الشارقة: غيث خوري «أيام الشارقة المسرحية هي الأكاديمية التي تخرجت فيها ممثلاً وكاتباً ومخرجاً، هي المكان الذي رسخ حبي وعشقي لأبي الفنون، والذي تكونت فيه رؤاي الفنية والفكرية والإبداعية». بهذه كلمات اختار محمد العامري أن يعبر عن امتنانه وشكره لاختياره الشخصية المحلية المكرمة في الدورة الثامنة والعشرين من أيام الشارقة المسرحية، هذا الاختيار الذي جاء تقديراً لما قدم ويقدم من أعمال أصبحت علامات مضيئة في فضاءات المشهد المسرحي والفني الإماراتي والعربي، باجتهاده وإخلاصه وموهبته الفنية.أقيم حفل التكريم في قصر الثقافة في الشارقة، بحضور أصدقاء العامري المسرحيين الذين رافقوا مسيرته الفنية واشتغلوا معه فوق الخشبة ووراء الكواليس، والذين شاهدوا واستمتعوا بعروض هذا الفنان فكراً وعطاء، مقدمين شهاداتهم فيه كفنان وإنسان مبدع وصديق وملهم، بينهم الفنان ياسر سيف الذي قدم العامري خلال الحفل بكلمة عبر فيها عن معاني هذا الاختيار لفنان يستحق كل التقدير والتكريم.وقال سيف: «حين يكون الفنان الذي تقدمه هو محمد العامري، تحار كيف ومن أين تبدأ؟ هل أنطلق من بدايته كفنان راهن على التمييز، أم من محطاته الفنية وإنجازاته؟ أم من خلال مرافقتي لمشواره الفني منذ بداياته وصداقتنا والمواقف التي جمعتنا والذكريات الجميلة؟.. محمد العامري المجنون إبداعاً المسكون في المسرح، المشغول دائماً بالجديد يشبه أعماله إلى حد بعيد، فنان متفرد، خياله واقع، وواقعه خيال، لا يعرف حدوداً للإبداع».وأضاف: «بدأت مسيرة العامري الإخراجية من مسرحية»حطبة التوبة»، ومن هنا برزت قدرته على توظيف التراث الشعبي في المسرح، حيث ابتعد عن الأسلوب النمطي التقليدي في تناول التراث وانطلق به إلى فضاءات أوسع، ومن ثمّ برزت ملامح التجريب في إخراجه، حتى إن الكثير من المحيطين به كانوا يطلقون عليه لقب»المجنون» لعدم قدرتهم أحياناً على فهم أسلوبه في العمل، هذا اللقب الذي أصبح الآن صفة تعبر عن مدى إبداعه وقدرته على إثارة الدهشة في معظم العروض التي ينجزها مؤلفاً ومخرجاً وممثلاً».وأشار سيف إلى أن عشق العامري للمسرح جعله يختلف عن كل أبناء جيله الذين بدؤوا فوق الخشبة ثم جذبتهم شاشة التلفزيون، بينما العامري الذي أحبته الشاشة وتوجته نجماً ذا حضور لافت، لم يستطع أن يبتعد عن المكان الذي يشغل العقل والقلب، فكرس مسيرته للمسرح، وأعطاه الأولوية على حساب النجومية التلفزيونية التي حققها، والتي كانت ستزيد من رقعة انتشاره الجماهيرية وبالتأكيد لها مردودها المادي الأكبر، لكنه أثبت في أكثر من موقف أن انتماءه الأول للمسرح.انتقل الحديث بعدها للعامري الذي قرأ أهم المحطات التي شكلت مسيرته الفنية، قائلاً: «بداية لا بد من أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على كل مكرماته التي يمنحها للفنانين الإماراتيين والخليجيين والعرب، وعلى هذا التكريم لي بشكل خاص.. مكرمة من الوالد الذي يمنح كل شيء، وجرعة منشطة للقادم الأجمل إن شاء الله، ولانطلاقة جديدة ملؤها الحماس وتحمل المسؤولية، هذه المكرمة ليست غريبة هنا في الإمارات، دولة تحتفي بكل من يعمل ويسعى ويجتهد».وأضاف: «تعجز الكلمات في التعبير عن شعوري لحظة تلقيت الخبر بأن أكون الشخصية المكرمة، فأنا تخرجت في أكاديمية أيام الشارقة المسرحية، ومسرح الشارقة الوطني، اللذين اعتبرهما بيتي وعائلتي الثانية، فيهما قضيت أجمل الأيام، وهما مستودع الذكريات بحلوها ومرها، بالإنجازات والصعوبات، بالصداقات الكثيرة، بالعمل والاجتهاد والتعلم والتجريب، فهنيئاً لكل الشباب الذين ينضمون لهذه الأكاديمية».وتوقف العامري مطولاً عند بدايته المسرحية، من خلال عمله مع المخرج القدير عبدالله المناعي الذي احتضنه وقدم له كل الدعم فكان أباً وأخاً وصديقاً، وقال: «في سنة 1989 لحظة دخولي مسرح خالد في منطقة المصلى، قابلت المناعي، كنت قد ذهبت لكي أنضم للفرقة كعضو وأجد فرصتي في التمثيل، ولكن وبعد دقائق من دخولي وجدت نفسي فوق خشبة المسرح، وخلال ثلاثة أشهر أو أربعة كنت من المشاركين في مهرجان بغداد المسرحي، لتتوالى الأيام بعدها وتتعزز علاقتي بالمناعي الذي رافقته بشكل يومي خلال وعكته الصحية، وكنت أزوره يومياً في المستشفى، حيث كان يطالبني دوماً بتقديم أفكار لمسرحيات ومونولوجات من تأليفي، ويشاركني كل أفكاره حول المسرح والإبداع، ثم بعد أن تعافى رافقته في عديد الأعمال، وفتح أمامي الأبواب لأتعلم وأراقب عن كثب كل تفاصيل إنجاز العرض؛ من سينوغرافيا وتسجيل موسيقى وتحضير إضاءة وإعداد ممثل، فكانت مرحلة تأسيس مهمة جداً ومحطة انطلاقة، ولولاه ما كنت أقف اليوم أمامكم على هذه المنصة، لذا أقول له شكراً من القلب».وعن دراسته فن المسرح أكاديمياً، أشار العامري إلى أن جملة من الظروف الاجتماعية والأسرية والمهنية حالت دون تحقيقه هذا الحلم، بدءاً من دراسته في الكويت، مروراً بمحاولة الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية في القاهرة، وكذلك في معهد الفنون المسرحية في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتدابه للدراسة الخارجية عن طريق جمعية المسرحيين الإماراتيين، موضحاً أنه حاول التعويض عن ذلك بالقراءة والاطلاع والبحث في كل الدراسات والتجارب الموثقة عن المسرحين العربي والعالمي، والاجتهاد في فك مفردات هذا الفن وصولاً إلى فهم عميق وواضح له.وعرّج العامري على محطات كثيرة في التمثيل، من خلال مشاركته العمل المسرحي مع أسماء قديرة، مثل: الراحل قاسم محمد، ويحيى الحاج، وعبدالإله عبدالقادر، وجواد الأسدي، والراحل المنصف السويسي، الذين تعلم على أيديهم، وفهم بعمق جوهر ومعنى المسرح ورسالته، ثم عمله في الإخراج وشراكته مع فنانَين إماراتيَين قديرين مثل أحمد بو رحيمة الذي أخرج العامري نصوصاً من تأليفه، وإسماعيل عبدالله الذي شكل معه ثنائياً مشهوداً له إبداعياً وفنياً.وختم العامري بتوجيه الشكر لكل من كان سبباً في تكريمه، بدءاً بوالده ووالدته اللذين قدما كل الدعم والمحبة له، حيث كانا حريصين دوماً على حضور أعماله وحثه على المواصلة والاستمرار وتقديم الأفضل، وخص بالشكر زوجته، قائلاً: «لا يسعني إلا أن أعبر عن مدى امتناني وشكري العميق لزوجتي، التي تحملت معي أعباء كبيرة، سواء في تواصل غيابي لفترات طويلة وأنا أعمل في المسرح، أو من خلال دعمي الدائم». إصدار خاص أصدر المهرجان كتاباً خاصاً بمناسبة تكريم الفنان محمد العامري، تضمن قراءة رئيسية جالت في مسيرته الفنية منذ البدايات، وأهم المحطات التي صنعت منه فناناً مبدعاً، وعلامة فارقة في المسرح الإماراتي، إضافة إلى استذكار أهم القامات التي عمل معها في المسرح والتلفزيون، وقراءة موسعة في رؤيته الإخراجية والبصرية، وأهم ملامح مسرحه.كما تضمّن الكتاب شهادات محبة وتقدير قدمها أصدقاؤه وزملاؤه في المسرح، وهم: أحمد الجسمي، إبراهيم الحارثي، إبراهيم سالم، إبراهيم الصلال، أحلام محمد، إسماعيل عبدالله، أسمهان توفيق، حاتم السيد، الحسن النفالي، تغريد الداوود، جاسم البطاشي، جاسم الخراز، جميلة مصطفى الزقاي، جابر نغموش، حبيب غلوم، حسن رجب، حميد سمبيج، خليفة العريفي، زهراء المنصوري، سعاد عبدالله، سلطان النوه، سميرة أحمد، سميرة بارودي، شادية دوغان، صالح كرامة..إلخ.وختم الكتاب بمجموعة من الصور التي تعرض لمسرحياته التي قدمها تأليفاً وإخراجاً وتمثيلاً، وأهم التكريمات والجوائز التي حازها خلال مسيرته.
مشاركة :