إسماعيل عبدالحافظ .. مؤسس المدرسة الواقعية الدرامية

  • 11/8/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

جسد المخرج التلفزيوني المصري الشهير إسماعيل عبدالحافظ تراث مصر الأصيل بدراما مبدعة، في إدراك منه أن «الدراما» ليست ترفيها، بل مشروع تنويري وتثقيفي، فابتعد بأعماله الدرامية عن المشاهد الفاضحة والألفاظ الخادشة، لتحمل فكرا مستنيرا ورسالة هادفة، ولذلك فإن تلك الأعمال ما زالت مثار اهتمام وإعجاب الأسرة العربية. ويعد عبدالحافظ (توفي في 13 سبتمبر 2012م) واحدا من كبار رواد الدراما المصرية، وأحد مبدعي الرعيل الأول، وأبرز مخرجي الجيل الثاني، ومؤسس المدرسة الواقعية في الدراما. وعرف عن عبدالحافظ أنه رجل شديد الوطنية؛ فلم يقدم مسلسلا إلا ويناقش قضية وطنية، وبحكم أنه ابن «طين مصر»، فإنه خاض بأعماله التلفزيونية هموم المصريين وقضايا الفلاحين، فعرض بإتقان واقع الحارة الشعبية المصرية ورجالها «الجدعان»، المتميزة بالشهامة والحب والوطنية، وعبر عن الشخصية المصرية الحقيقية الأصيلة والفلاح المصري بكرم أخلاقه وإنسانيته، وقدم صورة لعلاقة الأسرة المصرية «الشعبية» و«الأرستقراطية»، ودرس هموم البسطاء والفقراء من الناس في الشارع المصري، فعاش صوتا للحارة المصرية بكل طوائفها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، حيث كانت أعماله الدرامية بمثابة تاريخ للمجتمع المصري أغنت عن الكتب في تشكيل وجدان وتراث وثقافة المواطن المصري. ومع ما يمتلكه عبدالحافظ من شهرة عربية كبيرة، إلا أنه كان يملك مقومات الشخصية الطيبة المتواضعة، التي تحمل شهامة الفلاح المصري البسيط، فكان بلباسه الفلاحي، وشعره الأبيض، يتمتع بالسماحة، والإنسانية، والكرم، والكلمة الصادقة، والقرب من البسطاء في الشارع. ارتبط المشوار الإخراجي لعبدالحافظ منذ الستينات بصديقه ورفيق دربه الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة (توفي 2010 م)، حيث ربطتهما صداقة وطيدة منذ مرحلة المراهقة، درسا سويا وتخرجا سويا، وقبل أن يكون عكاشة وعبدالحافظ ثنائيا دراميا مبدعا، شكلا حالة خاصة للدراما المصرية التي تؤرخ لتاريخ مصر والمصريين، فهما يتشابهان في ظروف الحياة المختلفة، حيث عانيا من نفس المرض وماتا في ظروف واحدة، وكأنهما توأمان انفصلا بوفاة أحدهما قبل الآخر. وانطلقت أعمال عكاشة وعبدالحافظ (مؤلف ومخرج) كضلعين في صناعة الدراما المصرية والعربية يصعب منافستهما، وشكلا توأما دراميا قل أن يتكرر، فأنتجا أعمالا كبيرة ناجحة ومتميزة للدراما العربية، أكدا فيها أن نجاح الدراما تبدأ بالكاتب والمخرج أولا وليس بـ«النجم». وعاش عبدالحافظ حلما آخر في مسلسله «أكتوبر الآخر» الذي دعا فيه إلى الثورة، فتحقق له الحلم بمعايشته الثورة قبل وفاته، وكانت له أحلام لأعمال درامية كبيرة، حقق البعض منها ولم يحقق الآخر، وحالت وفاته دون تحقيق حمله الأكبر؛ وهو إخراج مسلسل «همس الجذور» للكاتب يسري الجندي، الذي يتحدث عن المشكلات الأساسية للفلاح المصري البسيط. وكأن مرض ووفاة عبدالحافظ كان عملا دراميا، حيث خرج من إرهاق شديد بعد جهد متواصل لتصوير مسلسله الأخير «ابن ليل»، ليدخل عقبها المستشفى مرتين، ثم يسافر للعلاج في فرنسا، ولم يمكث إلا يومين حتى يغادر الحياة ويعود إلى بلاده محمولا على الأكتاف. ولعل وصيته بدفنه في مسقط رأسه «الخادمية» دليل أصالة ذلك الرجل الكبير في نظر الناس، البسيط عند نفسه، في رغبة للعودة إلى الأصل الفلاحي، وهكذا عاش إسماعيل عبدالحافظ بسيطا ومات بسيطا، فقد رحل الجسد وبقي العمل. في الأسابيع الأخيرة من حياته، لزم المخرج المبدع إسماعيل عبدالحافظ «السرير الأبيض» في أحد مستشفيات القاهرة بعد إصابته بأزمة صحية حادة إثر إصابته بـ«التهاب رئوي»، ما اضطر أطباءه وأسرته إلى قرار سفره إلى فرنسا للعلاج هناك، ولم يمكث يومين حتى وافته المنية (الخميس: 13 سبتمبر 2012) عن 71 عاما، موصيا بدفنه في قريته «الخادمية» في كفر الشيخ، وطلب من أبنائه دفنه والرجوع لأعماله سريعا، والدعوة له على الدوام بالرحمة، وألا ينسوه بعد مماته.

مشاركة :