قيمة الإنسان في زمن الماديات

  • 11/11/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

في إحدى حلقات البرنامج الذي أقدمه، تناولنا قضية العنف الموجه ضد الأطفال؛ وقد ناقشنا خلال الحلقة قضية أن ما يمكن أن نستهين به من سلوكيات معينة في تعاملنا مع الأطفال، قد يتسبب في تراكمات نفسية سيئة لهم، أبسطها قد يتمثل في فقد الثقة بالنفس والتأتأة والخوف غير المبرر ومشاكل أخرى.. فقد يعمد أحد منا على سبيل المثال إلى المزاح مع الطفل من خلال السخرية منه، حتى يوصله لدرجة البكاء، أو أن يتم تعنيفه بالضرب غير المبرح، ظنا منه أنها إحدى قواعد التأديب والتربية المباحة.. وفي أثناء هذا الحوار في البرنامج، اتصل أحد المشاهدين وأثار تساؤلا وجيها، قال فيه نحن في سابق عهدنا كنا نتعرض للضرب من قبل آبائنا ومعلمينا، وكنا محاطين بظروف تربوية عنيفة، ومع ذلك نحن الآن أصحاء نفسيا ناجحين اجتماعيا، ولم نتأثر من ذلك، فما هو السبب؟ هل المختصون يضخمون الأمور أم أننا مختلفون عن جيل اليوم؟. بالنسبة لي، هذا سؤال جوهري وهو يثار دائما ولكن بطرق أخرى، ما الذي جعل الجيل الحالي يختلف عن القديم، لماذا كانت نسبة الطلاق والعنوسة وتمرد النساء وانحراف الرجال والتبذير وحب المظاهر ونزعة الاستهلاك وغيرها وغيرها أقل في السابق من الوضع الراهن؟ والإجابة بمختلف أبعادها يمكن اختزالها في سبب رئيسي واحد، وهو (المقارنة) و(التقليد)، ففي الإجابة على التساؤل الأول الذي أثاره المتصل على البرنامج، نستطيع أن نقول إن الأطفال الآن أصبحوا أكثر وعيا بحقوقهم؛ نتيجة لاطلاعهم على أقرانهم الآخرين ممن يحظون بمعاملة جيدة وهم يدركون أن أسلوب الضرب والحرمان والامتهان سلوك عدواني لا يليق بهم، مما يجعلهم اكثر انكسارا وضعفا من جيل سابق لا يعي حجم الظلم الذي يقع عليه، ولديه قناعة عرفية بأن الضرب والحرمان حق مشروع بل وواجب عند حدوث التقصير، كما أن الجيل السابق غير منفتح على ثقافات وأقران آخرين يحظون بمعاملة جيدة، فكان منغلقا بحكم الضعف الاتصالي بين الثقافات الأخرى والدوائر الاجتماعية البعيدة.. هذا أيضا ما يحصل للمرأة والرجل وجميع الأسر، الآن هم يغرقون في طوفان المقارنات بين حالهم والآخرين، لذلك يندر أن تجد الزوجة او الأبناء القانعين بحالهم، بل يندر أن تجد الفرد الذي وصل إلى قناعة سوية في مختلف جوانب حاله من مظهر ووظيفة وزوجة.. فالمقارنات لا تقتصر على الماديات، بل تشمل النواحي العاطفية والاجتماعية، والناس لديها استعداد عال للتقليد والدخول في سلسلة مقارنات لا تنتهي، والضحية قد يكون زوجا لا يملك قدرات مادية تواكب مقارنات زوجته، أو شابا متواضع الشكل والوظيفة لا يجد فتاة تقبل به، أو امرأة كبيرة تتصابى وتجري عمليات تجميل لتصبح جميلة بمقاييس الجمال الحديثة والمبتدعة أو لتبدو أصغر سنا وتقنع ذلك الرجل.. إذا ارتفعت قيمة الماديات والشكليات والمظهر في أي مجتمع؛ انخفضت قيمة الإنسان فيه.. حدثتني إحدى الصديقات عن تأزمها من موعد مناقشتها لرسالة الماجستير، فقد كانت تحمل هم بروتوكولات المناقشة من التحضير للحلويات والمشروبات وغيرها للحاضرات، خاصة أنها لا تعرف عددهم، كما أن ذهنها سيكون مشتتا بين الاهتمام بهذه التفاصيل وبين الاهتمام بما سيدور في المناقشة مع لجنة المناقشين العلمية، قلت لها لست ملزمة بهذا التحضير، قالت هكذا فعلت صديقاتي!! نحن لسنا ملزمين باتباع أي سنة اجتماعية متكلفة لا تدخل السرور على أنفسنا لمجرد أن الناس فعلوها.

مشاركة :