دار في ذهني سؤال مؤلم، على خلفية الوجود الإيراني في أكثر من ملف، تدور كل أحداثها وفعالياتها على الأرض العربية: لماذا الصراع العربي - الإيراني يسير دائماً في صالح الطرف الأخير؟ وهل يقوى العرب على المواجهة؟! حقيقة، فقد وجدت الإجابة أشد ألماً من السؤال ذاته؛ فلا يستطيع أي قارئ للأوضاع الإقليمية أن يقلل من قوة إيران وقدرتها، التي تستمدها من مصادر متعددة، منها: أولاً: وجود المشروع الأيديولوجي، الذي لا يختلف حوله الساسة، وإن اختلفت طرائقهم في الوصول إليه والتعبير عنه.. فالدولة متوجهة ناحية مشروعها، وتوظف له إمكانياتها كافة، ولا خلاف البتة يعوق هذا المشروع أو يقوضه أو ينقص من قيمته. ثانياً: قدرة القادة على اختلاف توجهاتهم، السياسيون منهم والدينيون، على قراءة الواقع الإقليمي والعالمي بصورة متميزة، وحسن التعاطي معه وتوظيفه لخدمة المشروع الأيديولوجي، مع حسن توقع استراتيجي يمكنها من اقتناص الفرص والإعداد الجيد لقادم الأيام. ثالثاً: الوفرة الاقتصادية من حيث مصادر الطاقة الممثلة في البترول أو الغاز الطبيعي، وهو ما يمكنها من تحقيق طموحاتها في الواقع العسكري والتقني، خاصة في المجال النووي، والتخلص من التبعية المستدامة للغرب. أما على الصعيد العربي إجمالاً، وعلى النقيض تماماً، فثمة مظاهر لا تخطئها العين، تجعل من الدول العربية منطقة مفتوحة ومستباحة للمشاريع الخارجية، وفي مقدمتها المشروع الإيراني، منها: أولاً: غياب المشروع الداخلي لكل دولة على حدة، الذي تلتف حوله القيادة ومواطنوها، ويملأ الفراغ الأيديولوجي الذي بفقده تتطلع الدول المنافسة إلى ملئه بأيديولوجيتها ومشروعها، وكذا غياب المشروع العربي الجمعي. ثانياً: غياب الطموح السياسي عند غالب العرب، والرغبة فقط في الاحتفاظ بالاستقرار الداخلي في بلدانهم، على حساب الاهتمام بالوضع الإقليمي ومواجهة الرغبات والطموحات الخارجية. ثالثاً: الفشل في إحداث نهضة تنموية على المستويات كافة، خاصة الاقتصادية والعسكرية، والدوران في الأفلاك الغربية، والتعويل عليها بالرغم مما أحدثه ذلك من عثرات وتخلف، خاصة في الجانب التقني والعلمي، بخلاف الجانب الإيراني الذي كسر هذا الطوق. رابعاً: الفشل في دمج الطوائف والعرقيات المذهبية في إطار الدولة الواحدة؛ وهو ما ساهم في استغلال الأطراف الخارجية هذه الطوائف كطابور خامس ومحور ارتكاز، يتسللون من خلاله للدول العربية محدثين الفتنة والقلاقل. خامساً: فشل المنظومة العربية في احتواء الخلافات داخل الإطار العربي، والدخول في تحالفات وصراعات وتكتلات مع الأنظمة والدول الإقليمية الأخرى، التي استغلت هذه الخلافات والتجاذبات لدعم مشروعها وتوجهاتها.
مشاركة :