بداية نوجه أطيب التهاني وأسمى التبريكات للزملاء الأعزاء والزميلات الكريمات الذين نالوا الثقة العزيزة للقطاع التجاري وكسبوا أعلى الأصوات في انتخابات الدورة الانتخابية (29) لمجلس إدارة الغرفة متمنين لهم النجاح في تحقيق البرامج التي أعلنوها، على الرغم من سعة مساحة التحديات التي ستواجههم، وقد لا تتاح لهم فرصة تحقيق قسم كبير من طموحاتهم وبرامجهم المعلنة وفي مقدمتها سلبية شريحة واسعة من قطاع الأعمال تجاه العمل الجماعي المنظم، وعدم اهتمامهم بمسارات عمل غرفة التجارة والصناعة إلا بحدود ما يحقق لهم عوائد مباشرة من جانب، ومن جانب آخر اعتقاد آخرين أن الغرفة دورها ينحصر في جباية رسوم العضوية والتي تتم الآن عن طريق وزارة التجارة والصناعة والسياحة، كأحد شروط تجديد السجلات التجارية لا أكثر، بل يذهب البعض في تقييمه لدور الغرفة إلى ما هو أسوأ من ذلك حينما يعد أن الغرفة مجرد موقع أنيق لأعضاء مجلس الإدارة لعقد الصفقات التجارية ولا مكان فيها لصغار التجار والمستثمرين، حتى المشروعات الصغيرة والمتوسطة المتعثرة التي خصصت لها تمكين بالتعاون مع مجلس الإدارة السابق مبالغ دعم للإسهام في إعادتها للسوق وتجاوز محنتها، كانت مجرد فزعة إعلامية أكثر منها مشروعا للدعم، فقد اكتنف أعمال اللجنة المشكلة لهذا الغرض الكثير من التشكيك واللغط في كيفية اختيار المشروعات التي دعمت، والمعايير التي لم يفصح عنها، والمبالغ التي خصصت لها. كما أن الصراع والتنافس بين أعضاء مجلس الإدارة السابق والذي امتد إلى الشارع التجاري قد أفقد الغرفة مهابتها ورمزيتها للقطاع التجاري، فضلا عن سياسة الأبواب المغلقة التي اعتمدتها الإدارة التنفيذية للغرفة، جعلتها أكثر بُعدا عن القطاع التجاري الأوسع (قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة)، علاوة على عدم قدرة الغرفة على الحد من سيل القرارات المتعلقة بزيادة الرسوم القائمة، وفرض سلة واسعة من الرسوم الجديدة الشديدة الوطأة على صغار التجار والمستثمرين. ولم تستثمر الغرفة الدعم المتواصل لها من قبل صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء الموقر للنهوض بالقطاع التجاري وتنظيم صفوفه ليكون شريكا حقيقيا في إرساء التنمية المستدامة في البلاد ومن موقع المسؤولية بحيث تكون الشراكة قائمة على أسس استراتيجية أولها المشاركة في صنع القرار التنموي، وأن يكون لها رأي مسبق في القرارات ذات المساس بالقطاع التجاري، وليس المشاركة في التمويل والتنفيذ فقط. وفي ذلك أكد سمو الأمير حفظه الله ورعاه في زيارته لبيت التجار في 21 أبريل 2014 «أن الشعب هو الباعث لآمالنا نحو مستقبل آمن للبحرين وأجيالها القادمة»، لذا فإن القطاع التجاري مدعو للمساهمة الفاعلة والجادة في توفير مقومات الأمن الاقتصادي والمعيشي للشعب، باعتباره شريكا من موقع المسؤولية مع الحكومة في إرساء مقومات التنمية المستدامة، لا سيما أن الحكومة مستمرة في جهودها التنموية التي تفتح آفاقا واسعة للقطاع التجاري لتحقيق نجاحات استثمارية مميزة، وأن الحكومة تفتح أبوابها للتجار كي «يعبروا عن تطلعاتهم وأمنياتهم نحو مستقبل الاقتصاد الوطني، وهي أيضا لن تتخذ أي قرارات تؤثر على أعمالهم واستثماراتهم إلا من خلال التنسيق والتشاور معهم، كما أنها حريصة على مراجعة كل القرارات من أجل تهيئة الظروف الملائمة لتطوير الحركة التجارية في المملكة». وهذا الدعم مرتبط بمصالح الشعب، حيث ينبغي «ألا يبخل الجميع بأي جهد من أجل البحرين»، مؤكدا سموه «أن ما نحتاج إليه في المرحلة الحالية هو التحلي بروح المبادرة والإقدام، والسعي إلى تعزيز اقتصاد البحرين وتقدمها». فهل تمكنت الغرفة من الارتقاء بدورها لمستوى مرئيات سمو الأمير في دورها الوطني والتنموي؟ ليس هذا فقط، بل إن لسمو الأمير مواقف عديدة مشهودة لدعم الغرفة ومساعدتها على النهوض، فحينما كادت تعصف تداعيات المؤامرة والأزمة السياسية التي تعرضت لها البلاد بعد 14 فبراير 2011 بمجلس إدارة الغرفة الأسبق وتربك نشاطه، فما كان من سموه إلا أن استقبل أعضاء مجلس إدارتها ليزودهم بتوجيهاته الواضحة التي تنطلق من حكمته المعهودة وعمق تحليله لمجريات الأمور من جانب، ورعايته واحتضانه للغرفة والقطاع التجاري بكل مكوناته وشرائحه وانتماءات أعضائه من جانب آخر. فجاءت توجيهاته معبرة أصدق تعبير عن ذلك، حيث أكد سموه «ضرورة النأي بالغرفة عن أي تجاذبات سياسية، فهي بيت لجميع التجار والثقة فيهم كبيرة في الحفاظ على مسيرتها وانطلاقتها»، داعيا إلى «ضرورة تكاتف الجهود وتكاملها لتستمر غرفة تجارة وصناعة البحرين في تأدية رسالتها ومواصلة دورها المهني في خدمة رجال وسيدات الأعمال ولتظل مستمرة في دورها كمحرك ومحفز لتطوير الأعمال والنمو الاقتصادي وجعل البحرين الوجهة المفضلة للاستثمار وفي تعزيز التواصل بين قطاع المال والأعمال والجهات الرسمية». وبناء عليه نقول إن التحدي الأكبر أمام مجلس الإدارة الجديد يتمثل بقدرته على استلهام ومواكبة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، والتعاون مع الحكومة ممثلة برئيس مجلس الوزراء الموقر، الذي يرغب في أن تكون الغرفة كيانا تنمويا شامخا، يعبر أصدق تعبير عن مصالح القطاع التجاري بكل مكوناته والتي تنبع من إحساس مرهف بحاجات المواطنين وتطلعاتهم المعيشية، والتي ترتبط تمام الارتباط بتحريك عجلة الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر دخله وإيجاد أوسع الفرص الوظيفية لتشغيل موارده البشرية. كما أن التحدي الآخر الذي يواجه مجلس الإدارة الجديد هو كيفية تصحيح انطباعات القطاع الأكبر من صغار التجار بخاصة عن دور وأهمية الغرفة، والذي انعكس في تدني نسبة مساهمتهم في انتخابات الغرفة (21.5%) فقط. وختاما نقول إن أمام مجلس الإدارة الحالي محطة اختبار مهمة جدا تتمثل في مدى قدرته على إيقاف تنفيذ قرار فرض الرسوم على نشاطات السجلات التجارية الذي سينفذ اعتبارا من شهر أبريل القادم، فإن نجح في ذلك وأظهر مقدرة على إدارة تصحيح قرار يلحق الضرر بقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة فإنه سيحسب له، وسيكون ذلك بمثابة جواز سفر للدخول في مشروعات تصحيح مسار الغرفة وإعادة ترميم وهيكلة بيت التجار، وإننا نعتقد أن الزملاء في مجلس إدارة الغرفة لجديرون بتحمل المسؤولية في مرحلة هي الأصعب على الصعد التنظيمية المهنية كما هي على الصعيد الاقتصادي والمالي الوطني، لما يمتلكونه من خبرات مهنية عامرة، ووعي وطني ثري، وإرادة مؤمنة بالتغيير والإصلاح. * أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :