حوش نصري (سوريا) (أ ف ب) - حين رآه قادماً بين الحشود، لم يتمالك أيمن الخطيب نفسه.. جثا الجندي السوري على ركبتيه مقبلاً قدمي والده الذي خرج من حصار طويل مع باقي أفراد عائلته من الغوطة الشرقية الجمعة، ليلتئم شمل العائلة بعد سبع سنوات من الحرب. يتفحص أيمن (25 عاماً) بينما تنساب دموعه على وجنتيه، وجه والده زكريا المتعب. ثم يقول لوكالة فرانس برس "كنت أعلم أنهم سيخرجون اليوم. بحثت عنهم بين الجموع الغفيرة حتى وصلت إليهم (..) كنت كالعطشان في الصحراء، والآن وجدتُ الماء". يضم زكريا وجه ابنه بين يديه والفرحة تغمره قبل أن يوضح بكلمات متقطعة "ذهب في العام 2011 إلى (الخدمة) العسكرية وبقيت روحي معه. طال الغياب بيننا، واليوم أستعيد روحي بلقائه مجدداً". ويضيف "فرحتي اليوم مضاعفة، الفرحة الأولى لأنني التقيت بابني بعد سنين طويلة من الشوق، والفرحة الثانية لأنني خرجت من الظلم والقهر والجوع". وكانت عائلة الخطيب في عداد مئات العائلات التي تمكنت الجمعة من الخروج من مناطق سيطرة الفصائل المقاتلة في الغوطة الشرقية، غداة تقدم الجيش ميدانياً وفتحه معبراً لخروج المدنيين. وعاش نحو 400 الف مدني ظروفاً انسانية صعبة جراء الحصار المحكم منذ العام 2013 على المنطقة، ما تسبب بنقص في المواد الغذائية والادوية. وأثناء انتظار العائلة في مدرسة داخل بلدة حوش نصري قبل نقلها الى مركز ايواء، وضع الجندي بندقيته جانباً، وحمل ابن أخيه الذي يراه للمرة الأولى موضحاً "هؤلاء الأطفال الثلاثة أشاهدهم للمرة الأولى، هم أبناء اخوتي الذين بقوا في الغوطة خلال السنوات الماضية، كنت أسمع بهم واليوم أشاهدهم وأقبّلهم". التحق أيمن بصفوف الجيش في 2011 وشارك في القتال على جبهات عدة في الغوطة الشرقية، ولم يتمكن من حضور دفن أحد اشقائه الذي قتل قبل عامين. ويروي "كنت جزءاً من القوى المشاركة عندما تقدم الجيش باتجاه زبدين"، البلدة التي يتحدر منها ونزح أهله منها في العام 2016. ويضيف "كنت أرتبك وفي قلبي حسرة، أخاف على أهلي من ناحية، وأريد تأدية واجبي من ناحية ثانية". - "تغير وجهه كثيراً" - ولم يكن في الإمكان طرح أسئلة حول مواقف افراد العائلة المنهكين من النزاع والحصار في لحظات مؤثرة للغاية. ويشن الجيش منذ 18 شباط/فبراير هجوماً على الغوطة الشرقية، آخر أبرز معقل للفصائل المعارضة قرب دمشق، تسبب وفق المرصد السوري لحقوق الانسان بمقتل 1350 مدنياً. وتمكن بعد تقدمه ميدانياً من فصل مناطق سيطرة الفصائل الى ثلاثة جيوب. وأعلنت قيادة الجيش الجمعة انها باتت تسيطر على سبعين في المئة من مساحة الغوطة الشرقية، داعية الأهالي الى الخروج عبر "المعابر الآمنة". وأحصت دمشق، وفق ما أعلن مندوب سوريا لدى الامم المتحدة بشار الجعفري، خروج أكثر من 40 ألف مدني من المنطقة المحاصرة. في باحة المدرسة ذاتها في بلدة حوش نصري التي تمكن الجيش قبل أيام من السيطرة عليها، تبكي الستينية زهراء ناصر على كتف شاب يرتدي بزّة عسكرية، وتحضنه بقوة. وتقول وهي ترتدي عباءة سوداء لفرانس برس "كنت أشعر بالوحدة، وعانيت كثيراً حتى وصلت، لكني تفاجئت وسررت برؤية ابن اختي (..) أمسك بيدي وعرفني قبل أن أعرفه، لقد تغيّر وجهه كثيراً". وينظر عارف عوض خليفة بفرح الى خالته، قبل أن يروي انه التحق بالخدمة الإلزامية قبل بدء النزاع في البلاد وتنقل على جبهات عدة قبل وصوله الى ريف دمشق. ويقول الشاب المتحدر من بلدة ميدعانة في الغوطة الشرقية "اليوم شعرتُ بقيمة قتالي في المعارك، بات للنصر معنى". ويتابع "تمكنت من تحرير خالتي وما زال أقاربي في الداخل". - "ظننته قُتل" - وتسببت الحرب التي دخلت الخميس عامها الثامن بتفريق شمل عائلات كثيرة في سوريا مع نزوح وتشريد اكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها. ويوضح عارف الذي يشارك حالياً في القتال في الغوطة الشرقية "هناك العشرات من الجنود يبحثون عن أقاربهم الهاربين من الغوطة، التقى بعضهم بأهله". ثم يبادر الى احضار الماء والخبز لخالته، لكنها لا تتوقف عن البكاء وتردد "ظننتُ أنه قتل، لم أسمع صوته منذ زمن بعيد، لكن حين رأيته الآن، تذكرت رائحة والدته رحمها الله". تعمل الجهات الحكومية على إيواء السكان الفارين من الغوطة في مراكز إيواء، في وقت تضيق المدارس القريبة من المنطقة المنكوبة بمئات العائلات. ويؤكد نائب محافظ ريف دمشق راتب عدس لفرانس برس العمل على تجهيز عدد أكبر من المراكز لاستيعاب العدد الكبير من المدنيين. ويقول "يتم وضعهم في مراكز مؤقتة. نحاول تأمين أماكن اضافية.. الأعداد كبيرة جدا وسنوزعهم على اكثر من موقع حتى نتمكن من تقديم الخدمات لهم". في المدرسة، يتم توزيع المياه والطعام على النازحين الذين تضيق بهم الباحة الخارجية. وتفترش نساء مع اطفالهن الأرض. ويقول ياسين (35 عاماً) الذي خرج مع زوجته وأولاده الأربعة من بلدة حمورية "أمضينا 27 يوماً من الرعب". ويضيف "أريد أن أعمل وأؤمن طعام عائلتي. لا أريد أن يطعمنا أحداً". ويختم بحرقة "ضاعت سبع سنوات من عمرنا، نريد ان نبدأ من جديد".ماهر المونس © 2018 AFP
مشاركة :