هل ينجح العراق في محاولات الخلاص وتغيير الفاسدين؟

  • 3/15/2018
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

إن صورة المشهد العراقي الراهن تتحرك بوتيرة متداخلة إلى الحد الذي جعل من مرحلة الانتخابات البرلمانية القادمة تُبدي مؤشرات مختلفة إلى حدود ما عما كانت عليه في سنينها الماضية، إذ كان فيما مضى حس النخبة السياسية الحاكمة مُجاهرًا بطائفيته وبشكل معلن، أما ما يرشح في هذا المتغير السياسي للحالة العراقية فإنه يشي بظهور بوادر لتفتت الكتل السياسية التي حكمت المشهد العراقي على أُسسها الطائفية المعروفة. ففي هذه المرحلة من عمر العراق الجريح والذي تم التآمر عليه دوليا بكل ما لتلك الكلمة من معنى، وبعد غزو هذا البلد العربي الذي ظل طوال فترات عمره الحديث قلعة صلدة ممانعة لتوجهات الصهيونية والامبريالية العالمية ومآربها بتفتيت الكيان العربي وإحلال اكبر قدر من العجز والهزيمة المادية والمعنوية بكافة أقطاره وذلك من خلال اثخان هذا البلد العربي العظيم بالجراح والذي بات الوطن العربي وأقطاره بعده مفتوحًا على كافة احتمالات التغييرات المدفوعة غربيا وأمريكيا لتغيير هوية أجيال وجغرافيا هذه المنطقة العربية من بقاع العالم، ونحن في هذا المقال لسنا بصدد الدخول في إشكالية من باع ومن تآمر على العراق، وبأي مبرر دولي وقانوني أُجيز للولايات المتحدة احتلال هذا البلد وتدميره فكل ذلك بُطلان معروف وقد سجلته شهادة تاريخية معتمدة وموثقه ستظل وصمة عار ودليلا على همجية أهل هذا العصر الذين يتدثرون بالحرية وحقوق الإنسان في عناوينهم العريضة، إذ إن ذلك الفعل الأمريكي الذي دمر الأمة، هو لا يتعدى كونه بلطجة أمريكية ستظل الولايات المتحدة معنية بتحمل كل نتائجه المادية والمعنوية للعراق مهما تقادم التاريخ والزمن وهو ما تكفله وتُوجبه قوانين الشرعية الدولية نظرًا إلى السياقات ووهن الدلائل التي تم بها الغزو الأمريكي للعراق في عهد بوش الإبن ، أي ان كل ما جرى على العراق وضمن تعريفات الشرعية الدولية يعد احتلالا بكل العهود والمواثيق الأممية الدولية، وبناءً على تلك القواعد فإن التشريعات الدولية لا تُخول أي محتل إقامة مجالس انتقالية أو صياغة دساتير أو إجراء انتخابات تحت مظلة المحتل وحرابه، ودونما تأسيس ورعاية مُباشرة لمظلة أممية كاملة يكون من شأنها الإشراف على مشروع مُستجد للدولة الواقعة تحت الاحتلال، بمعنى آخر ان كل ما جاء به المحتل الأمريكي من جانب واحد هو باطل وقد أسس لزرع مظلات للفتن في هذا البلد العربي، لقد سعت الإدارة الأمريكية منذ بداية الاحتلال واحتدام الصراع على الأرض إلى اختبار الإرادة العراقية وبأسها وبعد ان عجزت عن المواجهة المُباشرة فتحت الباب على مصراعيه لكل أنواع التداخل وأدوات الاستقدام الخارجي وذلك بُغية كسر وتخريب سيكولوجيا الشخصية العراقية ورجولتها الجمعية، فكانت إيران وعنصرها الفارسي بسيكولوجيته الفاسدة حاضرة بقوة في تمثل هذا الدور وبكل ما أوتي لها من فنون وأساليب الابتداع المفاهيمي وتحت غطاء مذهب أهل البيت والظلامة التاريخية المُصطنعة. إن حقيقة الأمم والشعوب تتمايز فيما بينها بمستويات مُختلفة في تشكيلها السيكولوجي، فمثلاً سيكولوجيا الشخصية الروسية وسيكولوجيا الشخصية الألمانية تتصفان بمفاهيم جمعية من حيث وضوح وحدة معاييرهم الفاصلة فيما بين المتناقضات وثبات إيحاءاتهم الذهنية والسلوكية في معظم تشكيلهما السيكولوجي وبشكل فارق عن باقي مواصفات الشخصية الأوروبية بحيث إنهما يشتركان في وضوح المعايير السلوكية الجمعية، وهو الأمر الذي يجعل الرئيس الروسي بوتين اليوم يُذّكر الأمريكان والأوروبيين على الدوام بأن إرادة النازية وتمددها في الحرب العالمية الثانية ما كان لينكفئ لولا صلابة الجيش الأحمر والشخصية الروسية وثبات تكوينها السيكولوجي في الصراعات الأممية، وهو ما قد نتج عنه قيام النظام العالمي المعاصر، واليوم وبعد مجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي نحا بالسياسة الأمريكية بخطوات جريئة على كافة الصعد ومنها على مستوى الشرق الأوسط والصعيد العراقي، فكان نصيب هذا البلد من توجهات هذا الرئيس الأمريكي وبحسب ما رشح من التصريحات الأمريكية -إن «صدق»- بالنسبة لتعامله السياسي مع ملف العراق وتوجهه المستجد فيه أنه سيسعى لتقليص نفوذ الأذرع الإيرانية داخل العمق العراقي وبعد ان كانت الإدارة الأمريكية غاضةً للطرف عن تمدد تلك الأذرع لسرقة كل مقومات ثراء العراق وتخريب هويته العربية الغنية، إذ لم ير العراق من تغلل النفوذ الفارسي إليه إلا كل خراب وفساد وتحت العين الأمريكية وباستحسانها لتسرب أدوات التسطيح الفارسي المُمنهج للعقلية العراقية، والحقيقة ان القدم الفارسية لم تطأ يومًا الأرض العربية والعراقية إلا وجلبت معها الخراب، وقد شخص الخليفة عمر رضوان الله عليه سيكولوجيا الشخصية الفارسية باكرًا فقال قولته المشهورة (ليت بيني وبين فارس،، الخ) واستنادًا إلى ماهية المرويات التاريخية فإن الخليفة الفاروق عندما جيء بالأسرى وغنائم الحرب قد رفض إدخالها لبطن مكة وإنما أمر بإسكانها في الشعاب، واليوم نجد المفارقة ان نتنياهو يُمجد السيكولوجيا الفارسية ويثني عليها بالإطراء، ومع كل ما تقدم يبقى السؤال الراهن والأصعب يكمُن حول مدى جدية الولايات المتحدة في تقليص نفوذ الفرس في هذا البلد العربي، وهل ستقبل إسرائيل بذلك؟ إن الكل يعلم مرحليا ان العراق سيدخل انتخابات برلمانية قادمة، وقد شهدت كل الانتخابات السالفة بعد الاحتلال الكثير من التلاعب وتحوير النصوص القانونية والمفاهيمية وبما يفتح المجال لسيطرة النفوذ الفارسي وأتباعه للامساك بحكم العراق، وما نتائج تقدم الكتلة العراقية بقيادة علاوي سابقًا وما حصل بعدها من تأويل وتحريف تم من خلاله إرساء سلطة الحكم في يد المالكي وحزب الدعوة ما هو إلا دليل على ذلك وهو حدث ليس ببعيد عن الأذهان، لكن الحالة العراقية السالفة وما نتج عنها من فساد وإفلاس لتلك الكتل الطائفية التي جرّت العراق إلى مستوى الضياع والتبعية للخارج وصولاً إلى تسليم المالكي ثلث أراضي العراق لداعش، ومن ثم نجاحه حتى اللحظة في الإفلات من أي مُساءلة ومحاسبة عما لحق بالعراق في عهد حكمه فإن تلك الكتل من الواضح أنها اليوم قد فقدت قدرتها على الاستمرار بنهج تحشيد الطوائف والاسترزاق من عمليات تحفيزها العاطفي، ان ما عُرف بمسمى البيت الشيعي الذي أسس مفهومه وسعى لجلبه أتباع الفرس بالعراق منذ بداية الاحتلال وتحت رعايته والذي بدوره وضع اللبنات الأولى لدق الاسفين الأخطر على مجرى حياة العراقيين، فقد ولد من رحمه تقسيم البُنية العراقية إلى بيت سني وبيت آخر كردي وهكذا دوليك، ومن الواضح ان المُستجد في السياقات السياسية العراقية الراهنة ان تلك الأحزاب تسعى لتغيير أسلوبها وخطابها وإعادة صياغة هيكلتها وبما يتناسب مع دفوع وحاجات المرحلة القادمة فما عاد يُجدي نفعًا تسمية بيوت ولا الندب السياسي باسم الطائفة وإن ما حصل مُؤخرًا للكتل الكردية المُسيطرة من انحسار لهو اكبر دليل على ذلك، ولو كان الأمر راجعا لنا وكانت الجامعة العربية بصحتها وكان الكيان العربي بِعزته وأنفته لكان لزاما طرد مندوب العراق من الجامعة العربية منذ الوهلة الأولى وذلك كي لا يكون مدخلاً لغيره من البلدان العربية في صياغة دساتيرها وعلى غرار ما جاء في دستور العراق الجديد والذي يُسوق لنصوص دستورية تدفع لكون العرب في البلدان العربية ما هم إلا جزء من الشعوب العربية وكما جاء في الدستور العراقي الجديد ان عرب العراق هم جزء من الشعوب العربية، وليس العراق بكيانه وتاريخه جزء من منظومة الأمة العربية، ان دستورًا كهذا وقيادة تزعم بأنها حكمت العراق وهي لا تستحي على نفسها بقبول نكرانها لذاتها ولكيان العراق بحجمه وتاريخه فهذه عقلاً وقانونًا لا يجوز لها ان تحضر المحافل العربية وتدعي أنها جزء من الأمة، لكن ما عسى الرجال ان تقول وتفعل في زمن ضياع المعايير وسيادة الصبيان، إن انفتاح حكومة العبادي على المملكة العربية السعودية ودول الخليج ومن ثم زيارة مقتدى الصدر الأخيرة للمملكة العربية السعودية وهو الأمر الذي حدا بالسعودية مشكورة لاحتضان ذلك التوجه لهو بمثابة كأس السُّم الذي تجرعه الفرس، كما انه يُعطي مؤشرًا آخر للفرس على رصد جُملة من التحولات السياسية سوف تطرأ على المشهد العراقي وتوازناته، فلم يجد الفرس خلال الفترة الأخيرة الماضية الا التلويح باستخدام ورقة الحشد الشعبي لجعله عقبة في وجه العبادي وتوجه مقتدى الصدر الأخير وذلك بُغية ضرب أي محاولة لتغيير واقع الوضع العراقي وتوازناته المريرة والتي سعت الإدارات الأمريكية السابقة لتكريس نفوذ الفرس فيه، وعلى ضوء ذلك بدت تصريحات رموز الحشد التابعين لفارس على أرض العراق تُجاهر وبشكل جريء ومُتحد لتوجه حكومة العبادي، فهي اليوم تُصر على رفض دعوات العبادي بنزع سلاح الحشد ودمجه في المهام العسكرية والإدارية بصيغة توظيف فردي، كما ان تلك الرموز الحشدوية وبعد تلك التصريحات خرجت مؤخرًا وبما يتماشى مع وجهة الإيرانيين ورصدهم لمُتطلبات المرحلة بتصريحات بالوكالة بتهديد الوجود الأمريكي وقواعده في العراق وباستخدام القوة العسكرية وكأنهم لم يُحاربوا تحت ظلال ذلك الاحتلال ولم يصلوا إلى الحكم بآلته العسكرية، والسؤال القائم فعلاً هل تتجرأ إيران على ضرب القواعد الأمريكية في العراق وتحت غطاء الحشد وبيده بالوكالة؟ وذلك بعد ان رضخت للالتزام بالخطوط الحُمر تجاه إسرائيل وصولتها الأخيرة في المشهد السوري، صحيح ان معيار الفارق في صيغة التفاعلات السياسية والعسكرية وميكانيكيتها في العراق تختلف عما هو حاصل في سوريا، وخصوصًا ان الإيرانيين في الحالة الأولى لن يعد لديهم ما يخسرونه إذا ما خسروا السيطرة على مقاليد الحياة السياسة العراقية كما أنهم في هذه الحالة أيضًا نجحوا في صناعة رموز لديها للاستماتة في الحرب بدلاً عن إيران على ارض العراق وباستنزاف دماء أبنائه، وبالإضافة إلى ذلك فإن الاستراتيجية الإيرانية القادمة للمواجهة وفي ضوء تحول النهج الأمريكي المُستجد «ان صدق» تجاه تقليص نفوذ إيران في العراق، فإنه قد يدفع إيران وبشكل أكثر جرأة لتبني استراتيجية الحرب عن بُعد وكما صرح بذلك مؤخرًا نائب القائد العام لحرس الثورة الإيرانية العميد حسين سلامي حيث قال (إن الجيشين السوري والعراقي في هذه المرحلة هم أفضل خيار استراتيجي لإيران للاشتباك مع العدو عن بعد)، أي بمعنى تبني استراتيجية مناوشة الأمريكان بدم العراقيين لحماية الأرض والمصالح الإيرانية عن بعد وحفظًا للأمن القومي الإيراني واستقراره، إن الانتخابات العراقية وصورة المشهد العراقي القادم ستشهد تحولاً في شكل الكتل السياسية وتركيبتها، لكنه من الواضح أنها لن تنجح في إقصاء الفاسدين وإبعادهم عن الوصول إلى مراكز صنع القرار مُجددًا وذلك إذا ما استمرت صياغة المشهد الانتخابي بمعاييره الحالية، فملف مُحاسبة الفاسدين مثلاً قد سلّمته هيئة النزاهة لمكتب العبادي والأمريكان يعون ويعلمون تمامًا بتفاصيل الواقع العراقي وبكل خبايا رموزه الفاسدة إلا ان الحكومة تلكأت عن عرض ذلك الملف وشخوصه للقضاء قبل إجراء الانتخابات القادمة وهو الأمر الذي يشوب نزاهة حكومة العبادي ويضع ظلاله على تصريحاته التي أكد فيها عزمه على محاكمة الفاسدين بعد التخلص من داعش، كما ان ذلك التلكؤ عن محاكمة الفاسدين قبل الانتخابات يُعد فرصة أُخرى لرموز الفساد للوصول لتصدر المشهد السياسي، وإن المُفارقة في ذلك أن الإدارة الأمريكية لم تُحرّك ساكنًا ومن خلال الطرق السياسية الضاغطة لحمل العبادي على بدء مُحاكمة رموز الفساد قبل إجراء الانتخابات، ومجملاً ان خُلاصة المشهد العراقي الراهن هي عبارة عن محاولات مُتعطشة لمجاميع الفُسيفساء العراقية للتخلص من النفوذ الإيراني الذي أجهد كاهلها فهل تصدُق التوجهات الأمريكية في دعم ذلك وتدفع به وإن كان يُنافي حاجة إسرائيل الاستراتيجية ومُتطلبها؟ hassanalaswad@hotmail.com

مشاركة :