إما المنجم أو الموت في حوض فوسفات تونس

  • 3/21/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تصاعدت حدة الاحتجاجات في منطقة الحوض المنجمي في ولاية قفصة التونسية؛ إذ وصل الأمر ببعض الشباب والنساء إلى ابتكار أشكال جديدة للتعبير عن مطالبهم. ولكن حول ماذا تتمحور تلك المطالب وما هو رد السلطات عليها؟ صورة أرشيفية للاحتجاجات "إما المنجم وإما الهجرة وإما الموت" هذه هي الشعارات التي عبر عنها الشباب التونسي في احتجاجاته اليوم (20مارس/ آذار 2018) وسط تونس. مئات العاطلين عن العمل نصبوا خيامهم في مواقع استخراج الفوسفات وتجمعوا مطالبين بوظائف تكفيهم قوت يومهم، وبخلق مشاريع تنموية في ولاية قفصة (جنوب غرب تونس)، والتي تدر على البلاد عائدات مالية ضخمة. الاحتجاجات بمنطقة الحوض المنجمي لم تهدأ منذ نهاية كانون الثاني/ يناير 2018، إذ بدأت مباشرة بعد الإعلان عن نتائج مسابقة لتوظيف عمال جدد لصالح شركة فوسفات قفصة، التي تشرف على استغلال مناجم الفوسفات بالولاية. وكانت قوات الأمن قد أوقفت، حينذاك، محتجين اثنين، كما أدرجت أسماء عشرات الشبان في قائمة المطلوبين على خلفية الاحتجاجات، وفق ما ذكرته وكالة الأناضول التركية. لكن ذلك لم يوقف أصوات العاطلين عن العمل، الذين أبوا التراجع على مطالبهم حتى تحقيقها على أرض الواقع. وكانت عملية إنتاج الفوسفات قد توقفت لأسابيع بسبب الاحتجاجات لكنها استُأنفت فيما بعد رغم استمرار المطالب بالتوظيف، والذي جعل السلطات تدخل في مواجهات مع المحتجين فيما بعد، وتعجز عن إيقاف موجة الغضب في أرجاء الولاية. ويبدو أن الشباب التونسي لم يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن مطالبه، فلم تتجاوز عدد التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" العشرات؛ منقسمة بين مؤيدين كثر وبعض المعارضين. البطالة حاضرة والتنمية "غائبة"! علي بن مصالة، 25 سنة، واحد من الشباب العاطلين عن العمل في المنطقة. يرى علي أن "الحل هو الهجرة أو الموت أو السجن"، حسب ما أفاد وكالة فرانس برس. الشاب العاطل عن العمل منذ أن ترك المدرسة الثانوية يؤكد قائلاً: "فقط شركة فوسفات قفصة تنشط هنا، ليس لنا تنمية ولا فرص عمل ولا وسائل ترفيه". وتجدر الإشارة إلى أن منطقة الحوض المنجمي واحدة من أفقر المناطق في البلاد رغم وجود مادة الفوسفات، التي تعتبر دعامة أساسية للاقتصاد التونسي. إذ تشكل نسبة البطالة فيهاأكثر من 26 بالمائة من نسبة البطالة في عموم البلد. كما أن المنطقة تعاني من نقص فادح في البنى التحتي، حسب فرانس برس. ويرى مراقبون أن السبب الرئيسي وراء اندلاع وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية في فترات سابقة، التي كان من أبرزها العائدة لعام 2008، هو بقاء المنطقة خارج خارطة التنمية للبلد. مجهودات غير كافية؟ العشرات من النساء ونحو خمسين شاباً من أبناء عمال المناجم يعتصمون في منازل جاهزة استقرت وسط كثبان الفوسفات الخام الرمادي اللون ومطوقين بالشاحنات الثقيلة التي أوقفوها عن العمل منذ ستة أسابيع. تقف بين المعتصمين سعاد (60 عاماً)، وهي ابنة وزوجة عاملين في مناجم الفوسفات. سعاد هي أيضاً غاضبة من الوضع في المنطقة، حيث يبقى أبناؤها الخمسة دون عمل في مناجم وشركة الفوسفات. الستينية تتهم رجال الأعمال والنقابيين بمنح الأولوية لأقاربهم في التوظيف. وفي هذا الإطار، قال وزير الطاقة التونسي خالد قدور، في تصريح سابق، للإذاعة التونسية إن شركة فوسفات تونس لا تستطيع توظيف الجميع. كما كانت الحكومة التونسية قد سعت للتفاوض بهدف إيقاف غضب سكان المنطقة لكنها لم تفلح في ذلك. وقد عقدت الحكومة التونسية يوم الجمعة (16 مارس/ آذار 2018) مجلساً وزارياً بحضور وزير المالية التونسية، رضا شلغوم، للنظر في مطالب المحتجين والرد على اتهام الحكومة بأنها "غائبة" عن المنطقة. لكن قرارات المجلس والتي تضمنت إنشاء محطة لإنتاج الكهرباء، لم تنل إعجاب عدد من السكان الذين اعتبروها "غير كافية". "باريس الصغرى" التونسيون لم يعتمدوا في احتجاجاتهم كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، واتخذوا من مدينة متلوية في الولاية أرضاً للدفاع عن حقوقهم. هذه المدينة التي كانت تُنعت بباريس الصغرى فيما مضى، نظراً لاحتوائها على قاعة سينما ومسبح وملاعب تنس، لم تعد اليوم كذلك، فشباب المنطقة عاطلون عن العمل يتسكعون في الطرقات. كما أن السكان يعانون من تلوث المياه الظاهرة آثاره على أسنانهم، وهو ما أشارت إليه وكالة فرانس برس. وإذا كانت هذه المدينة تضم المواقع الأساسية لاستخراج الفوسفات في تونس، وتساهم بمنتوجها في الترتيب الرابع لتونس عالمياً من حيث إنتاج الفوسفات، فالكاتب العام للشركة؛ علي الخميلي، عبر عن قلقه من الوضع، وقال في تصريح، نقلته عنه وكالة فرانس برس: "منذ الثورة، لم نعد نستطيع إنتاج الكميات التي نطمح لها". كما أكد أن الشركة أنتجت السنة الماضية 4.2 مليون طن بعد أن كان معدل الإنتاج يصل إلى ثمانية ملايين طن سنوياً. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن تواتر الاحتجاجات وانخفاض مستوى الإنتاج ساهما في فقدان تونس لزبائنها العالميين الذين حوّلوا وجهاتهم نحو أسواق أكثر استقراراً. فقد كانت تونس تصدّر ما يقارب 80% من إنتاجها من الفوسفات إلى أكثر من 20 سوقاً خارجية، كالأسواق الآسيوية والأميركية اللاتينية والأوروبية... كما كانت قادرة على تأمين حاجات السوق الداخلية المقدرة بـ20%، بالإضافة إلى توفير 30 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، لكن الإنتاج شهد نوعاً من الانقطاع المستمر بسبب الاحتجاجات.  مريم مرغيش

مشاركة :