حين استلم الملك فيصل الحكم، منتصف الستينات الميلادية، كانت الأمواج تتقاذف السفينة بلا هوادةٍ، ولكي ترسو على بر الأمان كان لا بد أن يتخذ قراراتٍ حاسمةً وسريعة، في مقدمتها تغيير (وليس تطوير) الفكر الإداري الذي لم يعد مناسباً للمرحلة؛ فألغى مجلس الشورى، المكون بانتخاب الثلثين وتعيين الثلث، وأحل محله فوراً مجلس الوزراء، في خطوةٍ قلنا عنها مراراتٍ كثيرة: إنها سبقت ثورة التكنوقراط بقيادة مهاتير محمد في ماليزيا بـ(15) عاماً! حيث كان الوزير الفيصلي (الكفؤ) يستلم الأمانة وبيده كافة الصلاحيات: من اختيار طاقم العمل، إلى تحديد الميزانية وبنود صرفها! ما عجَّل بانتقال الدولة الشابة (معظم وزرائها كان في الثلاثينات من عمره) إلى العصر الحديث، بكل لغاته السياسية والاقتصادية والتعليمية والخدمية! ولكن بينما ظل الماليزيون يراجعون أنفسهم في كل مرحلة، تحولت التكنوقراطية عندنا إلى بيروقراطية لا تخجل من طلب (إثبات حياة)، منمواااطٍ تجشَّم الشيخوخة والمرض والعجز؛ ليستلم (بنفسه) المبلغ الزهيد الذي تمنُّ به وزارة الشؤون الاجتماعية عليه، وهو أقل من حقه على أغنى دولةٍ نفطية في العالم!! وأوشكنا على اليأس، والتسليم بأن كل مسؤولٍ جديد إنما يمتطي الكرسي تشريفا لا تكليفاً، و(يقلِّب خبيزته) كيفما تسمح به البيروقراطية الكسولة، إلى أن يعفى بناءً على طلبه!! حتى استحدثت الهيئة العامة للسياحة والآثار مطلع الألفية الجديدة، وعين سلطان بن سلمان رئيساً لها فتوجه ـ كما يحكي بنفسه ـ إلى عمِّه الأمير/ سلطان، ولي العهد آنذاك، الذي رشحه للمنصب وقال له: ما هي صلاحياتي يا سيدي؟ فأنا لا أفهم في السياحة غير السفر والوناسة؟ فقال له: نحن اخترناك لأنك رائد الفضاء الشاب الشجاع، ولأنك العسكري (المقدَّم طيار) الذي تربى على الانضباط، أما الصلاحيات فأنت أبوها وسمِّها! وها هي (14) عاماً تشهد له بإبداع إداري نادر، يذكرك بفكر أرامكو، ووزراء الحكومة الفيصلية! إبداع تشهد (4) سنوات بأن مسؤولي وزارة الإسكان لا يتمتعون بالحد الأدنى منه! لأنهم كما يبدو من تنقيط الوزارة، ولقافتها على صلاحيات جهات أخرى كالإحصاء والكرهب: غارقون في البيروقراطية العقيمة (الدُّبِّيَّة) الكريهة و...مفيش فايدة يا صفية!! نقلا عن مكة
مشاركة :