الصراع على النفوذ بين ايران والسعودية، والذي يمتد لساحات كثيرة في المنطقة، هو "صراع أستراتيجي" كما يقول الدكتور عبد العزيز بن صقر مدير مركز الخليج للأبحاث في السعودية، ويرجع الى أن ايران تسعى الى التوسع والتمدد في المنطقة العربية، وتسعى الى التدخل في شؤون الدول العربية والتحكم في قرارات البعض منها، وهو ما لاتقبله السعودية، ومعها مجموعة من الدول العربية الأخرى. وبالتالي فان الصراع، كما يقول بن صقر، "ليس صراعا طائفيا بين الشيعة والسنة، بل هم محاولة للهيمنة والسيطرة من جانب طهران، التي تستخدم البعد الطائفي كأداة لهذه الهيمنة، ورفض ووقوف بوجه هذا التمدد من جانب الرياض التي لا تتدخل في شؤون ايران الداخلية"، كما يؤكد. وتتفق معه الدكتورة مي شدياق، الاعلامية اللبنانية ومديرة مؤسسة "معهد الاعلام" في بيروت، وتقول "أن قادة ايرانيين يفتخرون الآن بالسيطرة على عدة عواصم عربية، وهي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء، ويتحدثون عن الامبراطورية الفارسية التي تتمدد في المنطقة، ونحن كعرب لا يمكن أن تقبل هذا الوضع. لا يمكن مثلا أن نقبل أن يكون لبنان هو مجرد فرع للمقاومة الاسلامية التي تقودها طهران". ولكن على الجانب الآخر، يرى الدكتور حسن أحمديان، أستاذ دراسات الشرق الاوسط بجامعة طهران، الأوضاع في المنطقة بشكل مختلف، ويقول أنه "ليس من حق السعودية أن تقرر من يحكم سوريا، وتشارك في الحرب على سوريا لمجرد أن واشنطن أرادت أن تتخلص من النظام الحالي، وليس من حق السعودية أن تشن حربا على اليمن لأن اليمنيين أختاروا طريقا مخالفا لما تريده السعودية، ولايمكن أن يلام الشيعة المستضعفون في بلادهم اذا تحالفوا مع طهران". ويضيف أن ايران دعمت حركة حماس ولا يوجد شيعة بينهم، وسبق أن دعمت مسلمي البوسنة، ولا شيعة بينهم، الأمر الذي يدل على أن طهران لا تدعم الشيعة فقط.Image caption حوار من بيروت حول نفوذ طهران والرياض التحالف القديم بين طهران والرياض غير أن علاقة طهران والرياض لم تكن دائما بهذه الصورة، إذ سبق أن تحالف شاه ايران، محمد رضا بهلوي، مع السعودية في الستينات من القرن الماضي لمواجهة المد الثوري الذي كان يقوده وقتها جمال عبد الناصر. حينها شعر النظامان الملكيان في ايران والسعودية بالتهديد المشترك من جانب الحركات الأشتراكية. ويوضح الدكتور أحمديان أن شاه ايران وقتها كان حليفا لواشنطن، مثله مثل النظام السعودي، وبالتالي لم يكن هناك عداء بين البلدين، ولكن الصورة تغيرت بعد أن وقع الخلاف بين ايران عقب قيام الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخميني، وبين الولايات المتحدة. غير أن التنافس القائم في المنطقة العربية لا يقتصر على صراع النفوذ بين طهران والرياض، كما يقول الدكتور علي فضل الله، أستاذ الدراسات السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، بل أن هناك أطرافا خارجية تتنافس بدورها للسيطرة على المنطقة وثرواتها، مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وتركيا واسرائيل. والسبب باختصار، كما يرى فضل الله، هو سوء أدارة الأنظمة العربية لبلادها، الأمر الذي ترك مساحة واسعة للأطراف الخارجية للتدخل في شؤون الدول العربية. الأمر الذي لا شك فيه أن تكلفة الصراع بين طهران والرياض مرتفعة للغاية، هذا في الوقت الذي تحتاج فيه البلدين الى تمويل مشروعات التنمية الطموحة لكل منهما. الرياض تسعى لتنفيذ رؤية 2030 التي تهدف الى تخفيض الاعتماد على النفط، وطهران تسعى الى مشروعات جديدة توفر فرص العمل للشباب الذي يعاني من البطالة، خاصة وأن البلدين يتميزان بارتفاع نسبة الشباب بين السكان. الواضح ايضا أن هناك مشتركات كثيرة بين البلدين، وأن العلاقة الجيدة بينهما ستنعكس ايجابا على شعبيهما، وعلى العالم الاسلامي كله، وستؤدي الى الحد من الاستقطاب الطائفي بين الشيعة والسنة. ولكن لا يبدو ان صراع النفوذ بين البلدين يتجه الى التراجع في وقت قريب. بل ربما يتصاعد، خاصة وأن هناك أطرافا خارجية تحقق مكاسب هائلة من هذا الصراع. يمكنكم متابعة حوار أوسع حول هذا الموضوع من خلال حلقة جديدة من سلسلة "حوارات عالمية" تم تسجيلها في بيروت، وتبث على شاشة وأثير بي بي سي عربي الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش يوم الاثنين 19 مارس/آذار، وتعاد الثلاثاء 20 مارس/ىذار في الساعة والواحدة ثم الثامنة صباحا بذات التوقيت.
مشاركة :