ستكون في حيرة عندما تتعرض لهذا الموقف الاجتماعي، ستكون محتارا، بين أن تصمت -ويكون صمتك خاليا من اللباقة- وبين أن تجامل وتدخل في مجازفة الموقف.. يحدث ذلك عندما تصادف شخصية مصابة بـ «فوبيا الحسد» فيريك على سبيل المثال سيارته الجديدة وهو في حالة شعور من الفرح لأخذ رأيك فيها» فتمتدحها» وما أن يصيبها أي خدش أو أذى ستكون أنت المتهم بإصابتها «بعين حاسدة» لكن إن حاولت تدارك الأمر من البداية فحجبت لسانك عن المدح أو المجاملة ستتهم أيضا إما بقلة الذوق على أقل تقدير أو أنك مصاب بداء الغيرة.. إحدى الأسر رزقت بمولود ذكر بعد عدد من الإناث، والغريب في حالتها أنها أصبحت تعزو كل ما يصيب هذا الطفل لعوامل الحسد، بكاءه في الليل، ارتفاع درجة حرارته، ململته الطارئة! ورغم أنهم ليسوا حديثي تجربة في نمو الطفل وما يعترض هذه المرحلة من تقلبات نتيجة مراحل النمو، إلا أن «وهم العين الحاسدة» سيطر على منطقهم وأنساهم تاريخ تجاربهم السابقة، وجعل الشكوى المستمرة والمتكررة ديدنهم في وصف الحال، يصل الأمر معهم أحيانا أنك لو تسألهم عن حالهم وحال ابنهم في صيغة ترحابية عابرة لم يقولوا «الحمد لله» بل سردوا قصة تتعلق بفصل جديد اسمه بكاء البارحة لطفلنا المحسود.! إن فوبيا الحسد تتعدى كونها ظاهرة اجتماعية مقتصرة على فئة معينة، لقد أصبحنا الآن قادرين على القول انها أصبحت جزءا من أركان التفكير الجمعي «القدري» في المجتمع، والذي يكون معه تفسير الأقدار والأحداث اليومية وفق منطق العين الحاسدة والأنفس الشريرة.. نحن لا نستنكر أن يشيع هذا النوع من التفكير في المجتمعات الجاهلة والمنعزلة ثقافيا عن المجتمعات الأخرى، كونته ظروف وعوامل اجتماعية مشجعة لكثير من أنواع الخلل الاجتماعي، لكننا نستنكر هذا التفكير «والمنطق المعوج» بل ونعيبه ونشعر بالخزي منه عندما يحدث في مجتمعات متحضرة ومتعلمة، كون العلم والحضارة تخلق بيئة للارتقاء بالفكر والسلوك وليس العكس.. نحن نعلم أن العين حق، بل إن كثير من المجتمعات تؤمن بها لكن ليس من منطلقات عقيدية وتسميها وتفهمها بطريقة مختلفة عنا لكنها لا تختلف في فكرتها الأساسية عن الأصل. لكن في المجتمعات العربية عموما تأخذ (عقيدة العين) شكلا مزعجا يؤثر أحيانا على نسيج العلاقات الاجتماعية والقرابية، فبعض النساء تتوهم باستمرار بأنها مصابة بالعين وأنها وزوجها وابناءها معرضون باستمرار للأعين الحاسدة، وليس ثمة مشكلة هنا إلا عندما تزرع في رأس زوجها وأولادها فكرة أن مصدر العين أقاربها أو أقارب زوجها، وأبعاد الخطر هنا لا تقتصر على تدمير العلاقات الاجتماعية وبث الكراهية في النفوس بين الأقارب بل تتعدى إلى أنها أصبحت من خلال التربية على هذا المبدأ مصدرا لصناعة حاضنات فكرية مستقبلية لأجيال تفكر بهذا المنطق وتؤسس باستمرار لهذه العقيدة.. التناقض الكبير يظهر عندما يحاول أصحاب هذا الفكر إقناعك بأن العين حق ويسردون لك الدلائل الشرعية لإثبات حجتهم وفي نفس الوقت يتناسون أن هناك ما يسمى بالتحصن والتوكل والأمر أيسر بكثير من هذه الخزعبلات المتكلفة حول قضية الحسد والعين، والتي تصل ببعض الناس إلى ملاحقة وتتبع فناجين القهوة وعتبات الأبواب لأخذ أثرها والاستطباب به.!
مشاركة :