اعتاد الناس أن يقولوا (الصب تفضحه عيونه)، فالعين من طبعها أن تكشف الستار عن سريرة صاحبها فتبدي للملأ ما يخفيه عنهم، ولكن هل للألفاظ أيضا مثل تلك القدرة بحيث تنبئ عن دخيلة المتحدث حتى وإن لم يتعمد ذلك؟ هل للألفاظ دلالات باطنة غير تلك التي تظهر لنا على السطح؟ تعمد معظم وسائل الإعلام، إلى استخدام بعض التعبيرات التي قد تبدو صادمة لبعضنا كقول (هربت امرأة من بيت زوجها) أو (هربت فتاة من بيت أهلها)!! وذلك عند الإشارة إلى اختفاء النساء دون إشعار أحد بمكانهن. أما حين يحدث مثل ذلك الاختفاء من الرجل، فإنه لا يقال (هرب فلان) وإنما يقال (تغيب)!! فتعبير (الهرب) خاص بالنساء، أما الرجال فيكتفى بتعبير (التغيب)!! لم يوصف اختفاء الرجل بالتغيب واختفاء المرأة بالهرب؟ هذا الاختلاف اللفظي في وصف فعل متماثل يصدر عن الرجل والمرأة على السواء، هل له دلالة باطنة غير التي نراها في الظاهر؟ مثلا هل يمكن القول إنه يدل على أن المجتمع في أعماقه لا يرى في وجود المرأة داخل بيت الأسرة سوى أنها (أسيرة)، ومن ثم هو لا يرى معنى لاختفائها سوى الهرب، فالأسير وحده هو الذي يظل يتحين الفرص ليبادر إلى الهرب؟! أم أن المجتمع يشعر في أعماقه أن وضع المرأة داخل الأسرة غير سار، وأنها تعيش حياة غير مرضية، لذلك متى سنحت لها فرصة الهرب من الأسرة بادرت إليها؟ إنه أمر محير ذلك الذي يكشف عنه استخدام لفظ (الهرب) لوصف اختفاء المرأة. ويرتبط بتعبير (الهرب)، صفة المكان الذي (تهرب) منه المرأة، فهو غالبا (بيت زوجها)، أو (بيت أهلها)، فالمرأة لا بيت ينسب لها!! وبرغم أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كانت البيوت تنسب إليهن فيقال بيت عائشة وبيت حفصة، ورغم أن الله سبحانه يخاطب الأزواج في القرآن الكريم بنسبة البيوت للزوجات وليس لهم، {لا تخرجوهن من بيوتهن}، إلا أن الإعلام يصر على ألا ينسب البيت إلى المرأة فتظل (مضافة) إلى بيت منسوب لغيرها!! فعل (الهرب) يأتي متسقا مع مفهوم إضافة المرأة إلى بيت غيرها، فالإنسان عادة لا يهرب من بيته.
مشاركة :