فى سلسلة الإنسان بين حياة الفضيلة وحياة الرذيلة كتبنا عن الإيمان والشك وعن الاتضاع والكبرياء، ثم عن القداسة والنجاسة. واليوم عن الإنسان بين فضيلة المحبة ورذيلة الكراهية. فضيلة المحبة هى هبة من الله، لأن الله محبة، وهو مصدر الحب، وهو الذى أحبنا أولا، ويطلب منا أن نحبه كما أحبنا، وأن نحب بعضنا. وحقيقة أن الله محبة معناها أنه يوجد شخص محب وآخر محبوب، وإلا لم كانت هناك محبة. وعلامة حبنا لله هى حفظ وصاياه، فهو الذى قال لنا: «هذه هى وصيتى أن تحبوا بعضكم بعضا، كما أحببتكم. «وهذا ما أكده القديس يوحنا الحبيب، أحد الحواريين الاثنى عشر للمسيح: «أيها الأحباء لنحب بَعضُنَا البعض، لأن المحبة هى من الله، وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله. وكل ما لا يحب لا يعرف الله لأن الله محبة. حقا إن المحبة هى اسم الله الكريم. المحبة هى نور، والذى يتمسك بها يرتبط بالله. المحبة هى أساس الاتضاع، ورأس جميع الوصايا. المحبة نار تشتعل فى قلب صاحبها فيعبد الرب بفرح، ويخدم بها جميع الناس سواسية، لا يفرق بينهم ولا يميز على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الجنس، ولكن على أساس الوحدة فى الإنسانية، فجميعنا أولاد الله وبنى آدم وحواء. والمحبة تبطل الغضب والبغضاء والرجز». وعن كيف تحب الناس ويحبك الناس قال البابا شنودة الثالث: «ضع هدفا واضحا أمامك وهو أن تكسب محبة الناس، وفى سبيل محبة الناس، احترم كل أحد، حتى من هو أصغر منك، لذلك فإن تواضعك للناس هو عامل هام فى كسب محبتهم لك. إن أردت أن يحبك الناس، خادمهم.. وساعدهم.. وأبذل نفسك عنهم. ودافع عنهم وامدحهم، واحتملهم وكن مخلصا لهم فى محبتك. وما أجمل ما قاله غاندى عن المحبه: «أينما يتواجد الحب تتواجد الحياة». قال أحد الحكماء: إن كان هناك من يحبك فأنت إنسان محظوظ، وإذا كان صادقا فى حبه وأنت أكثر الناس حظا». وقال حكيم آخر: «أنا أحبك إذن أنا مستعد لفعل أى شيء من أجلك». أما عن رذيلة الكراهية فهى عكس فضيلة المحبة. إن كانت المحبة هى أعظم شيء فى هذا العالم الحاضر- كما قلنا- فالكراهية والبغض والعداوة هى أعظم جرم فى الوجود. إن الكراهية هى الخطوة الأولى التى من خلالها لا نهتم بالآخرين، ولا نظهر روح الرحمة نحوهم، ولا نتعاطف معهم. وليس هذا فحسب، بل من خلال الكراهية والبغض والعداوة قد يسعى الإنسان إلى تحطيم نفسية الآخرين وانتزاع آخر رجاء لهم. لذلك نستطيع أن نقول إن المنازعات والخصومات تنبع من عدم المحبة التى تقود إلى الكراهية والبغض والعداوة، والتى تدل على ضعف الإنسان إزاء نفسه وهزيمته من الداخل. حقا إن الإنسان الذى يكره ويصنع عداوة مع الآخرين لا تكون عنده محبة كاملة، والعيب فى داخله وليس فى الآخرين. عرفت بشاعة رذيلة الكراهية عندما قرأت تعريفها فى موسوعة ويكيبيديا: «الكراهية هى مشاعر انسحابية يصاحبها اشمئزاز شديد، ونفور وعداوة أو عدم تعاطف مع شخص ما أو شيء أو حتى ظاهرة معينة. تعوذ عموما إلى رغبة فى تجنب، عزل، أو تدمير الشيء المكروه. يمكن للكرة أن يبنى على الخوف من غرض معين أو من ماض سلبى أو شخص معين نتج عن التعامل مع ذلك الفرد أو الشخص. إن السبب الأساسى لانتشار الكراهية والبغض والعداوة هو البعد عن الدين، فالدين ليس مجرد عبادات فقط، إنما الدين هو معاملة، كيف نعامل الآخرين ونحبهم ولا نبغضهم ولا نكرههم ولا نسيء إليهم، هذا هو التدين الحقيقي. إن الكراهية داء مهلك، والذى يكره لا يعرف للنوم طعما ولا للحياة معني، حياته مليئة بالكراهية للآخرين. وقد يكره نفسه. وأقول للإنسان الذى عنده رذيلة الكراهية: «حب الله ومن خلال محبتك له ممكن أن يحب الآخرين ولا تتكبر عليهم وتشعر بأنك أفضل منهم، فأنت لا شيء لولا فضل الله عليك، وتذكر قوله تعالى: «وكان فضل الله عليك عظيمًا». هناك قاعدة خالدة تقول: «لا توقف الكراهية الكراهية، بل يوقفها الحب فقط». هيا بِنَا جميعا نحب بَعضُنَا بعضا، ونحارب الكراهية، التى تنخر أساسات المجتمع وتفتته وتصنع العداوة والبغض. إنه واجب دينى ووطنى واجتماعى يجب أن نحمله جميعا فى الجامع وفى الكنيسة وكل وسائل الإعلام السمعية والبصرية، لكى نعيش فى محبة وعدم كراهية. فنحيا فى سلام مع الله ومع أنفسنا ومع الآخرين. القمص ميخائيل أدوارد كاهن كنيسة مارمرقس فى كليفلاند ووكيل إيبارشية أوهايو وميتشجن وإنديانا- بأمريكا
مشاركة :