تحقيق: هديل عادل أصبح عمل المرأة مهماً جداً لمجتمعها ولأسرتها ولنفسها على حد سواء، ولكن دورها المهني لا يمكن أن يلغي دورها «الأمومي» ومسؤولياتها تجاه أولادها وأسرتها، فأصبحت الأم العاملة تكافح من أجل مواجهة ضغوط الحياة وتحدياتها، واكتسبت مهارات وخبرات تعينها على إدارة حياتها بكفاءة، والسؤال هنا كيف استطاعت الأم العاملة التوفيق بين كيانها المهني ودورها الأُمومي؟.. في السطور التالية قصص أمهات مكافحات أثبتن لأنفسهن ومجتمعهن أنهن قادرات على العطاء بلا حدود مهما كانت التحديات.وجدت ملكية احميدان، معلمة متقاعدة وأم لسبعة أبناء، نفسها بعد وفاة زوجها أمام مسؤولياتها الجسام، وكانت أكبر بناتها لا تتعدى ال18 من عمرها، وأصغرهن لا تتجاوز 4 سنوات، فكانت نموذجاً للأم القوية الصامدة أمام مصاعب الحياة وابتلاءاتها، تحكي ملكية قصتها بعد أن أدت رسالتها بأمانة وإصرار على أن تكون لأبنائها الأم والأب والسند في هذه الحياة، قائلة: قبل أن يتوفى زوجي كنت أعمل معلمة لغة عربية، وكنا نتعاون في تربية أبنائنا وتوفير احتياجاتهم، وكانت وفاته صدمة كبيرة لي، فهو الزوج والأب والسند لنا، ولكني لم أستسلم أمام أحزاني، وتوليت مسؤولياتي، ولم أعتمد على أحد في تلبية احتياجات أبنائي، وكنت حريصة على أن يعيشوا حياة كريمة، وأن أحقق لهم طموحاتهم في الحياة، وكانت المسؤولية كبيرة علي، وكان عملي مصدر دخلي الوحيد حتى تقاعدت قبل عشر سنوات تقريباً، واليوم أصبح ابني الوحيد هو من يتولى مسؤولية تلبية احتياجاتنا المادية، وبعد 25 عاماً على وفاة زوجي، وزواج بناتي أشعر أنني أديت رسالتي في الحياة، وأشكر الله أن أعانني على تحمل مسؤولياتي.هبة محمد، طبيبة وأم لأربعة أطفال، ينتهي عملها في الخامسة مساء، وتعود إلى منزلها وزوجها في الوقت نفسه تقريباً، تقول هبة: بالرغم من أن عملي يتطلب غيابي لساعات طويلة عن بيتي، ولكني لا أفكر في البحث عن عمل آخر، لأنني أحب عملي كثيراً، وأجد في نفسي القدرة على تعويض عائلتي فترة غيابي، بالاستفادة من الساعات المتبقية من يومي، واستثمارها في متابعة شؤون أبنائي، وقضاء وقت ممتع معهم، وترك مهام ترتيب المنزل للخادمة، وأعتقد أن كثيرين مثلي، يعيشون نفس الظروف، لأن واقعنا الجديد يفرض علينا هذا النمط من الحياة، وأصبح معظم الناس يعتمدون على عطلة نهاية الأسبوع في إنعاش حياتهم الأسرية، من خلال قضاء وقت ممتع مع أفراد العائلة، وتلبية احتياجات الأسرة المادية والمعنوية. تتحدث غوية الشامسي، صاحبة محل«نسيم الفل» لتجارة العود والبخور والطيب، عن قصة كفاحها من أجل أسرتها، قائلة: حصلت على رخصة سيدات أعمال أبوظبي منذ 8 سنوات، واستطعت خلالها افتتاح محل دائم لي في سوق الزعفرانة بمدينة العين، بمنحة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبالإضافة إلى هذا المحل أشارك في المهرجانات والمعارض التي يدعوني لها المجلس، ظروفي الشخصية هي التي دفعتني للعمل، حيث إن زوجي رجل متقاعد، ولدينا ثمانية أبناء، وشعرت بضرورة وقوفي إلى جانبه ومساعدته في توفير احتياجات أسرتنا، وبفضل الله استطعت من خلال عملي أن أساهم في تلبية حاجاتنا، وسد جزء كبير من ديوننا، وإلى جانب الفائدة المادية التي حققها لي هذا المشروع، فإنني أعتبر أن لهذه التجربة فضلاً كبيراً في تعودي على الصبر والاعتماد على النفس.استطاعت الدكتورة خولة الكعبي، أستاذة جامعية التوفيق بين كيانها المهني ودورها الأُمومي، بما لديها من مهارات ساعدتها على تنظيم حياتها إلى درجة كبيرة، تقول: أؤمن تماماً أن المرأة قادرة على القيام بمهام عديدة وكثيرة والتنسيق بينها بكفاءة كبيرة، وهي تفوق الرجل في هذا الأمر، وهذه القناعة كانت تدفعني دائماً إلى تحدي نفسي وتطوير إمكاناتي من أجل تحقيق النجاح في بيتي وعملي معاً، ومن أهم المهارات التي ساعدتني على ذلك، مهارة تنظيم الوقت، فأنا بطبيعتي أحب تنظيم وقتي وترتيب أولوياتي باستمرار، وأصبحت أكثر حرصاً وقدرة على ذلك بالممارسة والتدريب، أيضاً استفدت كثيراً من التكنولوجيا في اختصار الوقت وإنجاز مهامي إلى حد كبير، بالإضافة إلى توظيف العوامل الأخرى لصالحي، وأقصد هنا عامل البيئة المحيطة، فكثيراً ما ألجأ إلى الأشخاص المناسبين لمساعدتي في بعض المهام، ما يخفف الأعباء على كاهلي، لأكون قادرة على القيام بالمهام التي تتطلب وجودي بشكل خاص، وهذا ما ينطبق على بيئة العمل والبيت معاً، وبالنسبة لي نجاحي في العمل ينعكس على بيتي والعكس صحيح، فأنا حريصة على أن أكون قدوة لأبنائي في حب العمل والعطاء والسعي لتحقيق النجاح. في حالة الدكتورة شيخة الطنيجي، أستاذة قيادة تربوية الأمر مختلف، فهي ترى أن الموازنة بين مهام العمل ومتطلبات الأسرة صعبة جداً وتكاد تكون مستحيلة، خاصة عندما يكون الأبناء صغاراً، توضح وجهة نظرها من خلال تجربتها الشخصية، قائلة: في بداية حياتي الزوجية عندما كان أبنائي صغاراً لم يكن سهلاً علي التوفيق بين عملي وأسرتي، وكان يلازمني دوماً شعور بالتقصير تجاه أبنائي، وكنت صريحة مع نفسي، وقررت أن أعطي الأولوية لتربية أبنائي، وأتيحت لي فرص كثيرة تساعدني على الارتقاء بنفسي مهنياً، ولكني كنت أذكر نفسي بأن مكاني في العمل يمكن أن يشغله كثيرون غيري، ولكن مهمة تربية أبنائي لا يمكن أن يقوم بها غيري، واليوم بعد أن أصبح أصغر أبنائي في الثامنة من عمره بدأت أهتم أكثر بعملي، وصار عندي مساحة للتركيز على طموحاتي واهتماماتي الشخصية.أيضاً أم عبيد، حرفية في صناعة العطور والبراقع والثوب الإماراتي تحدت الصعاب من أجل أبنائها، تروي قصتها، قائلة: في البداية كنت أقوم بصناعة البراقع والتلي وخياطة الثوب الإماراتي كجزء من مهامي العائلية، وخدمة لبعض جيراني، ولكن بعد وفاة زوجي، لم يكن معاش التقاعد يكفي لتربية عشرة أطفال، ما دفعني لتطوير مهارتي في الصناعات التراثية، لأساعد نفسي على تربية أبنائي، وخلال رحلة عملي في صناعة المنتجات التقليدية حصلت على دورات في طبخ الأكل الشعبي، والتحقت بدورات متخصصة في تسويق المنتجات التراثية وتطويرها، واليوم أصبح لدي زبائن من خارج دولة الإمارات، وأستطيع أن أقول إن الصناعات التقليدية ساعدتني على تربية أبنائي، وعززت لدي الشعور بالاعتماد على النفس وإقامة علاقات اجتماعية جميلة، ومؤخراً صرت أقدم دورات في صناعة العطور والبخور، والحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، فأنا فخورة بما قدمته لوطني.
مشاركة :