هل تكون سورية سبب حرب شاملة بين روسيا وأميركا؟

  • 3/16/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

اليوم الغوطة وغداً درعا... إنها ليست سورية وليست الحرب الدائرة على أرضها، بل إنها حرب مفتوحة بين الولايات المتحدة وأوروبا وحلفائهما في الشرق الأوسط ضدّ محور روسيا وحلفائها. إنها حرب على السيطرة على المواقع والنفوذ في العالم.ومن الطبيعي أن تقاوم الولايات المتحدة لتدافع عن مكانتها الأحادية التي تمتّعت بها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وحتى العام 2015 عندما قررت موسكو إرسال قواتها الجوية والبحرية وبعض القوات البرية إلى بلاد الشام لتفرض مكانة لها هناك وتبدأ مخاض ولادتها من جديد بعد غيابٍ دام عقودا.ومن الطبيعي أن تدافع أميركا عن أحاديتها وتحاول عرقلة استيقاظ المارد الروسي وأن تجنّد كل طاقاتها وحلفائها الغربيين والعرب لتقف ضد المحاولات (الناجحة) من روسيا لإظهار قوّتها الديبلوماسية والعسكرية من خلال نافذة بلاد الشام.ومن الطبيعي أن تحاول أميركا ضرْب الحلقة الأضعف في الحلف الروسي - الصيني - الإيراني لتضع نصب عينيْها هدف إفشال الاتفاق النووي الذي وقّعته إيران والدول الست الكبرى في يوليو 2015.كل ذلك سببه نتائج الحرب الدائرة في سورية التي وجدت فيها الولايات المتحدة دافعاً لمعاودة رسْم خريطة الشرق الأوسط وتقسيم العراق وسورية وضرْب «حزب الله» في لبنان واقتطاع أجزاء من جنوب سورية لمصلحة إسرائيل (وشمالاً لمصلحة تركيا وأميركا). وقد استفادت واشنطن من العناوين الدينية التي رفعها تنظيم «داعش» ليظهر الصراع في سورية وكأنه «بين المسلمين» في رسالةٍ مفادها ان «هؤلاء العرب المسلمين لم يتركوا فرصةً للتنازع في ما بينهم إلا أوْجدوها تحت عناوين عدّة».بينما الحقيقة غير ذلك، على حد تأكيد مصادر مطلعة، فهو صراعُ السلطة والسيطرة والنفوذ الذي يسمح بتوجيه ضرباتٍ تحت الحزام واستخدام ورقة «التطرف الديني» لمنْع عودة روسيا الى الشرق الأوسط ومعاودة ترسيم حدود المنطقة.هل نجح صقور واشنطن في مسعاهم؟ الجواب: كلا. إلا أن هؤلاء يسعون بشتى الوسائل المتاحة لديهم لاتهام روسيا بدعم الرئيس السوري بشار الأسد لتشويه صورة المسؤولين في موسكو بعد استخدام منصة الأمم المتحدة والإعلام الدولي لوقف مساعي الرئيس فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في سورية ووقف محاولات تقسيم الشرق الأوسط والقضاء على التنظيمات المتطرفة التفكيرية وتفتيتها في مكان وجودها في العراق وسورية.وقد استخدمتْ روسيا 11 «فيتو» رفْضاً لمحاولات واشنطن وحلفائها ضرب سورية وإسقاط الأسد. واستعلمتْ روسيا كل قوتها السياسية لاستحداث مناطق خفض التصعيد في الشمال والوسط والجنوب السوري لتقطع سورية إلى مربعات وتجمد الحرب في مناطق مختلفة لتتفرغ لضرب قوات «داعش» أولاً التي بقي منها جيْب ليس بصغير تحت سلطة وحماية أميركا في الشمال الشرقي السوري. وهذا الجيْب لا تستطيع روسيا إنهاءه لأن واشنطن لن تسمح لأي قوة بضرب «داعش» تحت عنوان أن ما هو شرق نهر الفرات خارج منطقة عمليات روسيا وحلفائها.واستطاعتْ روسيا إعطاء الوقت الكافي للحكومة السورية لتجمع قواتها وتضرب «القاعدة» وتصفي الجيوب المختلفة لتحصر أماكن سيطرة «القاعدة» وحلفائها في محيط ادلب والمدينة نفسها وحول دمشق (الغوطة واليرموك) وفي الجنوب (درعا والقنيطرة).واستطاعت دمشق مدعومةً من روسيا تقسيم مناطق الغوطة على الرغم من التجييش الإعلامي والمحاولات الأميركية الفاشلة في الأمم المتحدة لوقف الحرب على الغوطة وإبقاء هذه البقعة في خاصرة دمشق.والسبب الرئيسي لغضب أميركا على الهجوم السوري - الروسي على الغوطة يعود الى احتلال القوات الأميركية لجيب التنف على الحدود السورية - العراقية الذي أرادتْ منه القيادةُ العسكرية الأميركية إيجادَ منطقةِ انطلاقٍ لعملياتها العسكرية نحو دير الزور شمالاً والغوطة شرقاً. وكان الهدف احتلال مدينة دير الزور والقائم، إلا أن إيران عزلت القوات الأميركية وأحدثتْ قفزة نوعية لتحرير دير الزور والقائم قبل وصول أميركا إليها.وفي الغوطة أيضاً، فشل المخطَّطُ الأميركي للهجوم على دمشق من خلال الغوطة او لمنْع قيام الانتخابات السنة المقبلة وإبقاء وتيرة القصف والخطر دائميْن على العاصمة السورية «غير الآمنة». وهنا خرجتْ أميركا كلها ومعها العالم لوقف معارك الغوطة من دون جدوى. وهذا ما دفع واشنطن لممارسة هوايتها المفضّلة بفرْض عقوبات على روسيا في لعبةِ ليّ الأذرع بعدما فشلت بوقف الجيش السوري الذي يقاتل من دون حلفائه - عدا روسيا - في الغوطة، وفقاً لتأكيد المصادر، إلا ان موسكو ردّت بالبدء بقصف درعا ومناطق نفوذ «القاعدة» هناك ومعها حلفاؤها، وهو مسرح العمليات العسكرية المتوقَّع قريباً.لكن الردّ الأميركي جاء سريعاً: فقد استغلّت بريطانيا قضيةَ تسميم الجاسوس الروسي المزدوج سيرغي سكريبال في لندن لاتهام موسكو بالوقوف وراء محاولة الاغتيال. والرسالة هنا واضحة: كل الوسائل مشروعة من أجل لعبة السيطرة على الشرق الأوسط وبالتحديد سورية. وتبعتْها إسرائيل مطالِبةً الأمم المتحدة بعودة قوات «اوندوف» الذين انسحبوا في أول سنوات الحرب بعدما خطفتهم «القاعدة» هناك ودُفعت الفدية من إحدى الدول لاستعادة الجنود المخطوفين. أما الطلب الاسرائيلي فهو يحصل في ظل معلومات لـ «الراي» عن تجميع قوات لحلفاء سورية - ومنها «حزب الله» اللبناني - في درعا تمهيداً للعمليات العسكرية المقبلة. وتَعتبر أميركا أن معركة درعا موجهة ضدّها مباشرة، خصوصاً أنها شاركتْ باتفاق خفض التصعيد هناك خدمةً لاسرائيل وأمْنها في الجنوب السوري.ليس أبداً ضرباً من الخيال ربْط قضية الجاسوس الروسي وقضية التصريحات الروسية المهدّدة باستخدام القوة في سورية ومعاركها، فالمعركة السورية بعيدة كل البعد عن كونها حرباً عادية. فهي حرب الدول العظمى وحلفائها لأن الجنود الأميركيين والروس يشاركون بالمباشر على الأرض في حرب السيطرة والسلطة. وعدم الربح أقوى من الخسارة، وانتصار روسيا وحلفائها على الأرض السورية في أي معركةٍ هو ضربة مباشرة الى قلب واشنطن وحلفائها.وتلعب الدول العظمى على حافة الهاوية بحيث لم يعد خطر السقوط في حرب كبرى مباشرة ضرباً من الخيال ولا جزءاً من الحسابات غير الواقعية. فهل تكون دمشق باب الحرب الكبرى التي تدمّر كل شيء؟

مشاركة :