قبل سنتين وقعت كل من بروكسل وأنقرة اتفاقية للحد من تدفق اللاجئين من السواحل التركية إلى أبواب الاتحاد الأوروبي. علامَ تنص الاتفاقية وماذا طُبق منها؟ وكيف يراها طرفاها اليوم؟ أكدت الحكومة الألمانية أن ميثاق اللاجئين الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا قبل عامين قد حقق الهدف من ورائه، وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت اليوم الاثنين (19 آذار/مارس 2018) في برلين: "لقد نجحنا من خلال هذه الاتفاقية في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة بشكل فعال". وأشار زايبرت إلى أن عدد اللاجئين القادمين عبر المضيق البحري بين تركيا واليونان تراجع بشكل واضح منذ إبرام الاتفاق مضيفاً أن الوضع المالي للاجئين الذين يزيد عددهم عن مليوني وخاصة اللاجئين السوريين قد تحسن "وكان هذا ولا يزال هو الهدف من وراء الاتفاق". غير أن الاتفاقية لم تحول دون غرق 16 شخصاً بينهم ستة أطفال لقوا مصرعهم وفقدان ثلاثة آخرين السبت الماضي في حادث غرق جديد على طريق الهجرة عبر بحر إيجه، وحادث الغرق هذا هو أكبر مأساة في المنطقة منذ توقيع الاتفاقية. أرقام وحقائق حسب الاتفاقية تلتزم تركيا باستقبال كل لاجئ وصل منذ 20 آذار/مارس 2016 إلى اليونان، وفي المقابل يلتزم الاتحاد باستقبال لاجئ سوري شرعي بدلاً عن كل لاجئ يتم إعادته إلى تركيا وتمويل مساعدات للاجئين الذين يعيشون في تركيا. وفي التطبيق لم يتم إعادة إلا 1564 لاجئاً خلال العامين المنصرمين، في حين تم قبول 12489 لاجئ سوري من تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، كانت حصة ألمانيا منهم 4313 شخصاً. وتعتبر الإجراءات البطيئة، المعمول بها في اليونان لإعادة اللاجئين غير الشرعيين لتركيا، من أسباب انخفاض أعداد اللاجئين الذين تتم إعادتهم لتركيا. وقال دميتريس أفرامبولوس، المفوض الأوروبي المسؤول عن سياسة اللاجئين، معلقاً على ذلك إن على السلطات اليونانية أن تعزز جهودها في ضوء البيان الأوروبي التركي وأن توفر الموارد الملائمة لضمان إعادة المهاجرين بشكل فعال لتركيا". وأدت الاتفاقية إلى تراجع كبير في حركة تدفق المهاجرين ولو أنه لا يزال يسجل وصول مئات المهاجرين في الشهر، وإلى خفض حصيلة حوادث الغرق بعدما قضى أكثر من ألف مهاجر بينهم العديد من الأطفال في بحر إيجه في 2015 و2016. يندد المدافعون عن حقوق الإنسان بـ"ظروف احتجاز اللاجئين في اليونان". "على حساب اللاجئين" وتعرضت الاتفاقية إلى الكثير من الانتقادات من أوساط حقوقية؛ إذ أنها أدت إلى احتجاز آلاف المهاجرين في الجزر اليونانية في ظروف يندد بها المدافعون عن اللاجئين، وقد أثار وجودهم توتراً مع سكان الجزر. وأحدث الانتقادات جاءت اليوم من منظمة أطباء بلا حدود، التي قال الرئيس التنفيذي لها اليوم في برلين: "فشل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء من الناحية الإنسانية". وأردف أن أول الفاشلين هي "الحكومة الألمانية"، مضيفاً أن تلك الاتفاقية جاءت "بشكل كبير على حساب اللاجئين". اتهامات متبادلة حسب الأمم المتحدة يعيش في تركيا نحو ثلاثة ملايين لاجئ، بينما تقول تركيا أن الرقم ارتفع مؤخراً ليصل إلى 3.5 مليوناً. وتهدد تركيا بين الحين والآخر بإلغاء الاتفاقية على خلفية "عدم دفع المبلغ المتفق عليه وعدم إلغاء الفيزا المفروضة على المواطنين الأتراك الراغبين بالسفر إلى الاتحاد الأوروبي. بموجب الاتفاقية وعد الاتحاد الأوروبي بدفع مبلغ 6 مليار دولار لتركيا، على أن تذهب تلك الأموال لدعم مشاريع يستفيد منها اللاجئون السوريون في تركيا. وتقول المفوضية الأوروبية إن الثلاث مليارات يورو المدفوعة تم بها تمويل تعليم نصف مليون طفل. هذا في حين تقول أنقرة إنها لم يُدفع لها حتى الآن إلا مليار و850 ألف يورو وأن تلك الأموال لا تذهب إلى خزينة الدولة التركية. ويقول الخبير في سياسة اللجوء والأستاذ الجامعي التركي باشاك يافكان أن الكثير من المال المدفوع يذهب إلى المصاريف الإدارية لمنظمات المجتمع المدني الدولية العاملة في تركيا على رعايا اللاجئين، ومن هنا يردف الأستاذ التركي في تصريح خاص بـDW: "لا يصل اللاجئين منها إلا النزر اليسير". المفوضية الأوروبية: تحقيق نتائج رغم الصعوبات في التطبيق وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي دعا دميتريس أفرامبولوس، المفوض الأوروبي المسؤول عن سياسة اللاجئين، للتمسك بالاتفاقية رغم الصعوبات في التطبيق. وقال أفرامبولوس في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ): "حققنا، منذ اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع تركيا، انخفاضاً ملحوظاً لرحلات المهاجرين الخطيرة على الحياة في بحر إيجة". كما أشار المفوض الأوروبي إلى أن اللاجئين السوريين في تركيا استفادوا، في الوقت ذاته، من حزمة مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات يورو حتى الآن. وأردف أفرامبولوس: "ندعم الآن أكثر من مليون من اللاجئين السوريين الأكثر تعرضاً للتهديد في تركيا، بعمليات دفع إلكترونية تتم شهرياً". كما أشار أفرامبولوس إلى الإعداد لمشاريع تعليمية لنحو نصف مليون طفل من أبناء اللاجئين السوريين في تركيا. غير أن أفرامبولوس شدد على أن وضع المهاجرين في الجزر اليونانية يحتاج لتحسين، وكذلك أعداد الناس الذين تتم إعادتهم لتركيا بعد أن دخلوا الاتحاد الأوروبي بشكل غير شرعي. صاحب الفكرة يحذر من فشلها ومن جانبه، حذر المستشار السياسي الألماني جيرالد كناوس، صاحب فكرة الاتفاقية، من فشلها. وقال كناوس في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية في إسطنبول إنه على الرغم من أن عدد اللاجئين القادمين عبر بحر إيجة إلى أوروبا تراجع وعلى الرغم من انخفاض عدد القتلى منهم أثناء عبور البحر إلا أن الاتفاقية مهددة بالفشل. وانتقد كناوس أن الإجراءات اليونانية للبت في قبول اللاجئين أو رفضهم تستمر أكثر من اللازم مما يؤدي إلى عدم إعادة الكثير من اللاجئين لتركيا حسبما ينص عليه الاتفاق، وقال: "نحن بحاجة إلى إجراءات بت سريعة ونزيهة بشأن اللاجئين لإعادة اللاجئين بسرعة أو للإسراع في توفير حماية لهم". ورأى المستشار السياسي أن توفر نظام لجوء سريع يجب أن يكون مرتبطاً مع اتفاقية إطارية لاستعادة اللاجئين مع الدول المجاورة للاتحاد الأوروبي أو مع دول المهاجرين نفسها "ولكن ليس هناك أحد في الاتحاد الأوروبي يسعى في ذلك". أضاف كناوس: "طالما لم ينجح ذلك فإن أوروبا ستظل مغناطيساً، فإذا استطاع كل من ينجو ويأتي إلينا البقاء هنا فإن الكثيرين سيحاولون فعل ذلك". وأكد كناوس أنه يرى بالفعل مؤشرات على وجود انهيار محتمل للاتفاقية مع تركيا وقال: "في النصف الأول من عام 2017 قدم لليونان نحو 9000 شخص عبر بحر إيجة وفي النصف الثاني ارتفع هذا العدد مرة أخرى إلى 20 ألف إنسان، التوجه واضح". واعتبر الخبير الألماني الظروف المعيشية في مخيمات اللاجئين في الاتحاد الأوروبي "غير مقبولة" وقال إن من يعتقد بأن طريق البلقان مغلق أمام اللاجئين واهم. ويشار إلى أن كناوس يرأس مؤسسة "مبادرة الاستقرار الأوروبية" البحثية المعروفة اختصارا بـ(ESI) والتي تعمل في دعم القرار السياسي والتي أسسها عام 1999. مهاجر نيوز- خالد سلامة(DW، د ب أ، رويترز، أ ف ب، ك ن أ)
مشاركة :