سليمة لبال | يستعد فلاديمير بوتين إلى خوض غمار انتخابات رئاسية جديدة في الـ18 مارس الجاري للفوز بولاية رابعة، وسط تحديات كبيرة أبرزها نسبة المشاركة التي يمكن أن تؤثر في شرعية فترته الرئاسية المقبلة التي تمتد ستة أعوام أخرى. يعمل الخبراء الاستراتيجيون في الكرملين منذ فترة من أجل تمكين بوتين من تحقيق فوز شعبي كبير وذي مصداقية ويمنح الانتخابات صبغة ديموقراطية. تبدو المفاجأة الوحيدة في الانتخابات المقبلة، هي مشاركة الحزب الشيوعي بمرشح جديد بدل أمينه العام غينادي زيوغانوف والصحافية المعارضة كسينيا سوبتشاك. ولم تدعُ هذه الأخيرة الناخبين إلى التصويت لمصلحتها وانما «للتصويت ضد الجميع». وأما المعارض الرئيسي ألكسي نافالني فقد منع من الترشح للانتخابات. وكان هذا المعارض الذي يتميز بشعبية واسعة لدى الشباب قد دعا الى التظاهر ضد الاقتراع. لكن رغم معارضة الشباب، تمكن بوتين من تعزيز شعبيته بفضل الأزمة الأوكرانية، التي ينتظر أن تترجم في صناديق الاقتراع في الـ18 مارس. ويتزامن هذا التاريخ مع ذكرى الإعلان عن ضم شبه جزيرة القرم، ورغم أن الحدث يعود إلى ثلاثة اعوام خلت، فإن له دورا ضمن السياقين الاقتصادي والدبلوماسي اللذين تعيشهما روسيا. ووفق معهد لافادا فإن 35 في المئة فقط من الروس يعتقدون أن وضعهم الشخصي سيتحسن، وأما في المناطق فقد كُلِّف موظفو الدولة بحث المواطنين على التوجه الى مكاتب الاقتراع بدل البقاء في منازلهم يوم الاقتراع، وتحدثت يومية «أر بي كي» عن اللجوء الى وسائل النقل العام من أجل نقل الناخبين إلى مكاتب الاقتراع وتنظيم مسابقة سيلفي أثناء التصويت لخلق جو بذلك اليوم. ويقول استاذ العلوم الاجتماعية في المدرسة العليا للاقتصاد نيكولاي بيتروف إن مشكلة بوتين الرئيسية هي شرعيته، لذلك يسعى لأن يظهر رئيسًا بلا منازع. ويبدو هذا الشرط ضروريًا حتى تبقى نخبة البلاد ملتفة حوله، ذلك أنها لا تزال الضمان الوحيد لاستقرار البلاد. هل سيكسر بوتين عزلته الدبلوماسية؟! على الرغم من النجاحات العسكرية التي حققتها في سوريا وأوكرانيا، فإن روسيا في عهد فلاديمير بوتين لا تزال تحت طائلة العقوبات الغربية علاوة على حرمان وفدها الوطني من المشاركة في الألعاب الاولمبية الشتوية بسبب المنشطات. وكان من المفترض أن يصادق الكونغرس الاميركي نهاية يناير الماضي على جملة عقوبات اقتصادية حادة ضد روسيا لتدخلها في الحملة الانتخابية. وبالنسبة لموسكو فإن ثقل هذه العقوبات أكبر مقارنة بتلك التي فرضها الاتحاد الأوروبي، وفي الاخير وعكس طموحاته لم يتمكن الكرملين من تحويل تدخله العسكري الذي طال في سوريا الى نجاح دبلوماسي. كل هذا الجو السلبي يمثل فرصة وحجر عثرة بالنسبة لفلادمير بوتين، حيث سيسمح له بحشد الرأي العام الروسي ضد الغرب، لكنه في المقابل وفي غياب اي تعاون، لن يجد الوسائل الكفيلة بتطوير اقتصاد بلاده. وكان بوتين قد أكد في 10 يناير الماضي ان تحسين العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة لا يرتبط بالروس حيث اتهم واشنطن بتمويل النشاطات السياسية لمعارضه ألكسي نافالني، وفي هذا الشأن قال مدير المعهد الدولي للخبرة السياسية إيفقني ميتشنكو إن الحرب الباردة ما تنفك تشتد يومًا بعد يوم. هل سيزدهر الاقتصاد الروسي مجدداً؟ عانى الاقتصاد الروسي بشكل كبير بسبب العقوبات الغربية وتراجع أسعار النفط، بينما تواجه الحكومة مصاعب في التقليل من اعتماد الدولة على المحروقات في وقت توقف فيه المستثمرون الأجانب عن نقل التكنولوجيا التي تحتاجها روسيا. وبسبب تراجع مداخيل النفط، لم تتمكن موازنة الدولة من تمويل مشاريع تطوير طموحة. ويدفع الليبراليون الحكومة إلى إصلاح نظام التقاعد بشق الأنفس لكن الكرملين يتردد في اتخاذ الخطوة خوفًا من فقدان دعم الهيئة الناخبة المرتبطة بالحماية الاجتماعية، ويقول بوريس ماكاركين الذي يرأس مركز التكنولوجيات السياسية إن العمال في المؤسسات الخاصة وعمال المناجم والتعدين لا يزالون يحتفظون بعقلية سوفيتية جدًا، ويضيف «سيكون النموذج الاقتصادي الروسي في خضم اللعبة خلال الولاية الرابعة لبوتين، وفي سياق التوترات مع الغرب، يمكن أن يعزز الكرملين رقابة الدولة، ما يعطي الأولوية لصناعة السلاح مع مواصلة تمويل الشعب بفضل مداخيل النفط». وفي التاسع من يناير الماضي أعلن الرئيس المرشح عن زيادة مبكرة في الحد الادنى للأجور في الأول من مايو المقبل بدل الأول من يناير 2019، لترتفع من 139 يورو إلى 163 يورو في الشهر. ستة أعوام إضافية لماذا؟ يعد بوتين المرشح الأكثر حظًا في هذه الانتخابات الرئاسية، لكنه رغم ذلك لم يعلن عن مشروع سياسي للأعوام الستة المقبلة، فخلال تدشين مركزه الانتخابي الرئيسي في العاشر من يناير الماضي، تعهّد بوتين فقط بتطوير البلاد، وأعلن استعداده للقيام بكل ما هو ضروري لروسيا والروسيين ليس على المدى المتوسط فقط وإنما على المستوى التاريخي. وقد تميزت السنوات العشر التي تقلد فيها بوتين السلطة بالنفوذ السياسي لطبقة اوليغارشية، بينما تعززت قبضة الدولة على كل شيء، وكان المستشار فلاديسلاف سوركوف هو من هندس لكل هذه التطورات. في عام 2008 تميزت ولاية ديميتري مدفيديف بشعار العصرنة بينما كان شعار عام 2012 هو تعزيز السيادة، لكن منذ الازمة الاوكرانية والمظاهرات الكبرى التي شهدها الشارع في شتاء 2012-2011 يبدو أن كل شيء تغير. ويلخص رئيس الدوما الوضع في قوله «روسيا هي بوتين وبوتين هو روسيا» بينما كتب على اللافتات «دولة قوية، مرشح قوي». وأما المحلل السياسي بوريس ماكاركين فيقول إن بوتين لا يملك أي مخطط للمدى البعيد. ومثل العهد السوفيتي فإن هذه الانتخابات تشبه انتقالاً اداريًا بسيطًا وفق ما يقول الكسندر موروزوف الذي يرأس مركز الدراسات الإعلامية. ¶ لوفيغارو ¶
مشاركة :