ظلت الكتابات التاريخية لصيقة بالشخصيات الكبيرة والقيادات المؤثرة في حركة المجتمع والدول ويكتب عنهم هؤلاء الكتاب والمفكرين، ولكن السؤال: هل للمهمشين تاريخ؟ وهل بإمكانهم أن يدونوا تاريخا لغيرهم؟ فهل نجد مثلا تاريخا للحقبة الناصرية بألسنة العامة والمهمشين بدلا من الباحثين والمؤرخين؟ بالطبع يلقي الضوء على تلك الأسئلة هؤلاء المهمومين بقضايا الاجتماع وفلسفة التجمعات البشرية التي تشهد تطورات سياسية واقتصادية تؤثر فيهم فيحكوا القصص أو يضفروا الحقائق بالأساطير ويبتدعوا الأمثال الشعبية والنكات الساخرة، هذه الدراسات التي تهتم بوعي الطبقات المتدنية والجماهير المهمشة من حركة الدراسات قديما باتت محل اهتمام كبير ولقد ركز عليها كثيرا المفكر الراحل السيد ياسين بل وناقش الصعوبات التي تقف أمام هذه المحاولات. أبرز تلك الصعوبات تتمثل في عملية الرجوع للوراء، فهذا أمر تحوطه الصعوبات والنسيان ورحيل الناس الحفظة، وتغيب الوثائق بصورة كبيرة، ومن الصعوبات تلك الأسئلة مثل: ما الذى يمكن أن نفعله بهذا التاريخ حتى لو نجحنا فى كتابته؟ وهو تاريخ غير رسمي لا يعتمد على مناهج التاريخ المعروفة وادواته البحثية، لكنهامحاولة لإنطاق البسطاء ممن أخرسهم المؤرخون الرسميون وتحدثوا باسمهم فهمشوهم بهدف تمجيد القادة الأفراد. وعن هذه الكتابات قال "ياسين" إنه أصبح هذا المنظور التاريخى له جاذبية خاصة وخصوصا لشباب المؤرخين الذى يطمحون إلى فتح آفاق جديدة لعلم التاريخ، وطرق ميادين بحث مستحدثة، وقبل ذلك حكاية تاريخ الناس البسطاء من النساء والرجال الذين تم تجاهلهم في الكتابات التاريخية التقليدية. ولا يعني ذلك أن هذا المنظور الجديد لا يواجه مشكلات متعددة في التطبيق، فالعكس هو الصحيح. ولعل أهم هذه المشكلات هو مدى صحة الأدلة التي يتوصل إليها المؤرخ الجديد في ضوء المادة التاريخية الأصلية.
مشاركة :