منذ الانقلاب العسكرى فى مصر فى يوليو 2017 ,دأب الاسلاميون على توبيخ وتشنيع الشعب المصرى وكيل الاتهامات له ,فتارة يصفونه بالمتخاذل وتارة أخرى يصفونه ب(عبد البيادة) فى إشارة إلى رضوخه للحكم العسكرى ,وعلى الرغم من مرور 5 أعوام على الإنقلاب العسكرى إلا أن تلك النظرة لاتزال هى السائدة عند جموع الإسلاميين وهى نظرة قد يجافيها الصواب من جوانب عدة. وقع الإسلاميون فى خطأ إطلاق أحكام تعميمية تضع جميع أطياف الشعب الذى تجاوز تعداده المائة مليون نسمة فى سلة واحدة متجاهلين أن ذلك الشعب هو عينه من ثار على مبارك فى عام 2011 ,نعم انتظر وصبر الشعب كثيرا على فساده واستبداده لكنه فى النهاية قام بالثورة عليه مسطرا صفحة بيضاء فى تاريخه,وهو الشعب عينه الذى صوت لصالح الإسلاميين فى كافة الإستحقاقات الإنتخابية بدءا من الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011 حيث شارك فيه 18 مليون ناخب من أصل 45 مليون مسجلين فى قوائم النتخاب ما شكل نسبة مشاركة تعدت 41% فى حين انتهى الاستفتاء بتمرير التعديلات بنسبة 77% (1) وهى التعديلات التى حشد الإسلاميون لها بقوة من أجل الموافقة عليها. تلا ذلك الاستفتاء الإنتخابات البرلمانية والتى حازت خلالها الأحزاب الإسلامية على أصوات مايقارب 19 مليون ناخب من إجمالى أعداد الناخبين المشاركين والذى بلغ عددهم 28 مليون ناخب بنسبة 54% وهى النسبة الأكبر فى تاريخ المشاركات الشعبية فى الاستحقاقات الإنتخابية ,حيث حصل حزب الحرية والعدالة (إخوان مسلمين) وحده على 47% من مقاعد البرلمان (3) كان اخر تلك الإستحقاقات الانتخابات الرئاسية التى صعدت بأول رئيس مدنى منتخب إلى سدة الحكم فى مصر ,حيث شارك فى تلك الانتخابات مانسبته 52% من إجمالى عدد الناخبين فى حين فاز الدكتور مرسى بنسبة 51.7% متفوقا على أحمد شفيق. لم يقف الأمر عند الاستحقاقات الانتخابية فحسب ,فلقد شاركت أطياف واسعة من الشعب فى التظاهرات والفاعليات الرافضة للإنقلاب العسكرى وقدم الكثير منهم تضحيات واسعة وهؤلاء كانوا من خارج الإطار التنظيمى للإخوان . تتسم نظرة الإسلاميين تلك بالمحدودية فى التفكير ,فالشعب الصرى لم يجد الظروف الملائمة والمناسبة التى تجعله مؤهلا للتعاطى مع المتغيرات التى حدثت بعد ثورة يناير ومرد ذلك إلى الحكم العسكرى الذى يرزح تحت نيره الشعب منذ عام 1952 ,حيث تعرض الشعب لحملات منظمة من أجل افقاره وتجهيله وإشغاله بحياته اليومية وتوفير احتياجاته الأساسية حتى لاينشغل بأمور السياسة ,وحتى مع تلك الظروف فحينما أتيحت له الأجواء للتعبير عن رأيه كان على الموعد حيث امتلك الشعب ارادة التغيير ولكن من تصدر لقيادته قام بخذلانه. إذا كان الإسلاميون يسبون الشعب ليل نهار ,فلماذا إذن يسعون إلى حكمه؟!,هم بذلك يمارسون نفس ممارسات إعلام السيسى الذى يتعمد الحط من قدر الشعب وتوبيخه ولومه على كل صغيرة وكبيرة تحدث فى طول البلاد وعرضها ,ولكن يمكن تفسير ذلك فى إطار نفسى ,حيث تلجأ التنظيمات والجماعات بعد الهزائم الكبرى إلى إلقاء اللوم على العوامل الخارجية دون أى اعتبار للعوامل الداخلية التى كانت سببا فى هزيمتها وذلك بهف التنصل والهروب من مسؤولياتها أمام أفرادها . يدلل الاسلاميون على نظرتهم الضيقة تلك ببعض الأقوال التاريخية العارية عن الصحة كادعاء الرسالة التى أرسلها سيدنا عمرو بن العاص إلى سيدنا عمر بن الخطاب واصفا حال الشعب المصرى قائلا فيها: أرضها ذهب,ونساؤها لعب ,ورجالها من غلب ,وأهلها تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا .وهو قول عار تماما عن الصحة التاريخية (4) متجاهلين اقوالا تاريخية أخرى أكثر دقة فى التعبير عن حال الشعب المصرى كوصف ابن خلدون له عند زيارته لمصر . ذلك وإن دل على شىء ,فانه يدل على عدم فهم الإسلاميين لسيكولوجية المصريين. لايتورع الإسلاميون فى خطابهم الموجه إلى الشعب عن الشماتة والتشفى مع كل نازلة تنزل بالصريين ومع كل قرار إقتصادى يثقل من كاهل المواطنين متصورين أن مايحدث هو عقاب إلهى جماعى للشعب لأنه لم يقف أمام الدبابة ويعيد الدكتور مرسى إلى سدة الحكم من جديد!! وهو تصور وتفكير ملازم لأفراد التنظيمات والجماعات فى مرحلة مابعد الهزائم الكبرى. إذا أراد الاسلاميون (العودة من جديد) فعليهم صياغة رؤية جديدة لعلاقتهم وتصورهم عن الشعب ,رؤية تراه ضحية لا جلادا ,مجنيا عليه لاجان,لأن الشعب بالفعل لم يجد من يحنو عليه,عليهم أن يلتحموا بالشعب وأن يتبنوا مشاكلهم وهمومهم وأن يكونوا الصوت المعبر عن قضاياه كما كانوا يفعلون دوما إبان حقبة مبارك ,ففى نهاية الأمر لن يكتب النجاح لأى حزب أو حركة سياسية دون وجود حاضنة شعبية داعمة . يجب على الاسلاميين ألا يضعوا الشعب المغلوب على أمره بين شقى الرحى وألا يضعوه بين سندانهم وبين مطرقة العسكر. الهوامش : 1 - 2- 3- 4- ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست عربي لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :