في مكالمةٍ هاتفية مع الملك سلمان في ديسمبر/كانون الأول، كان لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب فكرة يعتقد أنَّها يمكن أن تُعجل من العثور على مخرج للولايات المتحدة من سوريا، وهي أن يطلب من الملك 4 مليارات دولار. ووفقاً لمسؤولين أميركيين، بحلول نهاية المكالمة اعتَقَد الرئيس الأميركي أنَّه كان لديه اتفاقٌ مع الملك، وذلك بحسب ما ذكرت صحيفة الأميركية. يريد البيت الأبيض أموالاً من المملكة ودول أخرى للمساعدة في إعادة بناء واستقرار الأجزاء السورية التي حرَّرها الجيش الأميركي وحلفاؤه المحليون من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ويتمثل هدف ما بعد الحرب في منع الرئيس السوري بشار الأسد وشركائه الروس والإيرانيين من المطالبة بهذه المناطق، أو إعادة احتشاد مقاتلي داعش، بينما تتخلص القوات الأميركية من بقية المسلحين. والسعوديون الذين يصل ولي عهدهم إلى واشنطن يوم الاثنين 19 مارس/آذار لعقد اجتماعاتٍ موسّعة مع الإدارة الأميركية هم كذلك جزءٌ من التحالف الذي يواجه داعش، لكنَّهم انسحبوا إلى حدٍّ كبير من المعركة في سوريا في السنوات الأخيرة. وهم يتساءلون الآن عن هذا المبلغ الضخم، رغم أنَّ المسؤولين الأميركيين في مرحلةٍ ما كانوا يسحبون تمويلاً لبنودٍ تبلغ قيمتها الإجمالية 4 مليارات دولار. وبالنسبة لترامب الذي كان دائماً يُعارض عدم مشاركة حلفاء أميركا الذين تحميهم مظلتها الأمنية بما يكفي في اقتسام الأعباء، فإنَّ حمل الآخرين على دفع فاتورة جهود ما بعد الحرب الباهظة هو أمرٌ مهم. ومن شأن مُساهمةٍ سعودية بقيمة 4 مليارات دولار أن تقطع شوطاً كبيراً في تحقيق أهداف الولايات المتحدة في سوريا، التي يقول السعوديون إنَّهم يتفقون معها، خاصةً تلك التي تحد من سلطة الأسد وتُقلل من نفوذ إيران. وبالمقارنة، أعلنت الولايات المتحدة الشهر الماضي عن تبرعها بقيمة 200 مليون دولار لجهود تحقيق الاستقرار. في الوقت نفسه، يسعى ترامب إلى إخراج الولايات المتحدة من الحرب التي ادَّعى فيها بالفعل أنَّ الانتصار على داعش قريب. فبعد التفاخر بهزيمة داعش في خطابٍ ألقاه يوم الثلاثاء أمام القوات الأميركية في ولاية كاليفورنيا الأميركية، قال ترامب: "لقد وجهنا إليهم ضربةً شديدة للغاية".معارك متقاربة قصرت سياسة وزارة الدفاع الأميركية -التي يعود تاريخها إلى إدارة أوباما- التدخل الأميركي في الحرب السورية بشكلٍ شبه حصري على مواجهة داعش من خلال وكلاء تدعمهم القوات الأميركية. ونجحت أهداف المواجهة. لكن رغم انحسار أراضي داعش فإنَّ الاحتمال المُتزايد لانتصار الأسد في الحرب ترك العديد من صانعي السياسة والمشرعين في الولايات المتحدة في حالة فزع، وجعل البعثة الأميركية في سوريا مشوشة وحائرة. سُئِلَ الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية الذي يُشرف على الشرق الأوسط، في شهادته أمام الكونغرس الأميركي يوم الثلاثاء ما إذا كان الأسد قد انتصر بالفعل بمساعدةٍ إيرانية وروسية. وردَّ قائلاً: "أنا لا أعتقد أن هذه مبالغة. أعتقد أنهم زوّدوه بالموارد اللازمة ليتفوق في هذه المرحلة". يُعد هذا السؤال مُهماً؛ لأنَّ المرحلة الثانية من الاستراتيجية الأميركية الحالية في سوريا بعد هزيمة داعش هي الترويج لتسوية سياسية للحرب، تشمل في النهاية خروج كل من الأسد وإيران من المشهد. وقال القادة الأميركيون إنَّ مُهمتهم العسكرية في سوريا لا تزال مقصورة على هزيمة داعش. إلا أنَّ بعض مسؤولي الإدارة بدأوا بتوصيف الوجود الأميركي بشكلٍ أوسع، مشيرين إلى أنَّه يجب أن يكون بمثابة حصن ضد إيران، ويضمن الاستقرار في الأراضي المُحررة ودعم الأهداف الأميركية في أي تسوية سياسية مستقبلية. وأقنع مسؤولو الإدارة ترامب بأنَّ الجيش الأميركي لا يستطيع سحب قواته من شمال سوريا، جزئياً بسبب إيران. وقال مسؤولٌ أميركي بارز، وهو واحدٌ من بين مسؤولين عديدين ناقشوا سياسة سوريا بشرط عدم ذكر اسمه حتى يتمكن من التحدث بصراحة، إنَّ "حججاً مقنعة طُرِحَت تُفيد بأنَّ كياناً سيئاً سيسيطر هناك"، بما في ذلك إيران. وتابع: "يبدو أنَّ هذا قد نجح في الوقت الحالي، لكنَّني لا أعتقد أنَّ هناك مَنْ يريد وجوداً عسكرياً أميركياً غير مُحدد" في سوريا، وأقل من قد يرغب في ذلك هو ترامب. اتسمت عملية السلام التي قادتها الأمم المتحدة بالضعف الشديد طوال السنوات الماضية، وقال ريكس تيلرسون في يناير/كانون الثاني حين كان لا يزال يشغل منصب وزير الخارجية الأميركي إنَّ الولايات المتحدة لن "ترتكب نفس الأخطاء" التي ارتكبتها إدارة أوباما عام 2011 عندما سحبت قوات من العراق قبل فرض الاستقرار. وأضاف تيلرسون أنَّ "رحيل الأسد" من خلال عملية سلام تقودها الأمم المتحدة "سيخلق الظروف من أجل سلام دائم داخل سوريا، ويفرض الأمن على طول الحدود".التقسيمات الإدارية بينما وافق ترامب على زيادة وجود القوات الأميركية في سوريا منذ قدومه إلى السلطة، فإنَّه لا يزال حذراً من أي دورٍ أوسع، ولا يريد أن يظل الأميركيون هناك طويلاً. ويقوم ما يقرب من 2000 جندي منتشرين حالياً بتقديم المشورة والتدريب والمساعدة في كثيرٍ من الأحيان بالقرب من الخطوط الأمامية للشريك الأميركي الرئيسي، وهو قوات سوريا الديمقراطية. وقال أحد المسؤولين الأميركيين إنَّه يجب إعادة تقييم المُشاركة كل 18 شهراً. طرد ترامب تيلرسون من منصبه هذا الأسبوع، وسلَّم إدارة وزارة الخارجية إلى نائبه بينما يظل تيلرسون في منصبه حتى 31 مارس/آذار. وبينما لا يزال ليس من الواضح ما إذا كان مصير الأسد أو مدة بقاء القوات الأميركية في سوريا نقاط خلاف بين تيلرسون وترامب، فهناك وجهات نظر مختلفة بشكلٍ كبير حول المشهد المتعلق بالأسد وعملية السلام داخل الإدارة. ومع ذلك، رفض مسؤول كبير آخر في الإدارة الأميركية تماماً الفكرة التي تقول إنَّ الأسد ينتصر، قائلاً إنَّ النظام "أضعف مما كان عليه في أي وقتٍ مضى، وبالتأكيد في هذا النصف من الحرب الأهلية". وقال المسؤول: "إذا أجرينا مقارنةً بين وضعه الحالي وموقفه قبل الحرب الأهلية، فإنَّه يسيطر على نصف أو أقل من نصف أراضي ما قبل الحرب، وأقل من نصف الأراضي الصالحة للزراعة، وأقل بكثير من نصف الموارد الاستراتيجية مثل النفط والغاز". وأضاف المسؤول أنَّ أولئك الذين يقولون عكس ذلك "يُسيئون فهم العملية السياسية". وأعرب مسؤول إداري ثالث عن صدمته من أنَّ أي مسؤول أميركي كبير في هذه المرحلة قد يؤيد هذه الفكرة، وتساءل قائلاً: "حقاً؟". وقال: "قد يكون هذا صحيحاً إذا كنتَ ستُبعِد عن المشهد الروس والإيرانيين وحزب الله"، وهي الميليشيا الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران التي كانت قوة قتالٍ حاسمة في سوريا. وأضاف أنَّ من دونهم "سيسقط الأسد على الفور تقريباً". وتابع أنَّ الأسد بمساعدتهم يبدو أنَّه يُحرز تقدماً كبيراً، ويدمر المعارضة في الغرب للأبد، ويوسع أراضيه شرقاً لمسافة تفصلها أميال عن مناطق لا تزال تُحارب فيها قوات سوريا الديمقراطية وداعموها في الولايات المتحدة تنظيم داعش. وتعتمد الولايات المتحدة كذلك على قوات سوريا الديمقراطية المنهكة لاحتجاز حوالي 400 من داعش الأجانب الذين اعتُقلوا خلال المعركة في سوريا. يُحتَجَز العديد من هؤلاء المُعتقلين في غرف كبيرة وفقاً لمسؤول أميركي، ما يثير القلق من أنَّهم سيتواصلون معاً ويُطلقون ما يخاف البعض من أن يُصبح النسخة الثانية من داعش. وقال المسؤول الأميركي إنَّ بعض الأموال التي تطلبها الولايات المتحدة من حلفاءَ مثل السعودية ستُستخدم لضمان نقل المحتجزين إلى مُنشأة بها زنزانات فردية. ولم يرد ممثلو السفارة السعودية في واشنطن على سؤالٍ حول المليارات الأربعة التي يقول المسؤولون الأميركيون إنَّ ترامب طلبها من سلمان. وبينما رفضت أميركا المُشاركة المباشرة في الحرب السورية، إلا أنَّها أكبر مانح للمساعدات الإنسانية، إذ قدمت 8 مليارات دولار على مر سنوات لتوفير المساعدة للملايين في المناطق المُحاصرة بسبب القتال، أو الذين نزحوا من ديارهم إلى مخيمات اللاجئين.
مشاركة :