قلت في مقالات سابقة أن العلمانية منهج فكري يقوم على الفصل بين الشأنين الغيبي والواقعي ، ولا يسمح للتداخل أو الخلط بينهما . العلمانية منهج فكري لا يتعاطى سوى مع الواقع ، أما الغيب فهو لا يقع ضمن دائرة اختصاصاته . ولذلك فقد قدمت العلمانية منهجها الفكري الذي يعتمد على العلم كأداة وحيدة للتعامل مع الواقع . يقف في الجانب النقيض للمنهج العلمي ، المنهج الغيبي الذي يحيل جل أو أغلب ما يحتوي عليه الواقع ، إلى أسباب غيبية .. أي إلى أسباب لا علاقة لها بالواقع المحسوس . على سبيل المثال وفي حال الإصابة بمرض ما ، يبحث الشخص المؤمن بالمنهج العلمي عن حلول طبية مباشرة ، بينما يفتش الشخص المؤمن بالمنهج الغيبي عن تفسيرات لا علاقة لها بالواقع والأسباب المسؤولة عن إنتاجه .. وهكذا ينشغل الشخص المؤمن بالمنهج الغيبي حال إصابته بمرض ما ، في البحث في احتمالات إصابته بالعين أو السحر ، وربما يفضل الراقي الشرعي على الطبيب ، عند السعي إلى العلاج ! وفي حالة وقوع الكوارث الطبيعية وبدلا من البحث في الأسباب الحسية لتلك الكوارث تمهيداً لاحتواء أضرارها وتحجيمها ، يلجأ المؤمن بالمنهج الغيبي لتفسير ما حدث باعتباره غضباً أو امتحاناً إلهياً ، دون أن يتحرك خطوة واحدة في سبيل السيطرة على الطبيعة المسخرة للإنسان الذي يسعى لفهم قوانينها . المنهج الغيبي الذي يسعى إلى إحالة كل ما في الواقع إلى أسباب غير محسوسة ، يؤدي أيضاً إلى الإفراط في التشاؤم والتفاؤل ، ويزيد من نسبة إيمان الإنسان بالحظ ، مما يؤدي إلى إيمانه بانحسار مساحة الاختيار في حياته .. وهو ما ينعكس سلبا على إرادته . المسألة كما ترون ليست لها علاقة بالإيمان بالغيب نفسه ، فالإيمان لا يعني الاقتناع ولكنه يعني التصديق غير المشروط .. وهذا التصديق غير المشروط لا يعني التعامل مع الواقع خارج إطار قوانين الطبيعة ، بل يعني التصديق بوجود عالم آخر لا يخضع لقوانين الطبيعة ، وليست له علاقة بالأسباب المحسوسة التي تحكم حركة الكون بكل ما يحتوي عليه ، ومن ضمن تلك المحتويات الإنسان نفسه . في المقال القادم سأتحدث عن الدولة العلمانية التي لا تدخل الدول الملحدة ضمن منظومتها .. وهو ما قد يفت الكثيرين من الذين يعتقدون بأن العلمانية تتلخص في فصل الدولة عن الدين . anaszahid@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :