قال لـ"الاقتصادية" مختصون نفطيون إن تقديم السعودية خصومات على أسعار بيع نفطها لزبائنها في آسيا تارة وأمريكا تارة أخرى استراتيجية انتهجتها السعودية في مرحلة الثمانينيات في وقت كانت دول منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك تعتمد على السعر المعلن للبرميل لتحديد سقف إنتاج كل دولة عضو في المنظمة. وأشاروا إلى أن وجود منتجين آخرين من خارج مظلة "أوبك" يعزز أهمية البحث عن زبائن جدد وتقديم خصومات على أسعار بيع نفطها لهم، ولغيرهم من الزبائن الحاليين، حتى لا تفقد وتترك حصتها السوقية لمنتجين آخرين من خارج "أوبك" أو من داخلها. تأتي هذه التخفيضات في وقت تراجع فيه خام برنت أمس لأقل مستوى في أربع سنوات دون 82 دولارا للبرميل، مواصلا خسائره للجلسة الخامسة بعد بيانات اقتصادية ضعيفة من الصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم ما أجج المخاوف بشأن الطلب مع تزايد تخمة المعروض. ووفقا لـ "رويترز" أظهر مسح نموا ضعيفا لقطاع الخدمات الصيني في تشرين الأول (أكتوبر) بفعل انحسار المشاريع الجديدة وذلك بعد أيام من بيانات كشفت عن نمو صناعي ضعيف في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وقال هانز فان كليف كبير اقتصاديي الطاقة لدى "إيه.بي.إن أمرو" في أمستردام "المعروض مرتفع وتوقعات الطلب تتعرض للخفض في كل يوم تقريبا. وكانت "أرامكو" قد أعلنت أخيرا خفض سعر بيع خامها العربي الخفيف للمشترين الآسيويين في تشرين الثاني (نوفمبر) بمقدار دولار واحد، مقارنة بسعر تشرين الأول (أكتوبر)، ليكون أقل بواقع 1.05 دولار للبرميل عن متوسط خامي عمان ودبي. كما خفضت السعودية أكبر مصدر للخام في العالم أمس الأول، أسعار البيع الرسمية لشحنات كانون الأول (ديسمبر) إلى أمريكا، لكنها رفعت أسعار البيع إلى أوروبا وآسيا. وهبطت أسعار النفط ما يصل إلى دولارين أواخر التعاملات، واستمر التراجع يوم الثلاثاء الأمر الذي فجر عمليات بيع للحد من الخسائر. وقال لـ"الاقتصادية" الدكتور راشد أبانمي؛ رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية، إن السوق النفطية العالمية دخلت مرحلة تنافس سعري (حرب أسعار) لكسب زبائن جدد والسيطرة على حصص مقدرة في السوق، ولعل السعودية التي تعتبر من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط لا ترغب في فقد أحد زبائنها أو حصتها السوقية، لذا عند تقديم تخفيضات على أسعار بيع نفطها على زبائنها سواء آسيا وأمريكا تدرك أنها تدخل في منافسة مع المنتجين الآخرين في "أوبك" حتى لا تفقد حصتها السوقية بسبب انخفاض الأسعار. وألمح إلى أن السعودية وغيرها من دول الخليج، لا تحبذ خفض سقف إنتاج "أوبك"، ولن تقرره خلال الاجتماع المقبل حتى لا تفقد السعودية على وجه الخصوص زبائنها وحصصها السوقية، وفسح المجال لدول أخرى تحاول كسب مزيد من الزبائن والحصص. واستطرد، "من خلال استشراف وقراءة لوضع السوق الحالية، اعتقد أن "أوبك" ستتخذ أي إجراء أو قرار بخفض الإنتاج أو زيادته فوق سقف 30 مليون برميل على الرغم من تهاوي الأسعار، مضيفاً "من الصعب أن تتوافق "أوبك" على خفض سقف إنتاجها، ولن يكون هناك اتفاق على ذلك رغم أن استراتيجية "أوبك"، تقوم على خفض إنتاجها حتى يتوازن العرض مع الطلب، ولكنها لن تلجأ لذلك في اجتماعها المقبل". وتابع: أن السعودية ودول الخليج خلال فترة الثمانينيات كانت تحدد إنتاجها سواء بزيادته أو بخفضه بناء على السعر المعلن، إلا أنه فيما بعد، بدأت السعودية على وجه الخصوص تحدد إنتاجها بناء على حصصها التسويقية لزبائنها، فأصبح التركيز أكثر على الوصول لزبائن جدد والحصول على حصص سوقية أكبر، وفي ضوء ذلك تحدد السعودية إنتاجها من النفط حتى وإن تطلب ذلك تخفيض الأسعار". واستمر رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية، قائلاً: أما ما يحدث الآن في السوق، يعتبر عكس ما كان يحدث في الثمانينيات، حيث كان يتم الاعتماد على سعر البرميل، وهذه الاستراتيجية أدخلت "أوبك" في إشكاليات متعددة. ولفت أبانمي، إلى أن السعودية تنظر لاستراتيجية كسب زبائن جدد والحصص السوقية، وعلى ضوء ذلك يتم تحديد سقف الإنتاج من حيث زيادته أو خفضه بعيدا عن استراتيجية الأسعار، بينما "أوبك" تقرر الاستقرار في الأسعار لذا تضع سقفا لإنتاج الدول الأعضاء، وهذا السقف بناء عليه يتم تحديد الإنتاج بحيث يكون العرض والطلب متساويين بأسعار عادلة. وأشار إلى أن "أوبك" لا تزال تستخدم الإنتاج لاستقرار الأسعار في الأسواق العالمية، لكن السعودية تسير بعيدا عن هذا الاتجاه في الوقت الحالي، فهي تجتهد في تقديم خصومات وأسعار تنافسية لبيع نفطها، فمرة تخفضه على زبائنها في آسيا ومرة أخرى في أمريكا. وأضاف، لا شك أن المشكلات التي تحدث الآن في ليبيا ونيجيريا والعراق وغيرها من منابع الإنتاج ستؤثر في إنتاج بعض الدول الأعضاء، وبالتالي يقل المعروض في السوق، لذا فإن دولا أخرى من بينها السعودية قادرة على سد هذا النقص، لكن ليس أكثر من 30 مليون برميل. وقال إن زيادة الإنتاج لسد النقص بسبب خروج جزء من إنتاج ليبيا بعد أن كان في حدود 1.8 مليون، وأصبح الآن ما بين 500 و800 ألف، حيث أحدث نقصا في السوق في حدود 1.2 مليون، لذا فإن الدولة التي تستطيع استقطاب زبائن جدد هي القادرة على سد هذا النقص وهذا ما تفعله السعودية الآن، موضحا أنها عندما تخفض وتجري خصومات على أسعار بيع نفطها لدول معنية خاصة الصين، فإنها تكسب زبائن جددا حتى تمكنت من أن تحل محل عمان في تصدير النفط للصين. وبين الدكتور أبانمي، أن تمرير النفط الإيراني للصين من خلال وسطاء كدول أو شركات عالمية وتصديره بطرق ملتوية على أنه ليس نفطا إيرانيا، أصبح أمرا غير مرغوب لدى الصين التي تحاول أن تكون بمنأى عن عقوبات اقتصادية قد تطولها، في حال قبلت ذلك النفط المحظور، موضحاً "لذا بدأت الصين تعتمد على السعودية في توفير إمداداتها من النفط، أما الوسيط الذي كان يمرر نفط إيران اقتنع تماما بأن الأخيرة لن تستطع الالتزام بسداد قيمة هذا النفط بسبب الحظر المفروض عليها، ناهيك عن انخفاض السعر حاليا، لذلك فإن هذا الوسيط سيخسر حصته في السوق ولعل الدولة التي ستفيد من وراء ذلك هي السعودية، التي تضع خصومات لكسب زبائن جدد بهدف زيادة حصتها في السوق". وبشأن القلاقل السياسية وتأثيرها في سوق النفط، أفاد أن القلاقل السياسية عادة ما ترفع أسعار النفط، لكنها قد ترفعها إذا كان العرض يغطي فقط حجم الطلب، إلا أن ضعف النمو الاقتصادي في دول العالم واستمرار الإنتاج على ما هو عليه جعل هناك معروضا متوافرا في السوق بالتالي انخفضت الأسعار. وتابع أبانمي القول: "عندما نقول إن هناك زيادة نفطية في السوق بمقدار مليون برميل، فإنه عادة يتم التفكير في خفض إنتاج "أوبك" إلى 29 مليونا، لكن هذه المرة لن يكون هناك خفض لإنتاج "أوبك" بل تنافس بين الدول الأعضاء لكسب زبائن جدد والسيطرة على حصص جديدة في السوق. من جانبه أبلغ "الاقتصادية" سداد الحسيني؛ مختص اقتصاديات النفط والغاز ورئيس تنفيذي سابق في "أرامكو"، أن السعودية تبيع حصتها من النفط بناء على الأسعار في الأسواق العالمية، مشيرا إلى أن هذه الأسعار منخفضة حاليا، وبالتالي فإن السعودية تبيع هذه الحصة تماشيا مع أسعار السوق العالمية، لذا لا يمكن أن تبيع حصتها بأسعار أعلى من الموجودة في السوق.
مشاركة :