منذ زمن، لم أسمع عن حراك سياسي يضفي على حياتي بصيصا من أمل مثلما فعل خبر اعتراف السويد بدولة فلسطين، خبر مثل هذا كان طبيعيا أن يكون مؤثرا علي كمسلمة عربية استوعبت القضية الفلسطينية منذ نعومة أظافرها، عندما كنا نشاهد اللافتات في كل ركن وزاوية، عندما كنا نحلم بتحرير فلسطين، عندما كان من الطبيعي الحديث عن القضية الفلسطينية واحتلال الصهيوني لها.. عندما كنا نتبرع بمصروفنا اليومي للقضية الفلسطينية. ولكننا اليوم بالكاد نتحدث عن القضية الفلسطينية، بالكاد يدور حوارنا عنها، فقد شغلنا عنها بخلافاتنا المذهبية والفكرية، فلم يعد مستغربا أن نسمع عن خلاف داخل الدائرة الكبرى أو الصغرى من هؤلاء أو هؤلاء.. وبين الفصيل الواحد، وحول مواضيع جوهرية ومواضيع أبعد ما تكون عن ذلك، لقد أصبحنا نشاهد بذور هذا الصراع وهو يتفاقم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. ومن خلالها أصبحت البذاءة شعارا لأناس يدعون أنهم أحرار! لقد أصبح تسفيه الأشخاص والدول والشخصيات الطبيعية والاعتبارية أمرا يدل على فصاحة المتحدث، لم نعد نتعايش بالاحترام، أصبحت المواصفات الأخلاقية من الندرة بمكان.. إلى حد أننا إذا وجدناها نتوقف عندها بالكثير من الإشادة والتقدير.. لقد أصبحت تلك التصرفات في حكم: "كان يا ما كان في قديم الزمان". الخوف أن ينشأ أبناؤنا ويعتاد شبابنا على تلك الطريقة من التعامل، فلا يستغربونه منا أو من غيرنا، بل يعمدون للتعامل به، ومن هنا يتوجب علينا، كل حسب عمله، الاقتراب من هذه الفئة العمرية بالكثير من الاهتمام لعلنا نستطيع تحصينهم من ذلك الواقع المخزي.. هذا إذا رغبنا بعدم خسارة شبابنا وتطلعنا لكسبهم وأدائهم لواجباتهم تجاه دينهم وتجاه وطنهم وأنفسهم، هذا إذا كنا مدركين لأهميتهم ولمكانتهم في دولة معظم سكانها من الشباب. من المهم إدراك أن أغلب شبابنا مدرك لنقاط القوة والضعف الخاصة بجيلنا.. كما هو مدرك للكثير من خصائصنا السلبية قبل الإيجابية، متمنين ألا يقع فيما وقعنا به من خلل، وأن يتفوق علينا في عطائه على الصعيد الديني والشخصي والوطني. بوصفي معلمة، أفرح عندما ينطلق لسان طالباتي فيتحدثن عن آرائهن.. عندما ينجحن في اختيار الوقت المناسب لذلك.. وعندما يصححن معلومة غير صحيحة طرحتها أمامهن.. وعندما يصغن كلماتهن بحيث لا أملك أمامها إلا الإنصات، وإبداء الإعجاب. إلا أن الوصول لتلك المرحة يتطلب الكثير من الجهد.. ولن تغنينا الخبرة الطويلة في التدريس ولا مهارات التواصل الاجتماعي ولا غيرها من العوامل.. إذ لا بد من الاستعداد لمثل هذه المجالس بالكثير من الحرص.. بل ولا بد من مساندة الأسر والمجتمع للوصول لتلك المرحلة من النضج في التفكير والتعامل. ولا أخفيكم سرا أني لا أشعر بالحرج عند طرحهن لاستفسار معين لا أجد له جوابا.. أو وجدت أن الامتناع أولى من الإجابة عليه، لظروف قد تكون محيطة بالعملية التعليمية كضيق الوقت أو عدم مناسبة الحديث عنه بسبب الأوضاع التي نمر بها كوطن وكمجتمع وكأمة. ولكني لا أتورع عن توضيح السبب الكامن خلف موقفي هذا.. لأني أعلم أنهن يدركن الحقيقة، فلا أستطيع أن أقول إن الوقت لا يسمح بالتطرق إلى هذه القضية في حين أن طرحها قد يثير البلبلة في القاعة.. ولذا أجد أن توضيح سبب امتناعي هو الطريق الأمثل لكسب احترامهن وثقتهن.. كما لا أتورع عن القول إن المعلومة التي طرحتها فلانة من الطالبات جديدة بالنسبة لي.. بل أفرح إذا طلبت إحداهن أمرا لا يتوافق وسياسة الجامعة والقسم، لا لأنها طلبت.. بل لأنها لم تخش من طرح فكرها، مع اعتقادها أن الاحتمال الأكبر هو ألا أوافق عليه.. فمن أين انبثقت هذه الثقة التي جئن بها وانطلقن من خلالها؟! حفظهن الله ـ سبحانه ـ وبارك فيهن. حدث خلال الأيام الماضية موقف رائع لطالبة ليست من طالباتي.. أعتقد أنه من المناسب ذكره؛ فقد توجهت لمبنى كلية الحاسب لمتابعة طالباتي ـ حفظهن الله ـ وهن يطبقن "مشروع قيمي" بشكل ميداني.. جلست في إحدى زوايا المبنى، أتابع تحركاتهن وحماسهن في إيصال فكرة المشروع للطالبات والموظفات المارات بالقرب من الموقع.. وهناك شاهدت طالبة تمسك كوبا من القهوة العربية وتتحدث مع زميلاتها.. وبعد دقائق وجدتها تعمد على تنظيف "الدرابزين" الذي تقف بجانبه وتعيد تنظيفه ثم تعمد إلى تلميعه.. تفعل ذلك وهي تتحدث مع زميلاتها، ثم بدأت بتنظيف الجدار الواقع أسفل منه وفي أثناء ذلك كانت تظهر اهتماما بالغا بما تقوله زميلة لها.. عندها طلبت من إحدى طالباتي القريبات من نفسي إحضارها لي، لعلي أعرف سبب تصرفها ذاك.. فتبسمت الطالبة ابتسامة خجولة، موضحة أنها أسقطت شيئا من القهوة العربية.. فأرادت تنظيف المكان.. فاستفسرت عن اسمها وعن اسم المعلمة المكلفة بتدريسها مواد الدراسات الإسلامية، ثم توجهت للمعلمة الأستاذة أروى بنت عادل أبا حسين، ورويت لها ما شاهدت من طالبتها، واقترحت إعطاءها درجة "قيمي" كاملة ودرجات إضافية، وعن إمكانية الحديث عن سبب هذا التكريم داخل القاعة الدراسية.. فموقفها يوضح عمق انتمائها للمكان وحرصها على الملكية العامة. أحمد الله سبحانه أن ردة فعل الأستاذة أروى "كان مشجعا ومحفزا فقد بادرت بالإشادة بالطالبة ووعدت بتكريمها بما أثلج صدري، فشكرا للمحاضرة الملهمة وللطالبة المميزة سارة بنت عبدالحميد المدني.. قسم العلوم الإدارية.. جامعة الدمام.
مشاركة :