مكة – ( تصوير ) راشد الدوسري دشن ” د.جزاع بن فرحان الشمري ” كتابه الدي يتناول بالدراسة النقدية الإشكاليات النظرية المتصلة بجنس السيرة الذاتية عامة والسيرة الذاتية السعودية خاصة، وما يقوم عليه من مقومات جمالية ودلالية, وما يستند عليه هذا الجنس من آليات كتابة سردية عامة والسيرة الذاتية السعودية خاصة, وهي جنس أدبي يعد حديث النشأة في خارطة الأدب السعودي المعاصر, إذ تعود أولى نماذجه إلى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين بظهور نص “أبو زامل” لأحمد السباعي, إلا أنها بقية محتشمة من حيث تواترها النصي على مدى الخمسينيات والستينيات قبل أن تشهد بداية تواترها الكمّي منذ مطلع السبعينيات إلى اليوم. وهو جنس أدبي كشف مشهده عن ممارسة جيلين من الكتّاب والمثقفين له, جيل تقليدي أسهم في مرحلة التأسيس, وأصدر نصوصه عن وعي محدود بشروط هذا الجنس الأدبي النظرية وآلياته الإجرائية, مايعلل مظاهر القصور الفني التي وسمت نصوص هذه المرحلة في بنية الحكاية كما في بنية خطابها, وحتى في لغتها وأسلوبها, كذلك في مقصديتها من الكتابة عن الذات, وتأثرها بنماذج السير الذاتية العربية, مثل: الأيام لطه حسين, وحياتي لأحمد أمين, وغيرها من نصوص التأسيس في الأدب العربي الحديث. أما الجيل الجديد فكتابه من خريجي الجامعات السعودية, والجامعات العربية والغربية, ويلاحظ أنهم يمارسون الكتابة عن الذات بأفق حداثي منفتح على الثقافات العربية والغربية وتحولاتها, ما جعل نصوصهم السيرذاتية تمتلك شروط الوعي بها جنساً أدبياً وبآليات إنشائها, هذا التباين كان نتاج تباين الثقافة بين الجيلين في المستوى الجمالي والدلالي. وقد توصل البحث في مقاربة ماهية الجنس الأدبي ومفهومه عامة, وجنس السيرة الذاتية خاصة, والسيرة الذاتية السعودية بوجه أخص إلى العديد من النتائج, أهمها: – إن البحث في ماهية الجنس الأدبي ومفهومه, يعد إشكالية ومدار جدل متجدد منذ تأسيسه عند الإغريق حتى في النقدين المعاصرين الغربي والعربي, لا مؤشرات دالة على حسمه, مع تراكم المقاربات التي تناولته وعالجت حدوده النظرية, هذه المقاربات أكدت ديناميته, وامتناعه عن الحد؛ بوصفه جنساً لا يستقر على حال. – سعى البحث إلى كشف أجناسية السيرة الذاتية وطابعها الإشكالي الذي يتجلى في تعدد إشكالياتها النظرية وتنوعها, هذا التعدد جعلها مدار جدل بين النقاد والباحثين الغربيين مثل: فيليب لوجون, وجورج ماي, وجورج غوسدوروف, كما وسم هذا الجدال جهود النقاد والباحثين العرب, مثل: عبدالقادر الشاوي, وجليلة الطريطر, ومحمد الباردي, وغيرهم, ما أكدت تلك الجهود الهوية الملتبسة لجنس السيرة الذاتية, هذا الالتباس كشف صعوبة وضع الحد لهذا الجنس الأدبي. – حداثة نشأة جنس السيرة الذاتية السعودية في خارطة الأدب العربي السعودي المعاصر, وهو الجنس الذي شهد بداية ظهوره في منتصف خمسينيات القرن الماضي بنماذج قليلة حتى نهاية تراكم النصوص السيرذاتية مطلع السبعينيات, هذا التراكم دال على تحوله إلى ظاهرة أدبية ومجال إبداع جذب إليه الكتّاب والمبدعين على اختلاف مجالات نشاطهم. – انبناء جنس السيرة الذاتية عامة, والسيرة الذاتية خاصة علاقة التفاعل الأجناسية بين السيرة الذاتية والأجناس الأخرى, الأدبية منها الرواية والشعر والرحلة, والفنون كالتاريخ. وقد مثّل هذا التداخل إشكالا بالنسبة لدارسي السيرة الذاتية يحول دون ضبط حدودها جنساً أدبياً مستقلاً يتوفر على خصوصيته مقارنة بغيره من الأجناس الأدبية السردية التخييلية كالرواية. – اهتمت فاتحة الدراسة الإنشائية لمدونة السيرة الذاتية السعودية بدراسة العتبات النصية الخارجية المثبتة على اللافتة الأجناسية للغلاف والمتمثلة في هُوية المؤلَف والهوية الأجناسية للنص, وعتبة العنوان, فضلاً عن عتبة الصورة/اللوحة, وكذلك العتبات الداخلية كالإهداء والعناوين الفرعية ومايتضمنه بعضها من تصديرات متنوعة الروافد, وهي عتبات تمثل عوالم مضيئة للنصوص ومتونها الحكائية وخطاباتها, كما أنها تسهم في الكشف عن العلامات الدالة على خصوصية النص السيرذاتي, فضلاً عن تحديد هويتها الأجناسية خاصة إذا تقصد الكاتب عدم إثباتها على الغلاف في بعض نصوص المدونة التي جاءت خالية من تحديد الهوية الأجناسية, إلا أن متونها الحكائية كشفت عن تلك الهوية, تقصد الكتّاب إغفالها؛ خوفاً من تجاوز القيم الدينية والأعراف الاجتماعية التي يحتكم إليها المجتمع السعودي خاصة. – يحضر الفضاء في النص السيرذاتي السعودي في صور متعددة؛ بوصفه فضاء متعدداً ومتنوعاً, يعمد كتّاب السيرة الذاتية إلى إعادة تشكيله عبر الاشتغال المكثف على الذاكرة, فهو الموطن/ المكان الجغرافي الذي يحرص الكاتب على رسم تضاريسه سواء كان في الصحراء مولد الذات الكاتب وطفولته أو الحي والحارة في المدينة, أو أماكن الانتقال للاستقرار في المدن للدراسة والعمل, أو أماكن مغادرة الوطن إلى بلاد عربية وأجنبية كمصر والولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا والهند وغيرها؛ لاستكمال دراساتهم ثم العودة إلى الوطن لشغل الوظيفة في شتى مجالات العمل. – العلاقة بين الفضاء والفواعل تتجاوز الوظيفة التزيينية إلى الوظيفة الإنشائية, من خلال وظيفة الفاعل المؤثرة في فواعل النص السيرذاتي السعودي؛ كون الذات هي مدار فواعل النص السيرذاتي التي تستمد من المكان سماتها الشخصية, ويحدد مسار الذات فاعلاً وسائر فواعل النص السيرذاتي, فهي تتمثل المكان من خلال تأمله أو الحلم به. – إن إنشائية المكان في نصوص السيرة الذاتية السعودية تتجلى في انبنائه على التقاطبات الثنائية بين الأمكنة المغلقة والأمكنة المفتوحة, والمكان الإجباري والمكان الاختياري, وأماكن الاستقرار والانتقال, وأماكن الطبيعة والمدن, كل تلك التقاطبات تسهم في كشف الذات فاعلاً رئيساً وسائر الفواعل التي تدور حول مركزية الذات, كذلك الأعمال التي تتولى الذات إنجازها في نظام مقاطعها. – إن الفواعل في نصوص السيرة الذاتية السعودية تستمد وجودها من العلاقات التي تجمعها بالذات/ الفاعل الرئيس والمركز؛ كونها موضوع السرد, وهو المفهوم الذي استبدل به “غريماس” مفهوم الشخصيات, الذي حدد الفواعل في الذات والموضوع والمرسل والمرسل إليه والمساعد والمعارض, بحكم تعامله مع الشخصية فاعلاً ينجز وظيفة في الحكاية. – الفواعل في نصوص السيرة الذاتية تتجلى في انبنائها على ثلاث تقاطبات, هي: الذات والموضوع, والمرسل والمرسل إليه, والمساعد والمعارض, تقوم على ثلاث علاقات, هي: الرغبة, والتواصل, والصراع, تلك الفواعل تجلت في النماذج السيرذاتية التي تناولتها في التحليل في ضوء برنامجها السردي القائم على الإيعاز والكفاءة والإنجاز والجزاء, وهي العناصر التي أقام عليها غريماس نظريته في العوامل. كل تلك الفواعل تدور حول فاعل الذات الرئيس والمركز. – خضع نظام الأعمال ومقاطعها في نصوص السيرة الذاتية السعودية إلى نظام التسلسل القائم على تعاقبها الزمني, وعلى نظام التداخل, وقد كشف هذا النظام عن تمحور الأعمال حول الذات: ساردة وشخصية, وراوية وموضوع رواية, إذ تمثل هذه الذات منطلق الأعمال المسرودة والمستعادة عبر الاشتغال على تقنية التذكر. – إن نظام الخطاب السيرذاتي السعودي الراوي والمروي هو كأي نظام خطاب سردي يتشكل من راوِ/سارد وهو الشخصية المركز التي تدور في فلكه سائر شخصيات النص السيرذاتي, ومن مروي هو موضوع الحكاية ومداره الذات, ومروي له يجسد قارئ النص ومتلقيه. – تتعدد صور حضور الراوي/ السارد في نصوص السيرة الذاتية السعودية, يُذكر صراحة فيكون ذا هوية حقيقية تدل على ذات المؤلف المرجعية, مثلما نجده في سيرة “حكاية الفتى مفتاح” لعبدالفتاح أبو مدين, وسيرة “عشت سعيداً من الدرجة إلى الطائرة” لعبدالله السعدون, وسيرة “التحول” لمسعد العطوي, وغيرها من النماذج, وقد يكون ذا هوية متخيلة, حيث لايحيل اسمه على المسمى الحقيقي للمؤلف وإنما هو من إنشاء ذات الكاتب, تكشفه لنا الوقائع والأحداث في النص, فضلاً عن كشف ضمير المتكلم الذي يستخدمه كتّاب السيرة الذاتية السعودية, الذي يوهم بالتطابق بين الذات الساردة والذات الموضوع, وهو في الحقيقة تشابه, لأن الشخصية المركزية هي شخصية نصية ورقية لغوية مثلما نجده في سيرة “سيف بن أعطى” لفيصل أكرم, وسيرة “سيرة الحب” لهند عبدالرزاق, وسيرة “فرايبوغ رقة العزلة” للهنوف الدغيشم, وغيرها من النماذج. – تنبني الصيغة السردية في نصوص السيرة الذاتية السعودية على ثلاثة محاور: السرد, وهو سرد متعدد ومتنوع منه السرد بضمير المتكلم في أغلب نصوص المدونة, والسرد بضمير الغائب, والسرد بضمير المتكلم, ثم الوصف في أشكاله, ومايضطلع به من وظائف في إنشاء عوالم النص السيرذاتي, ثم الحوار الذي تتعدد أنواعه داخل النص السيرذاتي, بين المباشر وغير المباشر والداخلي, وهيمنة المسرود الذاتي –الباطني- الذي كشف بواطن الشخصية وانفعالاتها النفسية وهواجسها وأحلامها. – إن التناص القائم على تعالق النصوص والفنون مع بعضها البعض وتفاعلها في إنشاء النص السردي عامة, والنص السيرذاتي السعودي خاصة, الذي يكشف عن اشتغال كتّابها على هذه التقنية في إنشاء نصوصهم, تجسد فعالية نصية وإنتاجية جمالية ودلالية, في ضوء نظريات التناص التي بلورها النقاد, مثل: ميخائيل باختين في الحوارية وتعدد الأصوات, وجوليا كريستيفا في نظرية النص, وجيرار جينيت في التعاليات النصية التي تضع نصاً ما في علاقة صريحة أو خفية لنصوص أخرى. – يتجلى التناص في نصوص مدونة السير الذاتية السعودية في آليات متعددة, هي: الاستنساخ, والأسلبة, والتهجين, والحواشي النصية, وتتعدد المستنسخات النصية في الكتابة السيرذاتية السعودية وتتنوع مصادرها, بين الدينية والشعرية والفلسفية والتراثية والسينما وغيرها, كل ذلك يكشف عن تنوع وانفتاح كتّاب السيرة الذاتية على الثقافات العربية والغربية والأفكار الفلسفية والآداب وغيرها. – يتنوع حضور الأسلبة في العديد من نصوص السيرة الذاتية السعودية كما التهجين للغة والحواشي النصية, التي تشرح للقارئ الغامض من عباراته الدارجة في اللهجات المحلية والعربية والفصيحة في آن واحد. إن هذا البحث “أجناسية السيرة الذاتية السعودية: دراسة إنشائية” لم يتحقق بصورته المتواضعة هذه, إلا بتوفيق من الله أولاً, ثم بدعوات كريمة من والديّ حفظهم الله ثانياً, ثم بتوجيهات وإرشادات ومتابعة أساتذي الكرام الدكتور عبدالله الحيدري مشرفاً, والأستاذ الدكتور محمد القاضي مقترحاً وموجها, فلهم مني وافر الشكر وأجزله, وجزاهم الله عني خير الجزاء. إن هذا البحث يمثل اللبنة الأولى في مسيرة الباحث ومشروعه في السرد السعودي المعاصر عامة, وجنس السيرة الذاتية خاصة, الذي يبقى بحاجة إلى مزيد من الدرس النقدي والأكاديمي؛ خاصة في ظل تراكم النصوص السيرذاتية السعودية الصادرة في المرحلة الأخيرة التي لا تزال تصدر إلى هذا اليوم, فهي تبقى مجال بحث ومقاربة نقدية أكاديمية, لذلك أوصي الدارسين والباحثين بمقترحات وموضوعات, يمكن تناولها بالدرس, ولم تعالجها هذه الدراسة, منها: 1- شعرية اللغة والأسلوب في السيرة الذاتية السعودية. 2- الحوارية وتعدد الأصوات في السيرة الذاتية السعودية. 3- المرجع والمتخيل في خطاب السيرة الذاتية السعودية. 4- شعرية المكان في السيرة الذاتية السعودية.د.جزاع بن فرحان الشمري أستاذ الأدب والنقد المساعد – كلية الآداب والفنون- جامعة حائل.wwlh002009@gmail.com
مشاركة :