اختتم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حملة انتخابات الرئاسة المقررة الأحد، بدعوة الروس إلى التوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع و«المشاركة في تقرير مستقبل البلاد». وتشهد روسيا اليوم السبت «يوم صمت انتخابي» يحظر فيه بث الدعايات أو نشر توقعات عن استطلاعات الرأي في شكل يمكن أن يؤثر على مزاج الناخبين غدا. بذلك تكون قد اختتمت أمس، أكثر الحملات إثارة للجدل في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وبدء التاريخ الروسي المعاصر. فهي من جانب كانت باهتة وتميزت بعدم اهتمام من جانب الجمهور الروسي، وفقا لما عكسته التغطيات الإعلامية ومراقبة مراكز استطلاع الرأي. لكنها من جانب آخر حملت «معارك» كلامية بين «المنافسين» لبوتين الذين يبلغ عددهم سبعة مرشحين، يجمعهم انعدام فرصهم جميعا في تحقيق اختراقات تجعلهم منافسين جديين للرئيس الحالي. لكن اللافت أن المناظرات التلفزيونية التي أجروها حملت كما كبيرا من المهاترات والشتائم فيما بينهم، بينما لم يوجه أحد منهم انتقادات إلى بوتين «المنافس الرئيسي» الذي نأى بنفسه عن المناظرات مع المنافسين، مفضلا أن يقدم بشكل منفرد سلسلة استعراضات قوية، عززت كثيرا صورته كزعيم أوحد للبلاد. وأنهى بوتين حملته الرئاسية، بخطاب متلفز دعا فيه الروس إلى الإقبال بكثافة على الصناديق، والمشاركة الفاعلة في تحديد مسار التطور المستقبلي للبلاد. وأوضح أنه قرار كل ناخب في شأن المرشح الذي سيمنحه صوته هو «قرار شخصي نابع من اختيار حر» لكن حذر في الوقت ذاته من العزوف عن المشاركة ورأى أنه «في حال تهرب المرء من القيام بدوره، فإن الخيارات الرئيسية الحاسمة في البلاد ستكون قد اتخذت من دون مشاركته».وأشار الرئيس الروسي، إلى أن الدستور الروسي، ينص على أن «الشعب هو المصدر الوحيد للسلطة»، مشددا أن «في هذه الكلمات وفي هذه الصيغة القانونية معنى عظيما».وأكد أن «الطريق الذي ستسلكه روسيا ومستقبل أبنائها يعتمد على إرادة الشعب، وإرادة كل مواطن روسي... ونحن في روسيا نقرر دائما مصيرنا بأنفسنا، تصرفنا بالطريقة التي أملاها علينا ضميرنا، وفهمنا للحقيقة والعدالة وحبنا للوطن». مضيفا أن «هذا في شخصيتنا الوطنية، التي يعرفها العالم بأسره». وخلص إلى أنه يناشد «كل ناخب بالحضور إلى مراكز الاقتراع يوم الأحد... استفد من حقك في اختيار المستقبل لروسيا الحبيبة العظيمة».بهذه العبارات سجل بوتين «نهاية نظيفة» لحملته الانتخابية، التي ارتكزت على ثلاث محطات أساسية أولها كان «عرض القوة» أثناء إلقاء خطاب الأمة أمام الهيئة الاشتراعية، وقدم خلاله على الهواء مباشرة نماذج من أحدث الصواريخ الروسية التي قال بأنها تتفوق على كل أسلحة الغرب، وأن «روسيا غدت لا تقهر» تحت رئاسته. والثاني كانت رحلته إلى القرم قبل يومين، مذكرا الروس والعالم بأن ضم شبه الجزيرة في العام 2014 كان أبرز إنجازات روسيا خلال سنوات حكمه. والثالث مشاركته منفردا في فيلمين وثائقيين عرضا في ذروة التوقيت الانتخابي وحصدا ملايين المشاهدات وقدم خلالهما جوانب خفية من شخصيته وبرر اتخاذ قرارات مهمة خلال سنوات حكمه. في المقابل بدا بؤس منافسي بوتين في غياب عرض أي برامج واضحة كبديل عن سياساته، على الصعيدين الداخلي والخارجي. وباستثناء المرشحة كسينيا سوبتشاك التي تخوض السباق للمرة الأولى وهي مذيعة تلفزيونية لا خبرة سياسية لديها، ونشرت برنامجا متواضعا يقوم على إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، فإن المرشحين الآخرين تحدثوا بكلمات عامة عن خطط وبرامج مكررة من برامجهم المقدمة في استحقاقات انتخابية سابقة. كما ظهر ضعف المنافسين من خلال المهاترات الكثيرة التي شهدتها المناظرات التلفزيونية، التي كان بعضها «العنصر الساخن الوحيد» في هذه الحملة وفقا لوصف وسائل إعلام، وهي اشتملت على شتائم قاذعة وتراشق بالمياه ودموع وانسحابات.وتحول رئيس الحزب الديمقراطي الليبرالي فلاديمير جيرينوفسكي إلى «بطل» هذه المهاترات، إذ تعمد السياسي المثير للجدل والمعروف بتصريحاته اللاذعة، أن يوجه شتائم إلى منافسيه على الهواء مباشرة نالت سوبتشاك الجزء الأكبر منها بعدما وصفها أكثر من مرة بأنها «هبلة» و«سطحية» وتفوه بعبارات أخرى تمس الكرامة والشرف، ما أدى إلى انفجار سوبتشاك بالبكاء على الهواء مباشرة وانسحابها من المناظرة وتحول الحادث مادة منظورة أمام القضاء حاليا ضده.عموما أظهرت المناظرات أمام الجمهور الروسي، الفارق الكبير بين شخصية بوتين وشخصيات منافسيه، ما حولها برغم غيابه عنها إلى عنصر داعم أساسي لحملته الانتخابية. وأبرزت الحملة الرئاسية عموما تراجع في مواقع المعارضة في روسيا، بما في ذلك المعارضة التي لم يسمح لها بخوض السباق الرئاسي ممثلة بالمعارض الأبرز اليكسي نافالني الذي حرم بقرار قضائي من المشاركة. وكان لافتا أن استطلاعا للرأي أجرته إذاعة «صدى موسكو» المعارضة دل على فتور رغبة المواطنين في النزول إلى الشارع احتجاجا على مسار الانتخابات أو نتائجها المعروفة سلفا، وبالمقارنة مع الوضع في نهاية العام 2011 عندما جرت انتخابات برلمانية أسفرت عن إطلاق موجة احتجاج كبرى عمت عشرات المدن الروسية، فإن غالبية المشاركين في الاستطلاع أعربوا عن قناعة بأن الظروف غير مهيأة حاليا لتنظيم أي احتجاجات مهما كانت طبيعة نتائج الانتخابات. وعزا خبراء الوضع الحالي إلى تفكك المعارضة واعتقال أكثر رموزها أو مغادرتهم البلاد، بالإضافة إلى فقدان الثقة بقدرة المعارضة على التأثير في الحياة السياسية. لكن العنصر الأهم برأي خبراء تركز في أن ضم القرم في العام 2014 ترك أثرا مهما لجهة انقسام المعارضة ذاتها، إذ مال الجزء القومي المتشدد منها إلى جانب الرئيس بوتين وسياساته وغادر صفوف المعارضة. ما أفقدها جزءا كبيرا من رصيدها في الشارع.وتنوي سوبتشاك مع معارض بارز آخر هو ديمتري غودكوف تأسيس حزب بديل بعد الانتخابات في محاولة لإعادة الحياة إلى صفوف المعارضة الروسية التي تطرح بدائل ليبرالية ديمقراطية عن نظام الحكم القومي المحافظ الذي عزز بوتين أركانه. وبانتظار لحظة الحسم، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية أنها تلقت ألوف الشكاوى حول مسار حملة الانتخابات، وقالت إن 500 منها فيها له طابع «مخالفة جنائية» تم رفعها إلى الجهاز القضائي وسوف تنظر خلال المرحلة المقبلة في المحاكم الروسية.ومن الصعب تخيل وقوع حدث يمكن أن يؤثر على المسار النهائي للحملة الانتخابية، إذ بات واضحا أن الكرملين سوف يضمن نسب إقبال جيدة بعد حملة واسعة أدارها في هذا الاتجاه، وشاركت فيها أحزاب سياسية ونقابات ومؤسسات حكومية ومجموعات مبادرات قريبة إلى السلطة، بالإضافة إلى الدور المركزي الذي لعبه النظام الإعلامي الموجه.ورأت مراكز مقربة من الكرملين أن نسبة إقبال لا تقل عن 65 في المائة ستكون «مقبولة جدا» خصوصا أن هذه النسبة ذاتها تقريبا التي شاركت في انتخابات العام 2012. بمعنى أن الكرملين لا يرغب في أن تتراجع هذه النسبة حتى لا يفسر ذلك بتراجع الاهتمام الشعبي بالاستحقاق الانتخابي.كما باتت التوقعات تميل إلى أن يحقق بوتين فوزا بنسبة لا تقل عن الرقم ذاته، أي 65 في المائة علما بأنه كان حصل في 2012 على نسبة 63.5 في المائة من أصوات الناخبين. مع ترجيح أن تكون الفرص مفتوحة لزيادة ملموسة في نسب التأييد في هذه الانتخابات خصوصا بسبب التطورات المرتبطة بضم القرم والمواجهة الحالية القائمة مع الغرب.
مشاركة :