القمة الأمريكية الكورية الشمالية المرتقبة بين الدوافع وحدود المطالب المتبادلة

  • 3/13/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

جاء إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالموافقة على إجراء محادثات مع كيم جونج أون زعيم كوريا الشمالية، صادمًا للمراقبين السياسيين والعسكريين، خصوصًا وأن الإعلان أتي بعد تصعيد غير مسبوق في العلاقات بين واشنطن وبيونج يانح وصل إلى حد تهديد كل من ترامب وكيم بما في يده من أزرار نووية.ويأتى لقاء الرئيس ترامب المرتقب مع كيم الذى لم تسبقه أية محادثات بينهما وجهًا لوجه ولا أي مكالمة تليفونية مباشرة، بعد عام نجح فيه الرئيس الكورى الشمالى فى إطلاق صاروخ باليستى يمكن أن يصل إلى أية منطقة في الولايات المتحدة بما فى ذلك العاصمة واشنطن، وبعد اختبار قنبلة كوريا الشمالية الهيدروجينية التى راقبتها واشنطن، وعلى خلفية حملة من السخرية المتبادلة بين ترامب وكيم.وعسكريًا، يعد هذا الإعلان الأمريكي عن القمة المزمعة بين العدوين اللدودين والتي قال عنها ترامب إنها "قد تنتهي دون التوصل لاتفاق أو تؤدي إلى أعظم اتفاق للعالم" تعبيرًا عن ما وصفه عسكريون بأنه " تنازل واستسلام أمريكي" بالدرجة الأولى لأن من لوَّح باستخدام القوة وبالسلاح النووي هو رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب على خلفية التجارب الصاروخية والنووية التي أخذت بيونج يانج تجريها تباعًا، مع إعلان كوري شمالي الاستعداد التام للذهاب بعيدًا في المواجهة التي لن تكون تقليدية.دوافع مشتركةثمة مجموعة من الدوافع الأمريكية والكورية الشمالية المشتركة والتي حدت بالبلدين نحو قرار اللقاء المباشر وعقد قمة تاريخية مرتقبة خلال شهر مايو المقبل، هذه الدوافع هي:أولًا: الوصول بسياسة التهديد التي اتبعتها كل من واشنطن وبيونج يانح حافة الهاوية، وإدراكًا للعواقب المترتبة على الاستخدام النووي المشترك وآثاره المدمرة، كان اتجاه البلدين نحو الحلول السلمية في واحد من أكثر الملفات السياسية المعقدة بين البلدين على مدار التاريخ.ثانيًا: جاء الاتجاه نحو هذه الخطوة بعد الخطاب التاريخي للرئيس فلاديمير بوتين الذي أكد فيه عزم بلاده الدفاع عن حلفائها في حال تعرضهم لهجوم بالسلاح النووي أو الباليستي وبالسلاح ذاته، وفي نفس الوقت عدم قدرة واشنطن على إقناع حلفائها وتحديدًا اليابان وكوريا الجنوبية، بالدخول إلى أتون معركة الانقضاض على كوريا الشمالية، حيث كانت واشنطن تريد من حلفائها اليابانيين والكوريين أن يكونوا وقود حربها على كوريا الشمالية، وهذا لم يتحقق لها؛ لأن كلًا من اليابانيين والكوريين الجنوبيين ذاقوا طعم الحروب ومآلاتها وكوارثها ونتائجها، وبالتالي فهم غير مستعدين للتضحية مجددًا، خصوصًا وأن اقتصادهم في مراكز الصدارة في الترتيب العالمي لاقتصادات العالم، فضلًا عن أن هذه الحرب إذا قامت لن يكون فيها أحد منتصرًا، بل الجميع خاسرون.ثالثًا: ربما تكون المقاربة الأمريكية الجديدة بالرغبة في الحوار مع بيونج يانح، نابعة من محاولات واشنطن لاستنساخ الملف النووي الإيراني مع كوريا الشمالية ولكن وفق شروط وضوابط أمريكية قد تختلف في فحواها وجدواها عن إيران، وفي المقابل تدرك بيونج يانج أن الحوار والمفاوضات مع واشنطن لن تكون نزهة ودعائية، لا سيما وأن الأمريكي جاء مطالبًا الكوري الشمالي بتسليم مفاتيح سيادته وأمنه القومي، لذلك لا بد أن يكون هناك ثمن أميركي يكافئ أو يفوق ثمن تلك المفاتيح الكورية.رابعًا: أن الدعوة الكورية الشمالية للحوار والمفاوضات مع واشنطن قد تكون حيلة من جانب كوريا الشمالية للخروج من ضغط العقوبات أو لإحداث انقسام بين الولايات المتحدة و دول أخرى ومنها كوريا الجنوبية واليابان وروسيا والصين، وبالتالي صرف الأنظار الأمريكية نحو ملفات أخرى.واقعية المطالب وحدودهاولأن إعلان الاجتماع كان مفاجأة صادمة وخروجا صريحا عن المعتاد والمتبع فى الدبلوماسية الأمريكية والسياسية الأمريكية بشكل عام، فقد أثار المحللون نقاشات وتساؤلات حول واقعية المطالب المشتركة للبلدين وحدودها من القمة المرتقبة، ولم يتردد بعض المعلقين السياسيين والخبراء الاستراتيجيين فى وصفها بأنها مقامرة خطيرة خاصة أن خطوات الوصول إلى اتفاق ليست بالأمر الهين ولا يمكن التسريع فى إتمامه دون معرفة التفاصيل والنتائج. وشدد بعضهم على أنه مرة أخرى يتضح طريقة ترامب وأسلوبه فى تفادى الدبلوماسية التقليدية والاعتماد أولا وأخيرا على قدراته الشخصية فى عقد صفقة والاتفاق حولها.وإذا كان البرنامج النووي والصاروخي لكوريا مثار قلق أمريكي على الدوام، فإن التساؤلات محل الاهتمام هي:أولًا: هل كوريا الشمالية مستعدة للاستغناء عن سلاحها النووى وصواريخها الطويلة المدى بعد كل ما فعلته من أجل الحصول عليها وتطويرها؟ وهل ستقبل بإجراء عمليات تفتيش لما تملكه؟ثانيًا: التساؤل الآخر الأكثر أهمية هو: ماذا ستطلب كوريا الشمالية من واشنطن فى المقابل، ـ فإضافة إلى الحث على تخفيف العقوبات أو رفعها نهائيًا ـ هل ستطلب بيونج يانج إنهاء إجراء التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أو إنهاء الوجود العسكرى الأمريكى فى كوريا الجنوبية؟ حيث يصل عدد أفراد القوات المسلحة الأمريكية داخل كوريا الجنوبية إلى نحو 28 ألفا و 500 فرد.ولأن حدث القمة الأمريكية الكورية الشمالية المرتقبة في مايو المقبل حدث استثائي في التاريخ، فإن النتائج المتوقعة منها حال انعقادها ستكون هي الأخرى استثنائية وذلك في ضوء الآتي:أولًا: لم يكن الخيار العسكرى مطروحا على نحو جدى من جانب الولايات المتحدة فى اطار إدارتها لهذه الازمة منذ بدايتها، فعلى الرغم من ان كوريا الشمالية تعد صغيرة نسبيا، فانها تمتلك رابع اكبر جيش فى العالم ، يقدر تعداده بمليون جندى على الحدود مع كوريا الجنوبية وهى حليف مهم للولايات المتحدة، هذا بالإضافة إلى أن كوريا الشمالية تمتلك برامج قاذفات باليستية لديها القدرة على ضرب حليف آخر مهم للولايات المتحدة وهو اليابان.لذلك احتفظت الولايات المتحدة طوال إدارتها للازمة بالخيار السلمي كوسيلة أساسية للتعامل مع كوريا الشمالية على الرغم كونها مصنفة لديها كإحدى دول محور الشر، وتواجه التصعيد الحقيقى فى مواقف كوريا الشمالية باللجوء إلى وسائل عقابية سياسية أو اقتصادية وليس الخيار العسكرى.ثانيًا: نتيجة إدراك صانعى السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه القدرات النووية لكوريا الشمالية فى ظل إدارتها المختلفة لخطورة الموقف فى منطقة شمال شرق آسيا و خاصة شبه الجزيرة الكورية وأن اتخاذ أى قرار غير رشيد قد يؤدى إلى حرب كورية ثانية قد تستخدم فيها كوريا الشمالية أسلحة الدمار الشامل وستصل فيها خسائر الأرواح إلى الملايين، و لذلك كافة الإدارات الأمريكية كانت حريصة أشد الحرص على عدم الخطأ فى التعامل مع الأزمة النووية لكوريا الشمالية الأولى لعدم وقوع حرب فى المنطقة و التى سوف تؤثر بدورها على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة فى المنطقة بل والأمن القومى الأمريكى.وبالتالى فإن نظرة الولايات المتحدة الأمريكية لم تتغير تجاه بيونج يانج، حيث تعتبر كوريا الشمالية مصدر تهديد للولايات المتحدة، ومن هنا قد تكون خطوة ترامب تاريخية في إطار الحسابات الأمريكية الرشيدة والاقتصادية لتكلفة المواجهة العسكرية، وتفضيل الخيار السلمي في المواجهة يحقق الأمن القومى الأمريكى والمصالح الاستراتيجية فى المنطقة.

مشاركة :