المرجعيات الدينية تتحاجج ثم تتآكل في نظام ولاية الفقيه

  • 3/16/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

طهران – يمارس النظام الإيراني هوايته في استقطاب خصومه، وساهمت سياساته في توسيع نطاق المعارضة المناوئة له وانتقالها من الحيز السياسي إلى الإطار الأيديولوجي بشكل يضع مشروعيته أمام تحد حقيقي، ويضفي أجواء قاتمة على مستقبله، في ظل الإشكاليات الصعبة التي سوف يواجهها في مرحلة لاحقة. بعد الاشتباكات التي اندلعت بين قوات الشرطة وأتباع طريقة “غونابادي” الصوفية عقب اعتقال أحد كوادرها البارزين في 20 فبراير الماضي، على نحو أدى إلى سقوط قتلى ومصابين من الجانبين، تسببت الإجراءات التي اتخذتها السلطات الإيرانية تجاه حسين شيرازي نجل المرجع الشيعي صادق شيرازي، في 5 مارس الجاري، في موجة احتجاجات رافضة امتدت إلى العراق والكويت وبريطانيا. ووصل الأمر إلى حد قيام بعض أنصار التيار الشيرازي بمحاولة اقتحام سفارة طهران في لندن وإنزال العلم الإيراني من عليها واستبداله بعلم التيار.   المرجعية الدينية المبنية على خرافة ولاية الفقيه في النظام السياسي الإيراني فشلت على مستويين: تقديم الإجابات الفقهية المقنعة للنخب السياسية، واجتراح الحلول العملية للمشكلات الاجتماعية المتفاقمة، بل وعالجت كل المستحقات منذ أربعة عقود بالمزيد من القمع وتضييق الحريات، مما زاد من اتساع الهوة بين الشعب والنظام، الأمر الذي يعطي الدليل على أن أي مرجعية دينية في الحكم تتفسخ بصورة آلية من تلقاء ذاتها، ذلك أن المحاججات الدينية في الحكم لا تنتهي إلا بانهيار السقف على رؤوس أصحابها وانتصار إرادة الفئات الشعبية التي سبق أن سرقتها الثورة الخمينية منذ أربعة عقود وتكمن المفارقة في أن السلطات أضفت عبر إجراءاتها وجاهة خاصة على الاتهامات الموجهة لها، واعتقلت شيرازي بعد أن اتهم النظام بالاستبداد وتبني سياسة قمعية في التعامل مع خصومه، بشكل دفع أنصاره وعددا من المتعاطفين معه إلى تأكيد أنها لم تدخر جهدا في تأكيد تلك الاتهامات. دلالات ورسائل تطرح الإجراءات التي يتبناها النظام ثلاث دلالات: الدلالة الأولى، أن النظام فشل في تقوية وتحصين الأساس الأيديولوجي الذي يقوم عليه من البداية، رغم مرور ما يقرب من أربعة عقود على ثورة 1979. وحتى الآن لم تحظ نظرية ولاية الفقيه، وهي العمود الفقري الذي يقوم عليه النظام، بإجماع فقهي شيعي، بعد أن تباينت مواقف كبار رجال الدين بين مؤيد ومعارض لها. ويعود ذلك، في قسم منه، إلى اختلاف رؤى المدارس الفقهية الشيعية تجاهها، بين مؤيد لها باعتبارها تمهد الأرضية لظهور الإمام على غرار ما كان يدعو إليه الخميني وسار على نهجه قادة النظام الحالي، ومعارض لها باعتبارها آلية لتكريس سيطرة رجال الدين على الحكم فقط. واتسمت العلاقة بين مركز الحكم في طهران ومركز الحوزة في قم بحساسية خاصة على مدى العقود الأربعة الماضية، لوجود تيار مناهض لولاية الفقيه داخل الحوزة يدعو إلى الانتظار وعدم إقامة الدولة حتى عودة الإمام. وظهر داخل النخبة الدينية والسياسية المؤيدة لولاية الفقيه، خلاف لا يمكن تجاهله حول سلطاتها، بين فريق يدعو إلى إطلاقها باعتبار أن الولى الفقيه (أو المرشد الأعلى) ينوب عن الإمام لحين عودته ويمتلك كافة سلطاته، واتجاه يرى ضرورة فرض قيود عليها حتى لا يتحول إلى حاكم مستبد. لكن الغلبة مالت في النهاية لصالح الفريق الأول الذي سرعان ما سيطر على كافة مؤسسات الدولة وأقصى كل القوى السياسية التي تحالفت معه في السابق وبدأ في قمع الكوادر والعناصر الموالية لها. الدلالة الثانية، أن الإجراءات التي يتخذها النظام تجاه تلك القوى تلقي بالمزيد من الأضواء على توجهاتها وقد تؤدي أيضا إلى تعزيز قدرتها على استقطاب أنصار جدد لها. وبدا ذلك واضحا في الدعم الذي حظي به الأستاذ بجامعة طهران القريب من التيار الإصلاحي صادق زيباكلام، عقب الحكم الذي أصدرته محكمة الثورة في 13 مارس الجاري بطهران بسجنه 18 شهرا ومنعه من ممارسة حقوقه السياسية وكتابة مقالات لمدة عامين. واستندت المحكمة، التي تعمدت استخدام الحد الأقصى من العقوبة، في حكمها إلى الانتقادات القوية التي وجهها زيباكلام، لتعامل السلطات مع الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في نهاية ديسمبر 2017، وترجيحه رفض الشعب لنظام ولاية الفقيه في حالة إجراء استفتاء على ذلك. نظرية ولاية الفقيه لم تحظ إلى الآن، بإجماع فقهي شيعي، بعد أن تباينت مواقف كبار رجال الدين بين مؤيد ومعارض لها ويزيد الحكم من حدة الجدل داخل إيران ويصعد من الضغوط التي يتعرض لها الرئيس حسن روحاني من جانب أنصاره لعجزه عن مواجهة الإجراءات المتشددة التي تتخذها المؤسسات النافذة في النظام، مثل القضاء، الذي أصبح متهما بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لا سيما في ما يتعلق بالتعامل مع المعارضين للنظام أو المنتقدين لسياساته الداخلية والخارجية. لسنا قردة اللافت في هذا السياق، أن الحكم بسجن زيباكلام أعاد إلى الواجهة حوادث مماثلة ساهمت في تعميق الهوة بين نظام ولاية الفقيه ومناوئيه، بعد أن بدأوا في الترويج إلى أن هذا النظام سبب كل الأزمات التي تواجهها إيران. وفي نوفمبر 2002، أحدث الحكم الذي أصدرته محكمة همدان، بجلد وإعدام الكاتب والأكاديمي هاشم أغاجري، ضجة داخل إيران لم تهدأ إلا بعد تدخل المرشد ومطالبته بإعادة النظر في الحكم. واستند القضاء في تبرير الحكم إلى ما جاء على لسان أغاجري، القريب من الجناح الليبرالي للتيار الإصلاحي، في إحدى محاضراته، حيث وجه انتقادات قوية لولاية الفقيه وأطلق شعار “نحن لسنا قِرَدَة” في إشارة إلى رفض أتباع توجيهات الولي الفقيه. وبدا في هذه اللحظة أن الدعم البارز الذي حظي به أغاجري، تجاوز مجرد رفض الحكم الموجه له وامتد إلى تبني أفكاره المناهضة لتكريس سلطة الولي الفقيه باعتباره وسيطا بين الشيعي وربه، وهو ما لم يتم الاتفاق عليه حتى داخل المدارس الفقهية الشيعية. الأزمة تكمن في التشكيك في مشروعية النظام، سواء السياسية أو الدينية، بعد أن أدت سياساته إلى استفحال المشكلات وتجدد الجدل مرة أخرى في عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد، بعد أن اتهمته قوى قريبة من مؤسسة المرشد باتباع توجهات ما يسمى بـ”مدرسة الحجتية” (انجمن حجتيه)، التي كانت قريبة من مدرسة الانتظار الرافضة لتأسيس دولة دينية قبل ظهور الإمام، وأبدت تحفظات تجاه الولاية المطلقة للفقيه، بشكل دفع الخميني نفسه إلى إصدار قرار بحلها في عام 1983. ودخل الخلاف بين أحمدي نجاد وفريقه السياسي من جانب وتلك القوى من جانب آخر مرحلة جديدة، بعد أن تعمد الأول الترويج لما يسمى بـ“العودة القريبة للإمام”.وتبدي الأوساط القريبة من المرشد الأعلى تحفظات عديدة إزاء تلك الفكرة، باعتبار أنها تقلص من أهمية موقع الولي الفقيه، لأن عودة الإمام، وفقا لذلك، تنتفي معها الحاجة لوجود وسيط بين الشيعي وربه. الدلالة الثالثة: (وهي الأهم) الجدل المتجدد داخل إيران حول ولاية الفقيه، خاصة مع الإجراءات القمعية التي تتخذها السلطات ضد المعارضة، يشير إلى أن ثمة أزمة حقيقية سوف تواجه النظام في المستقبل القريب. هذه الأزمة تكمن في تصاعد التشكيك في مشروعيته، سواء السياسية أو الدينية، بعد أن أدت سياساته إلى استفحال المشكلات الداخلية على المستويات المختلفة، لدرجة تحولت معها إيران الغنية بالموارد الطبيعية إلى دولة تعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم والإدمان والانتحار وغيرها.

مشاركة :