مضيفة وزميلها خلال تقديمها للطعام القاهرة: عصام فضل* تتولى الشريكات، وهن بالأساس مجموعة من الصديقات، إعداد الطعام بأنفسهن بالاستعانة ببعض المساعدين والعمال، بهدف أن يكون الطعام منزلياً وصحياً. * مشاركة الزبائن بآرائهم واقتراحاتهم في تأسيس المطعم كانت العامل الأكبر في انتشاره ونجاحه. خلال عام واحد تحول مطعم صغير بوسط العاصمة المصرية إلى مقصد لكل جنسيات العالم، وملتقى ثقافي فني يستخدم أطباق الطعام والموسيقى والسينما في الترويج لقيمة قبول الآخر، ودعم التفاهم بين الشعوب من خلال تقديم أطباق الطعام من كل البلاد، لتتحول ليلة تقديم أطباق أي بلد إلى كرنفال ثقافي للتعريف بموسيقاه وفنونه وحضارته، ويصل مفهوم التنوع إلى مداه بتداخل الديكور ذي الطابع العربي البسيط مع أصوات دروس رقصات التانغو والصالصا التي يقدمها المطعم، بينما تطل رفوف الكتب بلغات مختلفة لتكمل سيمفونية الإنسانية المطلقة التي لا تعرف حدود اللغات أو الجنسيات. «مشروع مطعم» وتنتشر الظاهرة رويدا رويدا في مناطق عدة في مصر، وليس في القاهرة فقط. وبالنظر إلى أحدث نوع من هذه المطاعم، فقد جاء اختيار اسمه «مشروع مطعم» ليوحي بأن كل شيء تجريبي، فقد أدرك مؤسسوه، وهن مجموعة من الفتيات المصريات أعمارهن أقل من 30 عاما، أن فرص النجاح تتساوى مع فرص الإخفاق، لكنهن أدركن أيضا أن الأفكار الجديدة دائما ما تقترن بمخاطر أكبر، وتحولت الأفكار التجريبية إلى واقع قائم في أحد شوارع حي جاردن سيتي الراقي بوسط القاهرة، حيث يقع المطعم على مقربة من مقار الكثير من السفارات والبعثات الدبلوماسية الأجنبية، ومكاتب عدد من وكالات الأنباء الدولية والصحف الأجنبية والعربية، بجانب مقار للكثير من المؤسسات الحكومية المصرية، أبرزها مجلس الوزراء ومقر البرلمان، لكن التجريبية لم تكن في الاسم فقط، بل امتدت إلى كل التفاصيل، وكأن الوجود الواقعي للمطعم هو نوع من الوجود التجريبي، فمع الديكور ذي الطابع العربي البسيط، امتدت المناضد المتسعة كي يمكن للرواد الجلوس متجاورين من دون فواصل ليتمكنوا من التعارف والتفاهم والمشاركة في نقاشات جماعية لتحقيق هدف دعم التفاهم بين الشعوب. تتولى الشريكات وهن بالأساس مجموعة من الصديقات، إعداد الطعام بأنفسهن بالاستعانة ببعض المساعدين والعمال، بهدف أن يكون الطعام منزليا وصحيا، وتتغير قائمة الطعام الرئيسية يوميا، وهي قائمة أكلات مصرية، فلا يتم تقديم أي طبق أكثر من مرة واحدة أسبوعيا، وتكون جميع المشروبات طازجة كالعصائر الطبيعية والمشروبات المصنعة منزليا، إذ يمنع تقديم المشروبات التي تحتوي على مواد حافظة.كرنفال الطعام ويخصص المطعم ليلة أسبوعية لكل بلد، يتم فيها تقديم أشهر أطباقها، حيث تتحول موائد الطعام إلى كرنفال للتعريف عن هذا البلد وثقافته وموسيقاه وفنونه وعاداته، فتصدح أصوات أشهر الأعمال الموسيقية والغنائية الخاصة بالبلد، كما يعرض فيلم سينمائي من نفس البلد، ويرتدي العمال وطاقم الخدمة الزي الوطني لهذا البلد، ويمكن للرواد العزف على بعض الآلات الموسيقية الموجودة بالمطعم، كما يمكنهم اقتراح بعض الأطباق وأحيانا المشاركة في إعدادها، وبينما ينخرط الرواد من جنسيات مختلفة في وصلات غناء جماعية، يخوضون أيضا نقاشات عن البلد التي تقدم أطباقها، فيتحدث مواطنوها عن طبيعة وأشهر أكلاتهم، وموسيقاهم وفنونهم وثقافتهم وعاداتهم. تقول الشريكة الرئيسية وصاحبة فكرة «مشروع مطعم» كاترين رأفت (27 سنة) لـ«المجلة»: «الكثير من الزبائن الجدد اعتقدوا في البداية أنه يوجد لدينا طاهٍ من كل بلد، لكنهم فوجئوا أننا نقوم بإعداد هذه الأطباق بأنفسنا، فنحن صديقات قبل أن نكون شريكات، وجميعنا لديه خبرة كبيرة وشغف بإعداد الطعام، لذلك أقوم بالبحث على الإنترنت وفي الكتب عن أشهر الأكلات في كل البلاد ثم أبدأ في تجربتها كي نتأكد أنها جيدة قبل تقديمها للرواد، وكثيرا ما أسافر إلى بعض البلاد للتعرف على مطبخها، وأحضر بعض المواد الأساسية الخاصة بأكلاتهم، فمثلا قبل أن ندرج ليلة الطعام الهندي في قائمتنا سافرت إلى الهند وتعلمت الكثير وأحضرت معي مكونات كثيرة بجانب التوابل الهندية الشهيرة، وفي ليلة الطعام الهندي ارتدينا جميعا الساري الهندي، وعرضنا فيلما هنديا، بجانب الاستماع للموسيقى الهندية، وقد نظمنا الكثير من الليالي الثقافية وأطباق الطعام من بلاد كثيرة، منها اليابان وفيتنام والصين والمغرب ودول أفريقية وعربية، ونحن نستعين بالزبائن ليس فقط في تقييم جودة الطعام، لكن في اقتراح أطباق بلادهم، ويتفاعل كثيرون منهم إلى حد أنهم يحضرون لنا بعض المواد اللازمة لصناعة الأطباق، وبعضهم يشارك معنا في إعدادها».كاترين رأفت وصديقاتها يرتدين الساري في ليلة الطعام الهنديتأسيس المطعم وتضيف: «كل شيء في المطعم تجريبي كما يبدو من الاسم، فنحن نسعى بالأساس إلى استخدام الطعام في دعم التفاهم والتواصل بين الشعوب، ونستعين بالموسيقى والأفلام السينمائية باعتبارها واحدة من أهم الوسائل الناعمة للتواصل الثقافي بين الشعوب مهما اختلفت لغاتهم، وأصبح لدينا زبائن دائمون مصريون، وزبائن دائمون أيضا من جنسيات كثيرة، منهم مقيمون للعمل سواء في بعض البعثات الدبلوماسية أو وكالات الأنباء، وفي مهن أخرى كثيرة، وأيضا طلاب أجانب، والبعض كان موجودا في مصر لقضاء عطلة، وهؤلاء يستمرون في التواصل معنا بعد سفرهم إلى بلادهم، حتى إن بعضهم يرسل إلينا اقتراحات بأطباق جديدة ويبعث إلينا بمكوناتها». تأتي أرفف المكتبة التي تحوي مئات الكتب بلغات مختلفة، مع مكتبة موسيقية وفنية تضم مقطوعات موسيقية وأغاني وأفلاما سينمائية من بلاد مختلفة، لتلقي الضوء على أحد جوانب الأفكار التجريبية التي قام عليها تأسيس المطعم، وتصل التجريبية إلى مداها بقاعات الرقص، حيث دورات لتعليم أشهر الرقصات العالمية الشهيرة، منها التانغو والصالصا، ومع التفاعل المفتوح بين الثقافات المختلفة يقوم الزبائن بتعليم الرواد الآخرين رقصات بلادهم خلال ليلتهم الثقافية، كما يقوم المطعم بتنظيم دروس وورش لتعليم فن التطريز «الكروشيه»، ويسمح أيضا للزبائن بالعزف والغناء عقب موافقة الرواد الآخرين، وهو ما دفع الكثير من الموسيقيين وفرقهم إلى التحول لرواد دائمين. بدأت رأفت وصديقاتها تجربة «مشروع مطعم» قبل نحو عام، حققن خلاله انتشارا واسعا في منطقة وسط القاهرة، لكن رحلتهن مع الطعام والأطباق بدأت قبل ذلك بكثير، إذ قضين قبلها أكثر من عام في إعداد الوجبات منزلية الصنع وبيعها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وقمن وقتها باستئجار غرفة واحدة فوق أسطح إحدى البنايات بوسط العاصمة، وعندما شرعنا في تأسيس مطعمهن ظللنا عدة شهور يستطلعن رأي زبائنهن في كل التفاصيل المتعلقة به سواء الديكور أو نوعية الطعام، وكما أوضحت رأفت، كانت وصديقاتها قلقات من فكرة أن يقمن بإعداد أطباق من دول أخرى بأنفسهن دون الاستعانة بطباخ (شيف) محترف، لكن الزبائن دعمن فكرة أنهن سيتمكن من إعداد أي أطباق باحترافية لأنهن يتمتعن بالموهبة والشغف، وما زالت الشريكات الصغيرات مالكات المطعم، يشركن الزبائن في تفاصيل أي تطوير يتطلعن إلى إضافته، حيث يؤمن أن مشاركة الزبائن بآرائهم واقتراحاتهم في تأسيس المطعم كانت العامل الأكبر في انتشاره ونجاحه.وضوح الديكور العربي البسيط وتجاور المقاعد لدعم التواصل
مشاركة :