جمعة لحس الكوع! - فهد السلمان

  • 9/13/2013
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

(جمعة الغضب)، (جمعة الرحيل)، (جمعة الانتصار)، (جمعة واعتصموا)، تعددت الجُمع في روزنامات الثورات العربية والجمعة واحدة، كل يريد الجمعة لثورته، لأنها التجمع الوحيد الذي يمكن أن يحقق الاحتشاد، وهذا اعتراف ضمني من الثوار أنفسهم أن المشاريع التي في رؤوسهم ما كانت قادرة على الحشد، فلكل فصيل غاية، لذلك تم توظيف الجمعة، ولامس خطاب الثورات في بداياته مرامي الجمعة الدينية للملمة الشامي على المغربي في ثورات بدت غايتها واحدة، وانتهت إلى جملة من الشظايا المتفرقة بعد أن نضجت الطبخة وأسالت لعاب الطباخين. استخدمت الثورات الجمعة بسمو معناها كخيط مسبحة لتجميع خرز المجتمعات العربية، وبعد أن انتظمت فيها حتى تلك الخرزات غير المتشابهة، وأنجزت مهمتها الأولى في إظهار متانة الخيط الاجتماعي الذي ينتظمها، قطعت الغايات الخيط فكرّت السبحة كل حبة في اتجاه، ألا يكشف توظيف الجمعة عن غياب الناظم الحقيقي، وأنها ما كانت إلا ناظما بديلا لغايات شتى تتراوح ما بين الحرية ولقمة العيش الكريم وصولا إلى الظفر بكرسي السلطة ؟ عبدالناصر لم يحتج إلى الجمعة ليوطد ثورته، "وبن بلا" كذلك، كان هنالك بين أيديهما ناظم غير مستعار قادر على إنجاز الحشد خلفهما. كانت الأهداف واضحة دون الحاجة إلى عنوان يلعب مهمة الدوبلير، وهذا لا يعني سوى شيء واحد وهو أن جُمع الثورات ما كانت سوى جُمع سياسية، هذا ما قالته النتائج. إخواننا السودانيون كانوا في تقديري الأكثر تعقلا في استخدام الجمعة، خاصة بعدما قرأوا ما انتهت إليه تلك الثورات، فقد نظموا جمعة واحدة ويتيمة أطلقوا عليها اسم (جمعة لحس الكوع)، وحين تبيّن لهم استحالة أن يلحسوا أكواعهم، تركوا البشير وسلفاكير يجتمعان كل أسبوع مرة في الخرطوم وأخرى في جوبا، ويوقعان الاتفاق تلو الاتفاق، وما أن ينفضا حتى يمزقا اتفاقهما ويحشدا جيوشهما على الحدود، بانتظار صبيحة اليوم التالي ليلتقي الزولان ويحضنا بعضهما البعض، وكأن شيئا لم يكن، ثم ليوقعا اتفاقا جديدا سيتم تمزيقه من جديد قبل أن يجف حبره. هل يبدو هذا الحديث كما لو أنه انتصار أو إنصاف لتلك الأنظمة التي أسقطتها الثورات ؟ هذا ما لا أريده، ولم أقصده، كل ما أردتُ قوله : أن ما أفصحت عنه أيام هذه الثورات التي لبست رداء الجمعة وتطيّبت لها بالآمال العراض، أنها كانت مجرد غطاء لعدد مهول من المشاريع المتباينة، منها ما كان يفتش حقا عن العدالة الاجتماعية، لكن أكثرها ما كان يريد غير مقعد في كراسي السلطة، بدليل أن المسيحيين العرب الذين انصهروا في تلك الثورات واستجابوا لنداء الجمعة، لم يخترعوا آحادهم، وإنما خرجوا فيها لأنهم يعلمون أنها كانت جمعة سياسية، وليس أكثر. ماذا ؟ هل كان على أولئك الثوار أن يجربوا لحس أكواعهم ليعرفوا ما إذا كانوا سيذهبون باتجاه الوطن مثلما ينبغي أم باتجاه تلك الغايات التي لن تلتقي إلا حينما يلتقي اللسان الكوع ؟!

مشاركة :