عيون وآذان (لبنان وأزمة طويلة الأمد)

  • 9/13/2013
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

كل لبناني رأيت الأسبوع الماضي وقلت له: أهلاً أو مرحباً، ردَّ يسألني: شو راح يصير؟ لا أعرف الجواب ولكن أعرف أن لبنان يختنق. سواء كانت هناك يدان تطبقان على عنقه، أو وسادة تضغط على وجهه وهو يغفو في سرير لا فرق، إذ يبدو أن له عدواً من ذاته. أعرف ما أرى، ولبنان جميل، أو سويسرا الشرق كما كنا نسمع صغاراً، إلا أن فيه أشياء غير جميلة أبداً. بين متجر وآخر في أسواق المدينة هناك متجر مغلق. والمتاجر المفتوحة أشباح مما كنا نعرف فلا زبائن ولا تجارة. التاجر الذي لا يستطيع دفع الأقساط المستحِقّة تتراكم عليه الفوائد البنكية حتى يفلس. والإفلاسات كما أسمع يومية، ولكن لا إحصاءات دقيقة أو أرقام. مع تردّي الاقتصاد، حتى لا أقول انهياره، اللبناني القادر على الهجرة هاجر، وهو عادة يأخذ أسرته معه. ولا تبقى غير قلة من المتعلمين القادرين الناجحين تدافع عن مصالح مرتبطة بأرض لبنان، وغالبية من الفقراء والمساكين غير المتعلمين تجلس بانتظار الفرج من ربنا. رأيت مبانيَ قيد الإنشاء توقف العمل فيها، ورأيت مباني جميلة اكتمل بناؤها خالية من السكان. ورأيت حفراً لبناء تجمعت فيها المياه. في فندق على البحر ارتبط اسمه بلبنان جلست مع أخي وحيدَيْن في مقهى الفندق حول بركة ماء، وقربنا ستة شباب لخدمتنا. حتى «البويَجي» لم يعد يأتي فلا أحذية يمسحها. عندما كنت صغيراً كان الكويتيون في بحمدون والسعوديون في عاليه، وهم عادوا بعد حرب السنوات الخمس عشرة ومعهم أهل الخليج جميعاً والمصريون وبعض الأوروبيين. وأصبحنا نرى خليجيين يأتون فقط لقضاء نهاية الأسبوع ونسعد بهم. الآن تمنع دول الخليج مواطنيها من السفر إلى لبنان. لا أحد يريد أن يذهب في سياحة مع خطر أن ينتهي مخطوفاً ودولته تطالَب بفدية. ثلاثة أيام في بيروت الأسبوع الماضي رأيت خلالها سيدة كويتية واحدة مع والدتها، سلمت عليّ وسألتني ماذا سيحدث، وسألتها كيف جاءت إلى لبنان، ابتسمت وقالت إن عندها «واسطة». بعضنا يضحك على نفسه وعلى الناس، فالوضع ليس عابراً البتة، ولن ينتهي بانتهاء أسبابه، وإنما ستبقى نتائجه معنا أجيالاً. بعض أهلنا العرب اشترى بيتاً في لبنان أو شقة، ولم يعد يأتي. بعض كان يريد أن يشتري وتوقف. بعض آخر يتمنى لو أنه لم يشترِ ويريد أن يبيع، بخسارة طبعاً، لو استطاع. أهم من ذلك كثيراً النتائج البعيدة المدى، فالعربي الذي لم يعد قادراً على زيارة لبنان أصبح يذهب إلى بلدان أخرى في نهاية الأسبوع أو لقضاء الصيف. مرة أخرى أتكلم عمّا أرى وأعرف، فعرب قادرون يشترون الآن شققاً في لندن أو باريس، وعرب أقل قدرة يشترون في إسطنبول، والساحل التركي الجنوبي، في بلدات مثل فتحية ومرمريس وبودروم. الأسعار في غرب أوروبا مرتفعة وللأثرياء، إلا أنها في تركيا دون الأسعار في لبنان كثيراً، والمواطن العربي الذي اشترى هناك سكناً لأهله في الإجازة لن يعود إلى لبنان بمجرد أن نقول له أنه لن يُخطَف أو تُسَاء معاملته. ثمة شيء غامض في الأزمة اللبنانية المستمرة، ربما سببه طول الإقامة في الخارج، وربما كان بين القراء مَنْ يعرف كيف يفسره. لبنان لم يحكمه الإخوان المسلمون سنة ليدمروا البيت على رأس أهله. بعض رجال الحكم فيه خبراء حكماء، والرئيس ميشال سليمان منهم ويذكرني أحياناً باللواء فؤاد شهاب، وكذلك رئيس الوزراء نجيب ميقاتي فهو ذكي حذر بعيد عن الخطأ الواضح الفاضح. أما رئيس الوزراء المكلف تمام سلام فأعرفه من أيام الجامعة وأتجاوز البيت السياسي العريق لأقول إن الذي لا يستطيع التعامل مع تمام لا يستطيع التعامل مع أحد. ثم هناك الرئيس نبيه بري، وهو من أكثر السياسيين اللبنانيين خبرة وحنكة وله قدرة واضحة على التعامل مع جميع الناس. مَنْ المتهَّم؟ ليس عندي أدلة ثبوتية، فكل ما أقول على أساس معرفتي الشخصية هو إن لبنان يختنق ويحتاج إلى الخروج بسرعة من أزماته الحالية، أو تبقى النتائج معنا أجيالاً.   khazen@alhayat.com

مشاركة :