة الضائعة في العراق، وبغض النظر أن يكون موقفه الرسمي والإعلامي هذا جزءا من حملته الانتخابية، إلا أنه يمتلك فرصته التاريخية كما هي الفرص العديدة المتوفرة أمامه لكي يكون زعيما سياسيا وطنيا وليس محللا سياسيا، لأن السلطة بيده الآن وبإمكانه اتخاذ إجراءات رادعة تعيد البلد إلى أن يخطو خطوات نحو السلم الأهلي وإبعاد مخاطر التخندق الطائفي المرير. بإمكانه مثلا إلغاء “هيئة المساءلة والعدالة” التي تحولت إلى سيف مسلط للاقتصاص من المعارضين أو المظلومين وعوائلهم. إن استخدام هذه الوسائل الترويجية غير الإنسانية للحصول على مكاسب انتخابية لبعض القوى الشيعية بقدر ما ستعمق حالة الإحباط العام لدى المجتمع العراقي والسني بصورة خاصة وتفضح مقولة “التسوية السياسية” المزعومة بين الشيعة والسنة، فإنها لن تقدم مكسبا لتلك القوى داخل الوسط الشيعي المتذمر من قادته الذين يرفعون شعارات الدفاع عن “الطائفة” والتي لم تعد فاعلة وسط التخلي عن حقوقهم في الحياة وترك الفئة الكبيرة وهي الشباب ضحية البطالة ومنتجاتها في تعاطي المخدرات وشيوع الجريمة والتفكك الاجتماعي، فبدعة صناعة “العدو البعثي” لا أثر لها داخل الأوساط الشيعية التي اكتشفت أنها محاولة للتهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية واستحقاقاتها أمام الجمهور المفترض لأولئك المتنافسين في جولة الانتخابات المقبلة.

مشاركة :