تتجه الولايات المتحدة إلى أن تصبح مصدراً كبيراً للنفط بسبب زيادة إنتاجها، وذلك في تطور يغير من البنية التحتية الأمريكية ويبدل وجه سوق النفط العالمي. تنتج الولايات المتحدة حاليا ما يزيد عن 10 ملايين برميل من النفط يوميا، لتصبح ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد روسيا وقبل السعودية. وجاءت هذه الزيادة بسبب طفرة الزيت الصخري العائد إلى طرق الحفر والإنتاج الجديدة. وفي توقع لهذه الزيادة ألغت الولايات المتحدة بنهاية 2015، حظرها على صادراتها من النفط والمفروض منذ سبعيات القرن الماضي عندما تعرض العالم لصدمة نفطية. واغتنمت شركات النفط هذا الإلغاء لتصدر 1,1 مليون برميل يوميا إلى 37 بلدا في 2017. وكندا هي أكبر بلد مستورد للنفط الأمريكي، إلا أن الولايات المتحدة أصبحت تصدر كميات أكبر إلى آسيا، التي تعد منذ زمن بعيد السوق الرئيسية لمنظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» وروسيا. وتدل البيانات على أن الصين هي ثاني أكبر سوق للصادرات الأمريكية. وخلال العقد الماضي انخفضت واردات النفط الأمريكية من 10 ملايين برميل في اليوم إلى ثمانية ملايين. إلا أن الولايات المتحدة لا تزال المستورد الرئيسي للنفط الخام، والسبب في ذلك هو أن مصافي تكرير النفط الأمريكية ليست مصممة لتكرير النفط الأخف الذي تنتجه حقول الزيت الصخري. بل إن العديد من المصافي مبنية لتكرير النفط الأثقل القادم من كندا والمكسيك وفنزويلا والأرخص ثمنا الذي يحق أرباحاً كبيرة بعد تكريره إلى بنزين. يقول هاري تشيلنغيريان استراتيجي سوق النفط في أسواق «بي إن بي باريبا» العالمية، «كان الخيار هو الاستثمار في مصافي النفط الأغلى ثمنا والأكثر تعقيدا والتي يكلف تشغيلها مبالغ أكبر بكثير لأنك تحصل على النفط بأسعار أقل». وأضاف، «نظراً لأن بناء مصفاة يستغرق من خمس إلى سبع سنوات، فلا تستطيع التحول بسرعة».إعادة التفكير في البنية التحتية قبل طفرة الزيت الصخري التي تعود إلى العام 2010 أو 2011، كانت الولايات المتحدة تخطط لتوسعة جديدة لخط النفط للسماح باستيراد مزيد من النفط الخام من كندا. ولكن التغيير في مشهد تصدير النفط في الولايات المتحدة أدى كذلك إلى تغيير النظرة المستقبلية للبنى التحتية للطاقة. تركز الشركات الأمريكية الآن على إضافة خطوط نفط محلية ومراسي تصدير في منطقة ساحل الخليج لتصدير النفط الأمريكي إلى الخارج. ويقول تشيلنغيريان، «لا يمكن للولايات المتحدة أن تصبح مستقلة تماماً عن النفط الخارجي». وأضاف، أنه في هذا السياق فإن فكرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، «بهيمنة الطاقة»، أو «العصر الذهبي للطاقة الأمريكية»، لا تعني فقط خفض الواردات، بل كذلك «القدرة على كسب حصة من السوق خارج البلاد». وربما يكون المشروع الأكثر رمزية هو إعادة هيكلة ميناء لويزيانا للنفط، وهو ميناء النفط الوحيد في الولايات المتحدة القادر على خدمة الحاويات السوبر. واستخدم الميناء لصادرات النفط بدلا من وردات النفط لأول مرة في فبراير/ شباط. وإلى الغرب، يتوقع أن يصبح ميناء كوربوس كريستي في تكساس مركزاً أكبر لصادرات الخام، ويخطط لمشروع بكلفة 327 لتوسيع وتعميق قناة الميناء. ويعتقد الخبراء، أن صادرات النفط الأمريكي يمكن أن تزداد بمقدار أربعة إلى خمسة ملايين برميل يوميا على المدى المتوسط، ما يدعو إلى التساؤل حول الأسواق التي ستشتري النفط الإضافي. على المدى القريب يتوقع جون كولمان من شركة وود ماكنيزي للاستشارات أن تصل معظم صادرات النفط إلى أوروبا، انطلاقا من توافق النفط مع مصافي التكرير في القارة. إلا أنه بعد 2022، فإن التوقعات غامضة، ويعود ذلك في جزء منه إلى أن مصافي تكرير جديدة ستظهر في أفريقيا والشرق الأوسط ما يحد من صادراتها. وإذا ما تمكنت الولايات المتحدة من الحفاظ على تنافسية السعر بحيث تعوض الوقت الإضافي وكلفة النقل، فإنها يمكن أن تتحول إلى آسيا. يقول كولمان، إن مسألة البنية التحتية للنفط في الولايات المتحدة، «لا تزال غامضة.. وهي قضية مهمة اليوم، ورغم أن هناك استثمارات كبيرة تم إعلانها، إلا أنه لا نزال نحتاج إلى المزيد».
مشاركة :