قبل أن ينتقل الدكتور عبدالعزيز خوجة من موقعه سفيراً للسعودية في لبنان، إلى منصب وزير الإعلام والثقافة، ربما كان الاهتمام ضعيفاً من مجتمع المثقفين والإعلاميين، سوى بعض الأخبار التي يتم تداولها من هنا أو هناك، وربما لن تستمع باهتمام عن دوره ديبلوماسياً في هندسة العلاقات بين السعودية ولبنان أيام «حرب تموز 2006»، وكيف لعب دوراً محورياً، وأيضاً دوره في مساعدة المواطنين السعوديين الذين تعرضوا حينها للخطر. هذه القصص إما روايات عن ألسن الناس الذين مروا بهذه التجربة، أو كانوا حضوراً وشهوداً على بعض الوقائع. وحينما تسمع بصفتك مراقباً أو متابعاً، تشعر بارتياح، فـ«رضا الناس غاية لا تدرك» في الخدمات التي يحصلون عليها، ولاسيما السفارات السعودية في الخارج، فهي جدار عالٍ للمواطنين الذين يلجأون إليها، وحينما تسمع مديحاً من الناس لسفير فهذا يعني بالفعل أنه بالفعل له دور إيجابي تجاه خدمة الناس. وحينما عُين الدكتور عبدالعزيز خوجة وزيرا للثقافة والإعلام لم يهتم أحد لخبر تعيينه من الإعلاميين والمثقفين، بعضهم فسَّره أنه مهتم بالشعر وكتابة القصائد، فهذا الموقع محطة استراحة له، ومثل كل وزراء الإعلام الذين مروا في السابق، سيغلق مكتبه أمام كل الناس. ويبقى معتزلاً إلى أن يستقيل، أو يعفى من منصبه، وأحياناً قد تراه في المناسبات والأعياد وهو يلقي كلمة، هكذا طبعاً تصورت حينما سمعت خبر تعيين الدكتور خوجه وزيراً للإعلام. إلا أنه فاجأ الصحافيين والإعلاميين، حينما استهل منصبه بحوار مباشر على قناة lbc اللبنانية في حوار مباشر مع الصديق والزميل الصحافي أحمد عدنان، ووجّه رسائل إيجابية من خلال الجوار للمجتمع الإعلامي والثقافي، وأذكر بعد هذا اللقاء استضافنا الوزير في منزله في جدة وضمت المجموعة التي التقته في منزلة، أحمد عدنان، عمر جستنية، عبدالله الطياري، محمد الساعد، عبدالله ثابت، عمر المضواحي، عبدالعزيز قاسم، جمال بنون، ورانية سلامة وحنين موصلي. هذا اللقاء كان عربون الصداقة التي أعلنها الوزير، وخلقت حميمة بينه وبين الأسرة الإعلامية، بصرف النظر إن كان بعضهم ينتقده أو لا يتفق معه. الشيء اللافت الذي كان مفاجئاً للمجتمع الإعلامي السعودي، هي طلته على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً موقع «فيسبوك»، وبالفعل أنشأ صفحة له، وبدأ في إضافة الأصدقاء بمختلف توجهاتهم واهتماماتهم، وأذكر تحديداً كان كلما كتب قصيدة جديدة أو نشر مقالة أو حتى حواراً صحافياً كان يشارك أصدقاءه بعمل «tag» وفي معظم الأحيان كان يرد على التعليقات، بالطبع هذا التوجه والانفتاح لم يعهده المجتمع الإعلامي في السابق، فقد اعتادوا أن يخاطبهم السكرتير أو مدير المكتب، وعادة تحتاج إلى واسطة لمقابلة الوزير، مثل الكثير من وزرائنا، إذ يحيطه جيش من الحرس الخاص، إنما عبدالعزيز خوجة كسر قاعدة الوزراء، وبدأ في التواصل معهم من خلال صفحته، وأذكر في حادثة سيول جدة، كانت وكالة الأنباء السعودية (واس) نشرت خبراً لأحد محرريها، كتب أن أهالي جدة خرجوا في الجو الممطر واستمتعوا بالمطر، ولم يشر التحقيق إلى الأضرار التي لحقت بالأهالي والخسائر البشرية، وقتها أرسلت للوزير على الخاص أطلعه على الخبر، وأعاتب «واس» على نشرها مثل هذه الأخبار، لم تمضِ ساعات حتى أرسل لي على الخاص يشير إلى أنه طلب رفع الخبر الذي وُزع عن الأمطار في جدة، واعتذر عن هذا الخطأ. تجاوب الوزير مع متطلبات الإعلاميين من خلال مواقع التواصل الإعلامي، وهي خطوة استطاع من خلالها كسب صداقات عدة ومحبة الناس، أذكر أن العاملين في التلفزيون السعودي مرت أشهر لم يستملوا مكافآتهم، وتواصلوا على صفحته يشكون همومهم، وبالفعل بعد أيام قليلة عاد وكتب في صفحته أنه مهتم بقضيتهم، وقد طلب إعداد البيانات المالية لهم، وأذكر أيضاً أن أحد الزملاء أجرى حواراً صحافياً في بداية أشهره الأولى، فأرسل له الأسئلة على الخاص، وبالفعل تلقى الإجابة ونشرت في الصحيفة. التعامل الراقي والحضاري واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، كانت هي نقلة بدأها وزير الإعلام الأسبق الدكتور عبدالعزيز خوجة، وتبعه وزراء ومسؤولون سابقون، في الوقت الذي كانوا يعتقدون بأن هذه المواقع للترفيه فقط، بينما أثبتت النظريات أنها وسيلة إعلامية لا تقل أهمية عن بقية الوسائل الإعلامية. بالطبع بقيت علاقة خوجة بالأسرة الإعلامية محطة مهمة في تاريخ الإعلام السعودي، إلى جانب هذه الصداقات، فهو أيضاً كان شفافاً في تعامله وإصدار القرارات، لعل من أهم المكتسبات في عهده، تأسيس ست قنوات فضائية جديدة دخلت باقة التلفزيون السعودي، من أهمها قناتا السنة والقرآن الكريم، فحققت هاتين القناتين مشاهدة عالية ولا تزال، من جميع أنحاء العالم، لكونها تنقل في بث مباشر على مدار الساعة من المسجد النبوي الشريف والحرم المكي، وأسس قنوات «أجيال»، و«الاقتصادية» و«الثقافية» و«الرياضية»، ومهما اختلفنا في أداء هذه القنوات، إلا أن خوض التجربة في حد ذاتها تحدٍّ كبير. في الشأن الثقافي، حادثة معرض الرياض وما رافقها في بداية نشاطها من أحداث أوشكت على أن تغلق، إلا أن الوزير بحنكته وديبلوماسيته استطاع أن يعيد لمعرض الكتاب بريقه ووهجه. ولعل من أهم المواقف التي أعجبتني أنه لم يرفض طلب أحد الزملاء حينما ضمه في قروب لـ«واتسآب» في مجموعة إعلاميين، وهي سابقة قلما تحدث أن ينضم وزير في قروب! أذكر أنه طلب منا مقابلته أنا وزملائي مؤسسي نادي جدة للإعلام، وأعلن انضمامه للنادي حينما يغادر مقر الوزارة لما تحمله من أهداف سامية؛ لتطوير الكفاءات المهنية بالتدريب وتوعية العاملين في الإعلام، وقتها اتصل بأحد المسؤولين، ونحن في مكتبه وطلب منه إجراءات التسجيل، إلا أن ملف النادي ضاع في ردهات الوزارة وضاع الملف. واليوم حينما يغادر الوزير عبدالعزيز خوجة موقعه يكون قد ترك بصمة في العمل الإعلامي السعودي مسؤولاً خلوقاً ونبيلاً وطيب المعشر، فضلاً عن تعامله الرفيع مع زملائه وأصدقائه ومعارفه، استخدم ديبلوماسيته وتخصصه في الكيمياء في بناء خلطة ترضي كل الأطراف، ويلتف حوله كل المؤيدين والمعارضين معه. نتمنى للوزير خوجة استراحة هادئة بعد سنوات قليلة في الساحة الإعلامية والثقافية، إلى أن يمتطي صهوة موقع جديد. * كاتب وصحافي اقتصادي. jbanoon@
مشاركة :