دمشق- بعد آخر ظهور للفنان السوري دريد لحام في عالم السينما الذي كان من خلال فيلم “سيلينا” (إنتاج 2009) والذي أعدّ عن مسرحية للرحابنة “هالة والملك” وأنتجه صديقه نادر بيك الأتاسي وأخرجه حاتم علي، يعود الفنان المخضرم إلى السينما من خلال فيلمه الجديد “دمشق حلب” للمخرج باسل الخطيب. ويجسّد دريد لحام في فيلم “دمشق حلب” دور عيسى، وهو مذيع سابق متقاعد، يعيش في دمشق، يقرّر الذهاب لزيارة ابنته دينا (كندة حنا) التي تقيم في حلب وفقدت زوجها في حادثة خطف مجهولة، وحين يستعد للسفر يستقل أحد “الباصات” الكبيرة ليبدأ المشوار، وتنطلق حكاية البطل عيسى مع العديد من الأشخاص الذين يصادفهم في هذه الرحلة. ومن هذه الشخصيات نذكر العروسين اللذين يسافران لعقد زواجهما في حلب، والمرأة الولاّدة التي يأتيها المخاض في الرحلة، إضافة إلى الموسيقيين الشباب والعديد من الشخصيات التي نصادفها في حياتنا اليومية كل يوم، ليظهر الفيلم في هذه الرحلة تشكيلا من العلاقات التي حدثت بين هؤلاء وفي مواقف مختلفة، إيجابية وسلبية. ومن أهم حكايات الفيلم، قصة دينا التي تعيش في حي حلبي مع ولديها، والتي تصحو في أحد الأيام لتجد أن الحي قد زرع بالألغام، وصار السير فيه خطرا، ولكن عيسى والدها يأتي إليها رغم هذه المخاطر لتكون النهاية التي يريد صناع الفيلم الوصول إليها والتي تحمل مضامين إنسانية مختلفة. ويحتوي الفيلم الذي كتبه تليد الخطيب على العديد من الإسقاطات الفكرية الهامة التي تحاكي الوضع السوري الراهن، بما يحتويه من تناقضات اجتماعية ومعيشية مختلفة، ويستعرض بأسلوب الكوميديا السوداء بعض مفاصل حياة العديد من الناس في زمن طارئ وضعهم في مواجهة تحديات مصيرية تؤثر على مسارات حيواتهم. ويقول الفنان دريد لحام عن ذلك وعن مشاركته في الفيلم “هو مشروع سينمائي قديم جدا تأخر كثيرا، حيث طال الحديث عن مشاركة لي في سينما القطاع العام، ممثلا في المؤسسة العامة للسينما، لكن الظروف لم تكن لتنضج لمرحلة تنفيذ فيلم، كانت تقف عند درجة الأفكار والأحلام والمشاريع القادمة، لكن هذه التجربة وبالتعاون مع الأستاذ باسل الخطيب وإدارة المؤسسة وصلت إلى مرحلة التنفيذ، أنا سعيد بها ومعوّل عليها، السينما السورية وجدت مبكرا، وقدّمت أشياء هامة، ويجب أن تستمر في العمل والظهور”. شهد مقهى "خبيني" المجاور للمسجد الأموي في قلب مدينة دمشق، خلال الأيام القليلة الماضية انطلاق مرحلة التصوير لمشاركة سينمائية نادرة وهامة، يقدم عليها دريد لحام بمساهمته في فيلم "دمشق حلب" الذي تنتجه المؤسسة العامة للسينما، عن سيناريو لتليد الخطيب وإخراج لباسل الخطيب. وعن الفيلم والتجربة التقت “العرب” الفنان السوري المخضرم، فكان هذا اللقاء. وعمل الفنان دريد لحام مبكرا في السينما السورية ويمتلك تاريخا حافلا، بدءا من الفيلم الشهير “عقد اللولو” عام 1964، بمشاركة نجوم الفن العربي حينها نهاد قلعي، صباح وفهد بلان، وكان من إخراج اللبناني يوسف معلوف، ثم قدّم العشرات من الأفلام السينمائية في كل من سوريا ولبنان ومصر، منها الفيلم الشهير “خياط للسيدات” 1969 الذي جمعه مع نهاد قلعي ومحمود جبر والفنانة المصرية الشهيرة شادية. وقدّم لحام في العام 1984 فيلمه الأشهر “الحدود” عن سيناريو للكاتب السوري محمد الماغوط، الذي قدّم فيه محاكاة لما يعيشه العالم العربي من تفرقة سياسية مفتعلة تبعد الشعوب العربية عن آمالها وأحلامها المشتركة، وهو الفيلم الذي حقّق حين تم عرضه نجاحا عربيا كبيرا. وفي سجل السيرة الفنية للفنان دريد لحام التي تمتد لمدة تقارب السبعين عاما، والتي تنقّل فيها بين فنون المسرح والتلفزيون والإذاعة والسينما لم يسبق له في إطار السينما أن قدّم مشاركة في سينما القطاع العام (المؤسسة العامة للسينما) التي تأسّست في أواخر عام 1963. وكانت هناك العديد من المحاولات التي لم يكتب لها النجاح، ولكن جهود المخرج باسل الخطيب أوصلت هذه الفكرة إلى بر التنفيذ بعد ما يزيد عن النصف قرن من تاريخ تأسيس مؤسسة السينما. وعن رأي دريد لحام في طبيعة الفن السينمائي ومدى اختلافه عن الدراما التلفزيونية، يقول “السينما فن خالد، فن باق، أما التلفزيون فهو آني سريع وغير خالد، ما يقدّم في السينما يبقى فترة أطول وتتذّكره الناس أكثر، من منا ينسى مثلا فيلم “ذهب مع الريح’ أو فيلم “الحدود” أو “خياط السيدات”. ويتابع الفنان السوري المخضرم “في التلفزيون تقدّم مادة جميلة جاذبة، لكنها مؤقتة بمرحلة تبدأ وتنتهي فيها، على خلاف السينما التي يمكن من خلالها مشاهدة الفيلم عبر أجيال وأماكن مختلفة، لذلك يكون الفيلم السينمائي محقّقا لصفة البقاء والخلود، وهذا ما يدفع المبدعين للعمل على تقديم مشاركات سينمائية في حياتهم الفنية، لأنها الطريق المضمون لكي يصنعوا مكانة فنية أهم، وبالتالي أن يعيشوا في وجدان الناس أكثر”. ودريد لحام فنان سوري، ولد بدمشق عام 1934 درس الفيزياء والكيمياء، وعمل بالتدريس فترة من عمره، ثم اتجه للفن، حيث قدّم مشاركات مسرحية في سوريا وفي العالم العربي نذكر منها: “ضيعة تشرين”، “غربة” و“كاسك يا وطن”. كما حقق في التلفزيون مع شريكه نهاد قلعي ومجموعة من الفنانين الشعبيين في سوريا نجاحات خالدة، كان من أهمها المسلسل الشهير “صح النوم” الذي تقمّص فيها لحام شخصية “غوّار الطوشة” والتي حققت له مكانة فنية عربية رفيعة. ومن أعماله أيضا: “الإجازة السعيدة”، “لقاء في تدمر”، “الشريدان”، “حمام الهنا”، “مقالب غوّار”، “النصابين الثلاثة”، “واحد مع واحد”، “سمك بلا حسك”، “زوجتي من الهيبيز” وغيرها من الأعمال الفنية.
مشاركة :