علي بن نمران - الطائف A A تحولت «الشائعات» إلى واحدة من أدوات الحروب النفسية الناعمة التي تسعى لتفكيك المجتمعات، من قبل جهات معادية، أو أفراد يرددون كالببغاوات كل ما يقال دون وعي أو تدقيق في صدقية أو منطقية المعلومة، فالشائعات هي جريمة «أمن قومي» تهدف إلى تدمير الاستقرار ونشر الفوضى؛ حيث يتم استغلال مواقع التواصل لنشرها؛ بهدف الفتنة والتفريق، فكم أشعلت من قلاقل داخل مجتمعات، وأوغرت من غلٍّ وحقد في الصدور، وكم خربت من بيوت، وحرص القرآن الكريم على تسمية مطلقي الشائعات بـ»المرجفون» الذين يثيرون الفتن، وأوجب الإسلام التثبت من الأخبار، وعدم ترديد الشائعة والخوض مع الخائضين؛ وذلك لأن ترديدها هو انتشار لها ومساهمة في ترويجها، كما نهى عن نقل الكلام من غير بينة ولا دليل. فلا يمر يوم دون أن يطلق المرجفون شائعة في موضوع ما، يخص المجتمع تارةً، وأشخاصًا آخرين تارةً أخرى، وأصبحت تنتشر بسرعة بين أفراد المجتمع بفضل وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة؛ مما يضطر بعض الجهات الحكومية أو الخاصة أو الأفراد إلى المسارعة بنفي تلك الشائعة وتفنيدها، فيما يطالب العديد من المهتمين بإنزال العقوبات الرادعة لمطلقي تلك الشائعات، مع توعية أفراد المجتمع بأهمية أخذ المعلومات من مصادرها الرسمية، وعدم الانجرار خلف الشائعات. «المدينة» ناقشت قضية الشائعات وأخطارها وكيفية تفاديها، وكذلك العقوبات النظامية لمروجي الشائعات، مع رصد لأبرز الشائعات في الآونة الأخيرة وتفنيدها. مستشارة أسرية: الشائعة رذيلة تفشت في المجتمعات وترى الدكتورة سحر رجب، مستشار اجتماعي وأسري ومدرب ومستشار دولي معتمد، أن الشائعة رذيلة تفشت في المجتمعات ولها أهداف خبيثة، وأن مروجي هذه الشائعات لم يكونوا يومًا من العقلاء، فالشائعة تسبب البلبلة والانزعاج، و»حديث الإفك»، الذي جاء به القرآن الكريم أكبر دليل على ذلك، حينما حصلت لأم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، حيث لم تسلم من أذاها. وتساءلت: لماذا يطلقون الشائعات ويروجونها رغم تدميرها للمجتمعات؟ وأجابت: ليست هناك مبررات منطقية، والمجتمع غني عن هذه الترهات من أصحاب النفوس الضعيفة. وأوضحت أن الشائعة تطلق من ضعيفي النفوس، الحاقدين على الناجحين والناجحات؛ كونهم لم يصلوا لنجاحاتهم يومًا ما. وأكدت أن نشر الشائعات ينافي الأخلاق النبيلة والمُثُل العليا التي جاء بها الإسلام؛ حيث حذر الدين الحنيف من الغيبة والوقيعة في الأعراض، والكذب والبهتان والنميمة، بين الناس.. كما أمر بحفظ اللسان، وأبان خطورة الكلمة، وحرّم القذف والإفك، وتوعّد محبّي رواج الشائعات بالعذاب الأليم، وأوجب الإسلام أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، والشائعات مبنية على سوء الظن بالمسلمين، والله عز وجل يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ»، وحث الإسلام على التثبت والتبيّن في نقل الأخبار، وأن يطلب المسلم الدليل البرهاني على أي شائعة يسمعها، قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»، كما أخبر سبحانه وتعالى أن الإنسان مسؤول أمام الله عز وجل، ومحاسب عن كل صغير وجليل: «ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ». وقالت: «فليكن كل شخص واثقًا من سلوكياته ونفسه، ويتدبر أمره دون الدخول في الشائعات.. انتبهوا فأعداء الأمة وأعداء المسلمين يحيكون الشائعات؛ من أجل بلبلة وزعزعة الوطن وثباته بعقيدته.. كلما تناقلنا الشائعات سمحنا لهم بهزيمتنا». خبراء اجتماع: ظاهرة خطيرة تستهدف استقرار المجمع وأمنه وترى الأخصائية الاجتماعية عالية الشمراني أن الشائعة ظاهرة اجتماعية قديمة، تتمثل في انتشار خبر زائف بشكل سريع، ويتناول بين أفراد المجتمع، وتكون هذه الشائعة من مصدر غير موثق، وقد تكون لها آثار سلبية خطيرة، وإن كان لها بعض الجوانب الإيجابية أحيانًا. وأشارت إلى أن هناك أهدافًا من الشائعة الكاذبة تتمثل في نشر نوع من الشغب والبلبلة في المجتمع، فهناك عوامل تساعد على نشر الشائعة منها سرعة نشرها في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ونقلها، دون التأكد من الموضوع الذي يتم نشره أو الرجوع إلى مصدر موثق؛ وقد يكون ذلك بسبب الجهل، أو نتيجة تصديق الفكرة أو الموضوع في مجمله. فبعض الشائعات تثير الذعر والتوتر والقلق في نفوس الناس؛ خاصة في حالة الفراغ الثقافي والفكري لديهم، وتنتشر الشائعات وينشط مروجوها أثناء ما نسميه بـ»أوقات توقع الخطر»، لأن الناس يتوقعون حدوث الشر خلال هذه الأوقات، وهذا هو سبب انتشار الشائعة لأن الناس، في هذا التوقيت، حينما يسمعون أية معلومة يتناقلونها فيما بينهم دون التحقق من صحتها خوفا على أبنائهم وممتلكاتهم. ولذلك فهناك نوع من الشائعات له خطورة كبيرة في التأثير السلبي على المجتمع، وخاصة في حالة تعلق الشائعة بأمور مصيرية سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. أما الأخصائية الاجتماعية أريج الجهني، فترى أن الشائعة هي أي خبر يطلقه شخص، أو عدد من الأشخاص؛ بغرض نشره بصورة واسعة وسريعة، رغم عدم صدق المعلومات التي يتضمنها، والغرض منها، ما لفت الانتباه أو شغل المجتمع عن أمور أكثر فائدة أو لمجرد التسلية دون إدراك حقيقي لأخطارها. وأضافت: «في السابق كان أي فرد يرغب بنشر أي خبر أو موضوع أو التسويق لشيء معين يقوم باستئجار شخص أو أكثر يكون خبيرًا بنقل هذا النوع من الأخبار، وذلك بنشره في القبائل والمناطق الأخرى، أما في مجتمعنا الحاضر ومع تطور العالم أصبحنا ننقل الشائعات بطرق أكثر سهولة وسلاسة، خاصة مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي كل بيت». استشاري نفسي: محاولة لإثارة البلبلة والتأثير على المجتمع يعرف الدكتور أحمد محمد الناشري -استشاري بمركز الرعاية النفسية بالطائف- الشائعة بأنها تدخل في نطاق الكلام الذي ينقل ولا أصل له؛ ولكنها تثار لأغراض يصبو إليها مروجوها، ومعظم الشائعات التي تثار في هذه الآونة ليست ذات قيمة فمثلا الشائعات التي تثار على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” في جميع المجالات السياسية وتنال رموزا سياسية أو فكرية أو ترويج شائعة من شأنها أن تؤثر سلبا في المجتمع حتى وإن كان تأثير بعضها ضعيفا؛ إلا أن هناك نوعا من الشائعات له خطورة كبيرة في التأثير السلبي على المجتمع، وذلك في حالة تعلق الشائعة بأمور مصيرية سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. والشائعة هي رسالة سريعة الانتقال، الهدف منها إحداث بلبلة أو فوضى لتحقيق أهداف في غالبها تكون هدامة؛ لأنها تلعب على وتر احتياجات الناس في محاولة لإحداث التأثير الإيجابي لمروجيها خاصة في أوقات الأزمات. السجن 5 سنوات وغرامة 3 ملايين ريال لمروجي الشائعات أكدت النيابة العامة أن إنتاج الشائعات، التي من شأنها المساس بالنظام العام أو إعدادها أو إرسالها عن طريق الشبكة المعلوماتية جريمة يعاقب مرتكبها بالسجن، مدة لا تزيد على خمس سنوات، وغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وأقر نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، في مادته السادسة بمعاقبة كل شخص يقوم بإنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده أو إرساله أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي. تقرير بريطاني: غرف الدردشة منصات للشائعات تحولت مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها فيسبوك وتويتر، من مجرد ساحات للدردشة إلى منصات إخبارية تنشر الأخبار المغلوطة والشائعات، وذلك وفقاً لتقرير الأخبار الرقمية الصادر أواخر العام الماضي عن «معهد رويترز لدراسة الصحافة». وأوضح التقرير أن «واتساب» يعد أحد الوسائل التي تلجأ إليها المجموعات والأفراد في شكل متزايد لاكتشاف الأخبار ومناقشتها، مشيراً إلى أن 50% من الأشخاص المستطلعة آراؤهم في ماليزيا قالوا إنهم يستخدمون «واتساب» لأغراض إخبارية مرة واحدة على الأقل أسبوعياً، فيما تنخفض النسبة إلى 3% في الولايات المتحدة الأمريكية و5% في بريطانيا. ورغم استمرار صدارة «فيسبوك» كمنصة خبرية، إلا أن «واتساب» يسير بسرعة مقترباً من المراكز المتقدمة في لائحة المنصات الخبرية، وبحسب القائمة، يأتي «واتساب» في المركز الثالث و«يوتيوب» و«فيسبوك ماسنجر» و«إنستغرام» وغيرها. وفي بريطانيا خلص تقرير بحثي إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تتفوق على التلفزيون كمصدر رئيس للحصول على الأخبار بين فئة الشباب حتى لو كانت غير مدققة، حيث انتهى البحث إلى أن 28% من الشباب من 18 إلى 24 عاما يلجأون إلى وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي لمعرفة الأخبار مقارنة بـ 24 % يعتمدون على التلفزيون، و51 % من المستخدمين ممن لديهم إمكانية الدخول على الإنترنت يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار، فيما تحظى الأخبار المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشعبية كبيرة بين النساء والشباب، رغم عدم دقتها، واحتواء أكثرها على الشائعات والأخبار المرسلة، فيما تسجل مبيعات الصحف المطبوعة تراجعا، أما فيسبوك فيعد أكثر المصادر شيوعا بين المستخدمين بنسبة 44%. دراسة أمريكية: مواقع التواصل مصنع للمعلومات المغلوطة وكشفت دراسة حديثة للأكاديمية الوطنية للعلوم الأمريكية أن مواقع التواصل الاجتماعى مثل «فيسبوك» و«تويتر» هي مصنع لإنتاج المعلومات المغلوطة ونظريات المؤامرة والشائعات، والأشخاص يميلون للتواصل ومشاركة الأخبار مع من يتفقون معهم عبر صفحات بعينها، ثم يعيدون نشرها دون الشك في احتمال خطئها، ويعد المستخدمون أكثر عرضة لمواجهة وتقبل المعلومات المضللة ويتداولونها فيما بينهم بنفس طرق انتشار الشائعات، أكثر من أي معلومات أخرى لأنها تأتي من دوائر الثقة المحيطة بهم. وأظهرت دراسة جديدة لمركز بيو للأبحاث أن 45% من الأمريكيين يعتمدون على الفيس بوك كمصدر للأخبار، و26% من الأمريكيين البالغين يحصلون حالياً على الأخبار من موقعين أو أكثر من مواقع الإعلام الاجتماعي، بينما كانت النسبة 15% في عام 2013، و18% في عام 2016، ويمتلك موقع فيسبوك حصة الأسد من بين وسائل الإعلام الاجتماعي بوصفه مصدرًا للأخبار، أما غالبية المستخدمين الجدد لمواقع لينكد إن وإنستغرام وسناب شات وواتساب يلجأون على الأرجح إلى عدة مواقع من شبكات الإعلام الاجتماعي للحصول على الأخبار. وزارة الداخلية: نصف مليون حساب لبث الفتن وفي تصريح سابق قال المتحدث الرسمي بوزارة الداخلية اللواء منصور التركي إن ما يزيد عن نصف مليون حساب على موقع التواصل الاجتماعي تدار من الخارج تعمل على بث الفتن والإشاعات للنيل من أمن المملكة. لافتا إلى أن هذه الحسابات تدار من قبل أجانب أو أشخاص يعيشون خارج البلاد، ويعملون وفق استراتيجية معينة لتفكيك نسيج المجتمع والنيل من مقدراته. أبرز شائعات تم رصدها رصدت هيئة مُكافَحة الشائعات، وهو مشروع مستقل تم إنشاؤه عام 2012م؛ للتصدي للشائعات والفِتن، واحتوائها عددًا من الشائعات التي تم تفنيدها مؤخرًا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ◄ يحق لأي مقيم الحصول على الجنسية السعودية والإقامة الأبدية، وكان مصدر الشائعة مواقع من خارج المملكة تتلاعب بمشاعر المقيمين بنشر الأكاذيب. ◄ السماح باستيراد الخمور ومصدر الشائعة صحيفة الديار اللبنانية، وساعد بنشرها حسابات على شبكة تويتر من إحدى الدول الخليجية. ◄ تداول شائعة عن قرار بتسديد فواتير المتقاعدين ممن تقل دخولهم عن 5 آلاف ريال. ◄ فيديو متداول بعنوان «عمليات تركيب جسر السعودية ومصر»، وهو خبر كاذب ويعود لجسر الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمه الله. ◄ إعلانات مفبركة عن دورات للرقص الشرقي تقيمها الراقصة فيفي عبده في جدة والرياض. ◄ شائعة إعفاء المواطنين من المخالفات المرورية. ◄ إغلاق تطبيق الواتساب في حالة عدم توثيق الحساب، والخبر الحقيقي عن انتهاء دعم التطبيق لبعض الهواتف القديمة. ◄ استخدام كرة مرسوم عليها الشهادتان في مونديال روسيا وهي شائعة نفتها العديد من الاتحادات الرياضية. العرب وشائعات وسائل التواصل كشفت دراسة بعنوان معرفة اتجاهات الصحفيين الأردنيين نحو مصداقية الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، عن أن الفيسبوك جاء في الترتيب الأول في تفضيل استخدام الصحفيين له في متابعة الأخبار، مقارنة مع مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى بنسبة بلغت 8.49%، تلاه موقع تويتر بنسبة 6.20%، أما 65% من المشاركين كانت اتجاهاتهم متوسطة نحو مصداقية الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، وأوضحت الدراسة أن أهم أسباب استخدام الصحفيين لهذه المواقع تميّزها بالفورية والسرعة بنسبة 18.7%. وفي مصر أكدت دراسة بكلية إعلام جامعة القاهرة اعتماد الشباب الجامعي على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار، ومعظم الصفحات الإخبارية تهمل توضيح مصدرها في عنوان الخبر أو الصورة المصاحبة له، وتعتمد على اتباع القارئ للرابط الإلكتروني إلى موقعها الرسمي لقراءة تفاصيل الخبر كاملة، فيما يضغط 28.7% فقط من الشباب الجامعي على الرابط الإلكتروني لمزيد من التفاصيل. 7 متطلبات لعلاج الشائعات ١- نشر الوعي الثقافي حول خطر الشائعات. ٢- عدم تصديق ما ينقله الآخرون دون دليل أو برهان. ٣- توفر القدوة والنموذج الحي من عالم الخبرة والقيادة. ٤- التوقف عن نشر الخبر الكاذب وتحجيمه في مهده. ٥- نشر مفاهيم التثبت من الخبر والبحث عن البرهان. ٦- الصدق في التعامل والإخلاص في القول والعمل. ٧- امتلاك القدرة على التحليل الدقيق، والقراءة الصادقة.
مشاركة :